فلاحو «أبو عفصة»  انتصروا لأرضهم ومصدر رزقهم.. ونجحوا..!

فلاحو «أبو عفصة» انتصروا لأرضهم ومصدر رزقهم.. ونجحوا..!

في مطلع الشهر الحالي، وقف العديد من الفلاحين وأسرهم (نساء وأطفال ورجال وشيوخ)، أصحاب الأراضي الزراعية في منطقة أبو عفصة بطرطوس والعاملين فيها، بوجه الجرارات والآليات القادمة من أجل اقتلاع أشجارهم وتجريف أرضهم، وقد أثمرت جهودهم بأن تم (التوجيه) بإيقاف إجراءات التنفيذ، وعادت الجرارات والآليات خائبة، مع من خلفها من متنفذين ومنتفعين، تحت أنظار وسائل الإعلام والمتابعين.

 

الجرارات والآليات كانت قد تحركت بإيعاز من دوائر التنفيذ في المحافظة، تنفيذاً لقرار استملاك كان قد صدر عام 2010، من أجل مشروع للسكن الشبابي، على أراضٍ زراعية تقدر مساحتها بحدود الـ 20 هكتاراً، فيها بحدود عشرة آلاف شجرة مثمرة، ناهيك عن الزراعات الأخرى، والتي تعيش من غلالها مئات الأسر، كما توفر العديد من المحاصيل الهامة للاستهلاك المحلي في المحافظة.

اعتراضات لم تُجدِ نفعاً

يشار إلى أن هؤلاء، والمقدر عددهم بالمئات من الفلاحين وأسرهم، كانوا قد اعترضوا على قرار الاستملاك بحينه، حسب القوانين المرعية، وبمؤازرة مديرية الزراعة بالمحافظة واتحاد الفلاحين، مبينين بأن تلك الأراضي هي أراضٍ زراعية، وهي المصدر الوحيد لقوتهم ومعيشتهم، مطالبين الجهات الرسمية بالبحث عن بدائل بعيداً عن أراضيهم الزراعية ومصدر رزقهم الوحيد، ولكن دون جدوى، حيث لم تؤخذ اعتراضاتهم بعين الاعتبار، كما أن بدلات الاستملاك المقررة كانت غير منطقية بالمقارنة مع الأسعار الرائجة، حيث قررت بـ 240 ل.س للمتر والسعر الرائج يقدر بـ 3000 ل.س، علماً بأنه سبق أن أُعلن عن تشكيل لجان لهذه الغاية، بناءً على الاعتراضات، ولكن لم تفلح بإيجاد البديل. وحسب أقوال بعض المزارعين بأن هناك بعض التجار والسماسرة، من المضاربين بالعقارات والأراضي الزراعية، كانوا قد اشتروا بعض الأراضي بالقرب من منطقة الاستملاك من أجل إشادة الأبنية عليها والإتجار بها، وكانوا معيقين لاتخاذ أي قرار يصب بمصلحة الفلاحين والمكتتبين على المشروع الشبابي بإيجاد البديل المناسب، عبر بعض المتنفذين والفاسدين.

كما ويشار إلى أنه سبق أن تم استملاك بعض الأراضي بالمنطقة نفسها لمصلحة مشروع سياحي فيها، على حساب الفلاحين والإنتاج الزراعي، ولمصلحة..؟!.

ونشير إلى أن قاسيون سبق وأن سلطت الضوء على موضوع الاستملاك الجائر لهذه الأراضي الزراعية، بما يخالف مراسيم صادرة بهذا الشأن، كونها أراضِ زراعية ويعتاش من غلالها مئات الأسر، وذلك على صفحاتها، ولعدة مرات.

لا يموت حق ..

