هل من حماية ومساعدة للنازحين والمتشردين على أرض وطنهم؟!

مع استمرار الصراع وتصاعد وتيرة العنف وانتشار العمليات العسكرية إلى درجة فاقت التوقعات ونشرت الذعر والرعب بين معظم السوريين أينما حلوا، سادت أوضاع خطيرة ومأساوية تسببت بنزوح العديد من الأسر والعائلات الآمنة عن بيوتها في عدة مدن (حمص– دير الزور– ريف دمشق– درعا..) إلى قلب العاصمة دمشق، وذلك بحثاً عن المأوى والملاذ الآمن.

ومع مرور الأيام ازدادت دموية الأحداث أكثر فأكثر، ما جعل نسب النزوح تزداد يوماً بعد يوم، وبالنظر لمعاناة اللاجئين السوريين وما يتكبدون من مصاعب ومتاعب الحياة بعد أن تشردوا أصبحوا هم قضية بحد ذاتها تستحق الوقوف عندها والنظر في حيثياتها والعمل على علاجها، وقد التقت قاسيون في هذا التحقيق بمجموعة من النازحين والمهجرين وذلك لمعرفة أسباب تشردهم وتركهم أراضيهم؟ وأين يقيمون الآن؟ ومن يقدم لهم يد العون؟ وهل يتمنون العودة إلى بيوتهم؟ ومن كان وراء الأزمة؟ وما هو الحل الحقيقي الفاعل للأزمة برأيهم؟

يقول الأستاذ (ت-ن) وهو أحد سكان محافظة دير الزور: «لقد هجرت محافظة دير الزور منذ حوالي الثلاثة أشهر، وذلك نتيجة القصف والدمار والخراب الذي نال من مناطق واسعة في تلك المحافظة، وأنا أقيم الآن بمنطقة التضامن في محافظة دمشق حيث نقيم أربع أسر بغرفتين فقط ومساحة المنزل بشكل عام سبعين متراً، وعدد الأشخاص أربعة عشر شخصاً، فدماء الأبرياء تسيل وتنزف دون أن تجد من يحقنها في كل يوم ترى 100 – 150 قتيلاً؛ فلماذا كل هذا القتل والدمار؟ إن الحل يكون برأيي من خلال المصالحة الوطنية التي لها شروطها، فالتغيير يجب أن يكون تغييراً جذرياً، ونحن مع مسألة الحوار لكن ضمن شروط ومعايير محددة، والأزمة برأيي جاءت نتيجة عدة عوامل مثل قيادة الحزب الواحد والسيطرة على الحكم وغياب المصداقية في عملية الانتخابات والتدخل الأجنبي في المنطقة، وفي نهاية الأمر الحل يجب أن يكون سلمياً من خلال عملية نزع السلاح والعمل على انتخابات وطنية شريفة تحت إشراف دولي هذا هو الحل برأيي».

وتقول الحاجة الهرمة ليرة عبد الله، وهي من منطقة الميادين في دير الزور: «لقد هجرنا منطقة الميادين بمحافظة دير الزور منذ حوالي الشهر وذلك جراء الأحداث التي جرت هناك، ونقيم حالياً بمنطقة جرمانا في منزل للإيجار وأوضاعنا المادية سيئة جداً، ولدي ثمانية أطفال، فأنا أعمل الآن بتنظيف الأبنية والأدراج حتى نحصل على لقمة العيش وزوجي مريض، ولا أحد يساعدني سوى ولدي الشاب والبالغ من العمر خمسة عشر عاماً».

المواطن (ل.م) يقول: «منذ أكثر من شهرين نزحت من البوكمال فمن يستطيع أن يبقى تحت الضرب والقصف والقتل والدمار؟ أنا لا أبرئ أحداً من المتشددين داخل النظام أو المتشددين في المعارضة المسلحة، ونحن أصبحنا حطباً لحرائقهم ولجرائمهم، وأعتقد أن الأمر والنهي وما يزيد الأزمة تعقيداً ليس الجيش بل الجهات الأمنية التي هي صاحبة القرار، وهذه هي نتائج ما تمارسه معظم هذه الجهات؛ هدم البيوت، حرق للمحلات، ضرب البنى التحتية»..

