رواية «كاذبة» رفعت عنها الغطاء شبكة تسول تديرها امرأة.. وأفرادها أطفال دون العاشرة
اسم الطفل «غيث» شغل حديث كثر من سكان مدينة جرمانا. رغم أنه غير معروف شخصياً للجميع. لكن قصته التي أثارت الرعب والتساؤلات في تلك المدينة، ألقت الضوء على «ظاهرة» استفحلت في دمشق وريفها خلال سنوات الحرب.
أطفال لم يبلغوا العاشرة من العمر، انتشروا على أطراف الشارع العام لمدينة جرمانا من مدخلها حتى نهايتها، وتفرعوا في الأحياء، باحثين عن رزق مشغليهم، على حد تعبير أحد السكان.
اختفى من المدرسة بظروف غامضة!
اختفى «غيث» ذو السبع سنوات من «مدرسته»، وبعد التوجه إلى ناحية جرمانا «أُبلغت بأن القانون يحول دون البحث عنه قبل مضي 24 ساعة»، بحسب حديث «حنان» وهي «أم غيث». وفقاً للرواية الأولى التي انتشرت على شبكة أخبار جرمانا.
«حنان» صعّدت موقفها، وشغلت حي الوحدة، في البحث عن «ابنها الضائع»، حتى تم العثور عليه بوضع «مزري»، حيث كان «مرمياً خارج أحد المنازل على أطراف مدينة جرمانا، بلباس رث، ووضع صحي سيء».
في الرواية الأولى، وجد «غيث» في منزل امرأة تدير مع زوجها وبعض أقرباءها شبكة أطفال تحت سن الـ10 سنوات، للتسول لحسابها ضمن جرمانا، وفي الرواية الثانية كانت هناك تفاصل أكثر إيلاماً.
بداية القصة
الصحفي خلدون قسام، مدير شبكة أخبار جرمانا، أول من تلقى شكوى «أم غيث» عن فقدان ابنها «بظروف غامضة»، وبدوره تحرك إلى لجنة حي الوحدة التي يسكن بها «غيث وأمه»، وبدأ «جهد شعبي وإعلامي للبحث عن الطفل، بعد أن ادعت «حنان» أنها توجهت إلى الشرطة ولم يتجاوبوا معها لعدم مضي 24 ساعة عن اختفاء الطفل» على حد تعبير قسام.
في رواية «حنان» الأولى، ذهب الطفل إلى مدرسة «الشهيد نزيه يوسف منذر» في حي الوحدة ولم يعد.
وفي الرواية الأولى أيضاً والتي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، قيل إن «رحلة البحث عن غيث بدأت بالتسارع بعد معلومات سربها طلاب من المدرسة الابتدائية ذاتها، تتحدث عن طالبة تحاول دائماً تسويق امتهان التسول بين الطلاب».
الصحفي قسام، عاد ليؤكد في الرواية الثانية، أن «السؤال عن غيث تم في حيه وبين رفاقه، وليس في المدرسة، حيث تبين لاحقاً أنه متسرب من التعليم هو والطفلة التي قيل أنها تروج للتسول في المدرسة».
كيف لم يهرب من مروى؟!
بعد رحلة البحث عن الطفل بتضافر جهود «الجيران» ولجنة حي الوحدة، تم العثور عليه في منزل بحي النسيم، تملكه امرأة تدعى «مروى»، ارتمى «غيث» على أريكة خارجه، نائماً من شدة التعب، ويعاني من المرض، وبحسب لجنة الحي «فقد «كان مفروزاً للتسول لحساب «مروى» أمام ملهى ليلي على طريق النسيم».
السؤال الذي يثار هنا، هو كيف لم يهرب غيث من «مروى»، أو من أمام الملهى الليلي ليعود إلى حضن «أمه»؟، وهنا يقول قسام إن «هناك موافقة مسبقة من حنان على ذلك»، وهنا بدأت الأمور تتوضح أكثر، وبدأت تفاصيل الرواية الأولى تتبدل إلى تفاصيل صادمة أكثر.
