(تخفيض الأسعار 60%) من أين لك هذا يا وزير؟!
الحكومة الجديدة أو (حكومة العمال والفقراء) وفق تسمية رئيس وزرائها تطلق العديد من التصريحات النارية في أثناء (جولاتها الميدانية) التي يحاول البعض أن يعتمدها معياراً (للعمل الحكومي الناجح)، إلا أن الوعد الذي أطلقه وزير التجارة الداخلية بتخفيض الأسعار إلى حدود 60% قد استوقف السوريين! فمن أين لك هذا يا وزير التجارة؟!
الوزير وفي إحدى جولاته.. صرح للإعلام واعداً بتخفيض الأسعار بنسبة 60%، لكن هل ستستطيع (حكومة الفقراء الجديدة) أن تخفض الأسعار إلى هذه المستويات؟
حديث الوزير وتصريحاته المتتالية حول الإجراءات، يدل على أن الطريقة المستهدفة لتخفيض الأسعار، هي زيادة عرض المنتجات في مؤسسات التدخل الإيجابي وبأسعار مخفضة، ولكي تخفض الأسعار بهذه النسبة، عليك أن تخفض الأرباح بنسبة 60%..
أحد الجهات التجارية ردت على هذا الكلام في الإعلام المحلي بما معناه، بأن نسب الأرباح التجارية لا تبلغ هذا الحد، بل هي في حدود 30% فقط، وبالتالي الوزير عليه أن يفرض على التجار أن يبيعوا بخسارة ليخفض مستوى الأسعار بنسبة 60%!
الرد التجاري المذكور سابقاً بأن الأرباح لا تتجاوز 30% بأحسن الأحوال، قد ينطبق على صغار تجار الجملة، أو تجار التجزئة، حيث يحصل هؤلاء على جزء صغير من نسبة الربح الكبيرة التي يحصل عليها الآخرون! وتحديداً كبار المستوردين المحتكرين لاستيراد مواد رئيسية، حيث نسبة الربح تبلغ أكثر من 90% بالقياس إلى التكلفة، كما في نماذج درستها قاسيون لفواتير استيراد. فهؤلاء التجار ممولين بالقطع الأجنبي بسعر أقل من سعر السوق، ويستطيعون أن يفرضوا نسبة ربح مرتفعة احتكارية، لأنهم المزودين الرئيسيين للسوق بالمواد الضرورية المستوردة، كما يستطيعون أن يحصلوا على ربح غير شرعي، من استخدام القطع الأجنبي في عملية المضاربة، ما يقلل من قيمة الليرة ويرفع الأسعار، وسعر الدولار وربح المحتكرين..
إذاً تستطيع الحكومة أن تخفف مستويات أسعار السلع المستوردة احتكارياً، إذا استطاعت أن تفرض على هؤلاء أن يخفضوا نسبة ربحهم بمقدار 60%؟ ولن تستطيع أن تقوم بهذه العملية، إلا إذا قامت هي بالاستيلاء على حصة هامة من سوق هذه المواد تقارب حاجة الاستهلاك الضروري، وقامت بالبيع المباشر لهذه السلع، أي قامت باستيرادها، وبيعها في السوق بأسعار مخفضة بنسبة 60%..
فهل يقصد وزير التجارة الداخلية، أن يقول بأن الحكومة ستقوم باستخدام المال العام لاستيراد السلع الرئيسية وبيعها بسعر مخفض بمقدار 60%، والدخول في معركة مع مجموعة المستوردين المتحكمين بالاستيراد والذين لا يتجاوزا 6-7 مستوردين كبار، وفرض تخفيض الأرباح بنسبة بأكثر من النصف على هؤلاء؟!
نعتقد أن الوزير لم يقصد ذلك، والحكومة كذلك الأمر.. فالمتابع للأداء الحكومي يستنتج بوضوح بأن نقطة التركيز الرئيسية (للحكومة الجديدة) كانت أوضاع المستوردين وعمليات الاستيراد، وإجازاتها وطرق تمويلها وغيرها.. وقد لقيت استحساناً على ذلك من قوى السوق. وبالمقابل فإن حكومة (العمال والفقراء) قد وضحت للعمال في اجتماع مجلسهم، بأنها لا زالت مستمرة على نهج سابقتها في الانطلاق من (عدم توفر الموارد)، وأنه على العمال أن يستبقوا أي مطلب يقدمونه للحكومة، بالتذكر بأن وفرة الموارد أو عدم توفرها هو المنطلق! ولذلك لن يتم تثبيت العمال الموسمين والمؤقتين وتستمر (دراسة التكلفة)، ولن يكون من ضمن خطط الحكومة الانفاق على دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي في الاستثمار الصناعي والدعم والخدمات والتجارة، لأن كل هذه الإجراءات مرهونة بالحجم القليل من الموارد التي تتركها قوى السوق الكبرى للدولة..
غالباً لم يقصد وزير التجارة الداخلية أن يخالف النهج الحكومي السابق والحالي، المتوافق مع السياسة الاقتصادية الليبرالية المتبناة، إلا أن الضغط الإعلامي حول الوعود الحكومية، دفعه إلى هذا التصريح.. أما إن كان يقصده فعلاً فعلينا أن نسأله: من أين لك هذا؟!