المواطن (م.ه) يقول عن سبب نزوحه: «أكثر من شهرين وأنا انتقل من بيت إلى بيت هنا في دمشق، بعد أن نزحت أنا وجميع أفراد عائلتي من البوكمال بسبب الدمار والخراب والجرائم من قتل وسرقة، لقد أصبحنا أسوأ من الصومال، وأتمنى طبعاً أن أعود إلى بلدي البوكمال بأقرب وقت، ولكن الطرفين يعيقان ذلك، ولقد تعاون الطرفان علينا بصراحة، أقسم أنهم شركاء ولعل الكل يقبض من بعضه البعض في البوكمال بشكل خاص وفي دير الزور بشكل عام».

السيدة (م.د): «أنا من حمص، من باب هود تحديداً، وقد هدم بيتي فكان لا مفر لي من النزوح أو الهروب إلى دمشق، الموت بشع؛ فكيف إذا مات الإنسان وبقيت جثته هامدة لأيام في الشوارع ولا يستطيع أحد دفنه، أما الحل فأرى أنه في لجم جميع من يحمل السلاح، كائناً من يكون، ولكن طبعاً ليست المشكلة مع الجيش العربي السوري، لكن المشكلة مع المسلحين والآخرين الذين بات الجميع يعرف بوجودهم».

الآنسة (ج.ب) قاطعت والدتها قائلة: «يا أخي نحن ندعو الله أن نعود إلى بيتنا إلى حمص بأمن وأمان، وأن تعود الأمور كما كانت، وألا تقود لأمور أخرى». مضيفةً بخوف وحذر وتردد: «أي ألا تبقى المحسوبية والفساد والظلم والفقر و... إن ما شاهدناه وما مر علينا بحمص لا استطيع وصفه لكم مهما حاولت، تركنا بيتنا، أصبحنا نازحين في بلادنا، أصبحنا غرباء نحن السوريين في سورية، الكل ساهم بذلك؛ الحرامية والمسلحون وأصبحنا وقوداً في نارهم، نحن نطالب بمحاسبة كل من قتل ودمر من كلا الطرفين مرة واحدة، نريد شيئاً يتحقق على أرض الواقع يا أخي، نحن مع الوحدة الوطنية، نحن ضد الطائفية، ضد القتل والدمار، نحن كلنا سوريون لا فرق بين ابن هذه المحافظة أو تلك، هكذا نريد أن تكون سورية»، وعن الحل قالت «أمامنا خيارات إما الدمار أو الحوار الصادق الجدي والبناء والذي يحقق لنا رغباتنا في الأمن والأمان وفي القضاء على التسلط والجبروت ويقضي على الفساد ويضع الرجل المناسب في المكان المناسب».

أمام هذا كله لم يبقَ لنا إلا أن نقول واهم من يظن أنه قادر على دمار الإنسان السوري مهما ارتكب من جرائم قتل للحجر والبشر كائناً من كان، ومن أي فريق كان، واهم من يظن أن الشعب السوري عجينة طرية بين أصابعه وأنه قادر على العبث بها فالشعب السوري أقسى من حجر الصوان ورائع وجميل ويحمل من الوعي الوطني والحس الوطني أضعافاً مضاعفة مما يحمله دعاة الوطن والوطنية، من أي فريق كان، وواهم من يظن أن سورية يمكن أن تؤخذ من الداخل كما أخذت غيرها لعمق جذورها في أرض التاريخ وشموخها في سموات الرفعة والعزة والتحدي.

وفي النهاية نؤكد أنهم واهمون من هم في داخل النظام الذين يضعون العصي في عجلات المصالحة ومثلهم من هو موجود بالمعارضة، فالشعب السوري بكل إثنياته القومية لن يكون إلا سورياً ولسورية.

هذا هو قدر الشعب السوري مهما دمرت مدنه، لن يستطيع أحد أن يدمر وطنه ووطنيته.