عضو لجنة حي الوحدة علي عثمان، الذي كان ضمن فريق البحث عن «غيث»، يقول إن «شكوى «حنان» وردت إلى مكتب اللجنة بأن ابنها ذهب إلى المدرسة ولم يعد حتى الساعة الرابعة عصراً، مؤكدةً أنها زوجة شهيد وأن ابنها يدعى «غيث معلا» وهو من جبلة».
وتابع «بدأنا البحث عن غيث من باب إنساني، لذلك لم نتأكد من المعلومات التي قدمتها «حنان»، خاصة وأنها ادعت توجهها للمخفر وأن الأخير رفض البحث عن «غيث» لعدم مضي 24 ساعة على اختفائه».
متسولون صغار «يدلون» على المكان!
وأردف «بعد السؤال في الشارع، تبين أن «غيث» يتردد على شخص يعلمه التسول، وخلال جولة البحث في الأحياء العشوائية، كانت ردود الفعل صادمة، حتى أن أحدهم قال: «لو عثرت على ذلك الطفل لجعلته يعمل في التسول لحسابي»، وهنا يؤكد عثمان «انتشار شبكات التسول بشكل كبير بظاهرة علنية ودون خوف».
عثمان وفريق البحث عن الطفل، بدؤوا بسؤال المتسولين عن شكل «غيث»، و»هنا بدأ اسم «مروى» بالظهور»، على حد تعبير عثمان الذي تابع: «جميع من سألناهم من متسولين كانوا أطفالاً صغاراً، وجميعهم عرفوا «غيث»، وقد استمر البحث حتى الليل، حينها عدنا لمتابعة البحث في اليوم التالي».
وأضاف «سألنا الأشخاص المتسولين نفسهم وأغريناهم بالمال أحياناً، حتى وصلنا إلى مكان تواجد «غيث» في حي النسيم، ووجدناه مع عشرة أطفال ضمن منزل المدعوة مروى».
الحقائق بدأت تتوضح
يؤكد عثمان أن لجنة الحي لم تحقق بعلاقة «حنان بغيث» قبل البحث عنه، ليتبين لاحقاً أنها ليست أمه، وأن روايتها الأولى محض «افتراء»، وأنها لم تسأل مخفر الشرطة، بل توجهت «إلى أحد الحراس لسؤاله عن آلية البحث عن المفقود بشكل عام»، على حد تعبير عثمان.
بشر أبو الفخر، رئيس لجنة حي الوحدة، يؤكد أن الطفلة «عُلا» التي كانت في الرواية الأولى «طالبة تروج للتسول في المدرسة»، متسربة وليس لها علاقة بالمدرسة المذكورة، لا هي ولا «غيث»، التي أكدت إدارة المدرسة عدم وجود اسمه في السجلات.
تفاصيل صادمة!
مدير ناحية جرمانا المقدم شايش الحمد، كشف عبر إذاعة ميلودي إف إم، تفاصيلاً صادمة، بعد التحقيقات وإلقاء القبض على شبكة التسول التي كانت تُشغل أطفالاً دون سن العاشرة من العمر، مؤكداً أن «حنان» التي ادعت أنها أم «غيث» ليست سوى أخته، وأن «غيث فؤاد معلا» ابن شهيد من جبلة، هو اسم مصطنع ليس له أصل للطفل «محمد نور ابراهيم رحال»، ووالده ابراهيم محمود رحال، موجود في الصنمين بدرعا مع الأم الحقيقية لمحمد أو الذي اشتهر بـ«غيث».
وتابع الحمد «حنان نسجت قصة محبوكة، وانطلت الحيلة على البعض، متهماً الجهات التي بحثت عن الطفل «بالتقصير» لعدم الرجوع إلى ناحية المدينة، قبل حدوث «الجلبة» بالقصة.
لكن تلك «الجلبة» أدت في النهاية للتوصل إلى شبكة تسول كبيرة، تعمل بالعلن في مدينة جرمانا، حيث تم اعتقال «مروى» وزوجها وابنها، وهم مشغلين للأطفال بالتسول، مع مشغل رابع وهو والد الطفلة «عُلا» التي تروج عمل التسول بين الأطفال، وهي متسربة من المدرسة أيضاً»، وفقاً لما أعلنته ناحية جرمانا.
