ضاحية قدسيا.. بعض ما خلّفه الفساد وسوء التخطيط!
تعدّ ضاحية قدسيا في ريف دمشق امتداداً لما يسمى بـ«الشام الجديدة»، وتتميز من حيث المبدأ باتساع مساحاتها وكثرة مبانيها السكنية.. وكذلك بضيق شوارعها ذات الزفت المنّقر على امتداده، كما تتميز بما تضمه حدودها الإدارية؛ من أوقح ملامح الفساد، وأبشع مظاهر سوء التخطيط، وشتى أشكال رداءة التنفيذ، وخلافه من مباعث الامتعاض المواطني، ولكنها رغم ذلك بقيت حتى وقت قريب تمثّل الملاذ الوحيد لسكن أصحاب الدخل المتوسط (والمحدود إذا تعلّق الأمر بالسكن الشبابي)..
ضاحية قدسيا التي بنيت بمعظمها على أملاك خاصة استملكتها الدولة دون أن تقدّم للأصحاب الأصليين تعويضات مناسبة، هذه الضاحية الهادئة البعيدة عن التلوث، تعاني منذ استحداثها كضاحية سكنية سوء وضيق الطرقات (اللهم إلاّ الطريق الجديد الذي يمرّ منها واصلاً بين مشروع دمر والمتحلق الشمالي)، وقلّة الأمكنة المخصصة لركن السيارات، وندرةً في الخدمات، وكثرةً في المخالفات التي تتراوح بين ملحق مخالف من جهة اليمين، و«دكانة» خارجة من قبو سكني من جهة اليسار، فضلاً عن كونها تعاني تصحّراً قل مثيله العالمي في الضواحي السكنية من شرق المعمورة إلى غربها..
وفي النقل العام، تأتي ضاحية قدسيا في أسفل قائمة الجودة دون منافس، فبعد أن أعادت محافظة ريف دمشق ومديرية النقل فيها النظر بـ«قرار» تشغيل باصات القطاع الخاص في خدمة سكانها، أصبح النقل من الضاحية وإليها حكراً على عدد قليل من السرافيس سيئة الأداء، فبات السكان يرزحون تحت رحمة السائقين المزاجيين، أو فليتكلوا على الله ويعملوا في سلك الرقص بما يكفل لهم تأمين دخل يكفي لطلب «التكاسي» من مكاتبها التي نمت كالفطر في ضاحية الفقراء (طالما أن الخدمات في أسوأ أحوالها لديهم)..
أما النظافة فحدّث ولا حرج، فالأرصفة إن لم تكن ممزقة البلاط فلابد أن تكون غارقة بالأوساخ المتناثرة، هذه حال وسط الضاحية حيث تتركز الكثافة والنشاط السكاني قديم العهد، أما في الأطراف فحتى زفت الشوارع يكاد لا يرى لكثرة الأتربة والأنقاض و«الزبالة»، فالأطراف حديثة عهد بالسكان وخاصةً منها جزر السكن الشبابي التي لم يجد أحد من سكانها ما يستحق السكن، ولولا مُرّ الحال لما جرّبوا مرّ السكن..
ضاحية قدسيا، كانت لتكون سكنية بامتياز، لولا أن الفاسدين أرادوا لها أن تكون تجارية بامتيازين؛ الأول يحقّق لهم ربحاً عقارياً سهل الهضم طالما أنهم أصحاب الأموال الأكثر نشاطاً وطالما أن مشكلة السكن لم تجد حلاً يحلّها منذ سنوات، والثاني يحقّق لهم ربحاً خدميّاً زكي الطعم طالما أنهم الأقدر على منح رخص الأكشاك وافتتاح مكاتب التكاسي العاملة بكل الاتجاهات وعلى مدار الساعة في استغلال حاجات السكان..
ضاحية قدسيا، ليست الوحيدة، لكنّها النموذج الإسكاني الأبرز الذي خلّفه الفساد وسوء التخطيط والتنفيذ للباحثين عن سكن رخيص نسبياً، وهي الأقرب إلى «الشام القديمة» منها إلى «الجديدة» أو «المستقبلية»!.