حنين إلى شيء ما.. يقتلنا ويمضي!
في أحد المنازل الصغيرة الموزعة في الحي استلقت بقرب جدها في السرير، تحدق في عينيه العجوزتين وتداعب ذقنه وشعره الثلجي في محاولة منها لتفسير تقاسيم وجهه المعتق مع الزمن واستكشاف الفارق بين يديها الصغيرتين ويديه. تحشر نفسها في حضنه لتستجمع كل الدفء المكنون، وترمي بثقل نهارها المتعب وتبدأ بالهمس في أذنه في محاولة منها لبوح خاص عما حدث في ذلك اليوم.
«جدي اليوم تعرض لي أطفال المدرسة وقاموا بإزعاجي. لماذا؟! هل لأننا تركنا منزلنا وهجرنا في الحرب. كم أتمنى لو نعود».
وبعدها استسلمت لنعاسها وغفت. هي لم تنتظر أن يقص لها جدها حكاية ما قبل النوم المشوقة المملوءة بالخيال، ولم تحلم بعيد أو فستان أو حتى لعبة تتلهى بها مع أخيها الصغير. ربما لم تجد متسعاً في رأسها الصغير لتلك الأفكار البعيدة.
«ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم أدى لأزمة قلبية أوقفت أعضاء جسده اليسرى عن العمل بشكل مؤقت».
هذا ما جاء في تقرير الطبيب في صباح اليوم التالي في غرفة المشفى. لم تفكر بثقل كلماتها على قلب العجوز الممتلئ بالحنين، وهو لم يحتمل أن تختصر له حفيدته الصغيرة واقع وطن ببضع كلمات بسيطة ومقتضبة. وأن تستبدل أحاديث اللعب وأولاد الجيران والأمنيات بالعودة والتهجير والنزوح.
لا توقفوا التصوير، فهذا ليس مشهداً سينمائياً في فيلم لكاتب سيناريو نسجه من خياله في ليلة موحشة محاولاً تصوير هول واقع الحرب. إنها قصة فتاة لم تنه أعوامها العشرة اسمها فيروز أو فوفو مثل ما اعتادت أن يسموها في كنف عائلتها الصغيرة جرت في مدينة حمص بعد أن هجروا من منطقة القصير.
هي رسم لواقع سوري نعيشه بجميع القصص وكل الأمل أن تكون قصة اليوم أقل ذعراً من قصص الغد.