الحمد أكد أن «مروى تُشغل عُلا في التسول مع عدد من الأطفال دون سن العاشرة، ويتم استقطابهم من الشارع وتقديم الطعام لهم بداية، ثم تقدم اللباس الرث للعمل بالتسول لحسابها».
وأضاف «الأطفال المضبوطين، ضمن شبكة التسول، كلهم تحت العشر سنوات ولا توجد عقوبة سجن لهؤلاء، حيث تم استدعاء ذويهم وضبط أقوالهم، وتبين أن الأطفال يعملون بعلم أهلهم»، مشيراً إلى أن «التحقيقات مازالت جارية».
الناحية تنفي تفاصيل رواية لجنة الحي
ناحية جرمانا التي علمت بقصة «غيث» عن طريق الانترنت، تقول إنها استطاعت ضبط شبكة التسول بأقل من 8 ساعات»، ونفت على لسان الحمد أن تكون رحلة البحث استمرت يومين، حيث قال: «فُقد غيث الساعة 12 ظهراً، وعاد إلى أمه في الرابعة عصراً»، رغم أن لجنة الحي وشبكة أخبار جرمانا أكدت أن البحث والوصول إلى منزل «مروى» استمر حتى اليوم التالي لفقدانه.
الحمد نفى أيضاً أن تكون لجنة الحي وفريق البحث قد سألوا المتسولين عن مكان الطفل، مايشير إلى أن شبكات التسول تعمل بشكل علني، قائلاً إن «حنان دلت على مكان «غيث»، وهي التي أحضرته وليس فريق البحث».
وقد أفادت «حنان» بعد توقيفها، أنها فقدت غيث 4 مرات سابقة ووجدته مع مروى أو أم يوسف، التي تعمل أيضاً في التسول مع ابنها يوسف وهو صديق غيث».
3 حالات خطف خلال شهر.. ومشغل جديد لم يضبط بعد
خلدون قسام، مدير شبكة أخبار جرمانا، عاد ليؤكد أنه «لم يتم العثور على غيث حتى اليوم التالي، وأنه مكث ليلة كاملة يتسول أمام ملهى ليلي قبل العثور عليه»، مشيراً إلى أن «اختطاف الأطفال ظاهرة موجودة في جرمانا»، قائلاً «خلال الأزمة وردتنا طلبات كثيرة لنشر إعلانات عن فقدان أطفال، وضمن شهر شباط وحده وردتنا 3 حالات اختطاف موثقة لدى شبكة الأخبار»، وهنا يبدو واضحاً أن ذوي المفقودين يتوجهون إلى وسائل التواصل الاجتماعي، دون
سلك الشرطة، لسبب ما!.
وكشف عن «شكوى جديدة لم يتم التحقيق بها عن «مُشغلة أخرى تملك منزلاً في حي الحمصي»، مشيراً إلى أن «جيرانها اشتكو عليها دون جدوى، وأنه سيتم التواصل مع ناحية جرمانا للتحقيق في الأمر».
ظاهرة خطيرة ووسائل قديمة
\حادثة غيث وحنان ومروى وغيرهم، بمدينة جرمانا أو سواها، تؤكد على أن ظاهرة التسول باتت من الخطورة بمكان، حيث وسعت الشبكات العاملة بها من حيز عملها لتصبح مقترنة بالاختطاف، وذلك ما تم الكشف عنه حتى الآن، وبحال استمرار التعامل مع هذه الظاهرة وشبكاتها العاملة على المنوال نفسه والوسائل والآليات القديمة نفسها، فإن أفق عمل هذه الشبكات من الممكن أن يتوسع ليشمل نشاطات وظواهر قد تكون أكثر خطراً وإجراماً، مع كل ما تحمله هذه الظواهر من آفات وأمراض، وخاصة الاجتماعية منها.