هذا التحرك أظهر أهمية التوحد والتكاتف من أجل المطالب المحقة، كما الاستمرار بهذه المطالب وعدم التراخي في متابعتها، وإيجاد الوسائل المناسبة لتحقيقها، بالإضافة إلى السعي لتسخير الإمكانات المتاحة كافة من أجلها، حيث لجأ الفلاحون لاستنفار إمكاناتهم، بالإضافة إلى إمكانات مديرة الزراعة واتحاد الفلاحين، وبعض أعضاء مجالس الإدارة المحلية في المحافظة، والإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، علماً أن خصومهم، من المتنفذين والتجار والسماسرة والفاسدين، لهم الباع الأكبر والخبرة الأوسع في تسخير الإمكانات، بما فيها المادية المباشرة.

الاستملاك لمصلحة من؟

الاستملاك لم تتطور وسائله وأدواته، كما لم تتغير شريحة المستفيدين منه، فتجريف الأراضي الزراعية، التي تعيش من غلالها مئات الأسر، بعيداً حتى عن المصلحة الاقتصادية العامة، لما تمثله الزراعة من أهمية بهذا الشأن، يضعنا أمام التساؤل المشروع، لماذا التركيز على تلك الأراضي دون غيرها، أم أن ما قاله بعض الفلاحين عن مصلحة مباشرة للمضاربين بالأراضي، من تجار وسماسرة، كان لهم الدور الأكبر في التمترس على قرار الاستملاك من قبل بعض المتنفذين، والسعي العملي في التنفيذ على الرغم من الاعتراضات المقدمة منذ سنين.

السكن الشبابي حجة وذريعة

إن تنفيذ مشروع السكن الشبابي للمكتتبين منذ سنين، والذين سددوا التزاماتهم كافة حتى تاريخه، يعتبر ضرورة وواجباً، ولكن ربط هذا المشروع كضرورة ومصلحة عامة وجهاً لوجه مع استملاك الأراضي الزراعية، التي تنتفع منها المئات من الأسر، فيه ما فيه من إشكالات وتداعيات!، وقد توقف التنفيذ سنوات عديدة بسبب بعض هذه الإشكالات، وكان هناك من يسعى لإظهار أن المعترضين على تنفيذ مشروع الاستملاك، لمصلحة السكن الشبابي من الفلاحين، إنما يتخذون موقفاً معادياً للمصلحة العامة!، ويقومون بعرقلة تنفيذ هذا المشروع، والذي تبين لاحقاً أن هذا الطرح ما هو إلا حجة وذريعة، يقف خلفها بعض الحيتان من أصحاب رؤوس الأموال، وغيرهم من الفاسدين والمنتفعين.

زمن قياسي في تأمين البديل

الغريب واللافت في الأمر هو محاولة استثمار بعض المتنفذين في المحافظة، لتحرك الفلاحين وأسرهم، وللتوجيه، لمصلحتهم!، وكأنه الصحيح والمنطقي والسليم والمناسب والعادل والوطني و.. لا يتم إلا عبر تحرك أهلي وبعد (توجيه)، والعكس بالعكس، ما يضعنا أمام التساؤل المشروع حول كيفية اتخاذ القرار وتنفيذه عبر هؤلاء؟ ولمصلحة من؟، خاصة وقد ظهر عملياً وبالملموس، كيف تم تأمين البديل المناسب للأراضي مباشرة، عندما توفرت الرغبة والعزيمة لذلك، (عبر التوجيه وبعد التحرك)، وبزمن قياسي!.

إعادة النظر بالاستملاك

وأخيراً لابد من الإشارة إلى ضرورة إعادة النظر بالكثير من قرارات الاستملاك الصادرة، وخاصة تلك المتعلقة بالأراضي الزراعية، في طرطوس كما غيرها من المدن والمحافظات، التي تعتبر مصدر الرزق الوحيد للفلاحين وأسرهم، ولما تمثله الزراعة والإنتاج الزراعي من أهمية على مستوى الاقتصاد الوطني الكلي، بعيداً عن مصلحة بعض المنتفعين من تجار وسماسرة وفاسدين ومتنفذين، وعدم انتظار الفلاحين والمتضررين في هذه المدن والمناطق، ليدلوا بدلوهم اعتراضاً على تلك القرارات، خاصة وقد امتلك هؤلاء وسائلهم وأساليبهم، التي باتت كفيلة بالحفاظ على حقوقهم ومستقبلهم.