اللاجئون السوريون في لبنان
في دول الجوار السوري، وفي لبنان خاصة، مازال وضع اللاجئين السوريين وواقعهم على ماهو عليه منذ خمسة أعوام حتى الآن. كما لا يبدو أنه سيتغير، وستستمر معاناتهم وصعوبات حياتهم المعاشية اليومية، وسيمر هذا الشتاء كما سبقه من شتاءات قاسية على هؤلاء، وخاصة الموجودون في الخيام، التي كانت وما زالت مهلهلة وغير فعالة، فلا هي تقيهم حر الصيف، ولا تقيهم قسوة الشتاء وبرده.
عدد اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان يقدر بـ1.3 مليون، وذلك حسب بيانات مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة. وقد توزع هؤلاء على عدد من المخيمات ومراكز الإيواء التي تتجاوز 1300 مخيم ومركز إيواء، منتشرة في العديد من المناطق اللبنانية، حسب البيانات الرسمية اللبنانية، وهي تفتقد للكثير من شروط السكن والإقامة اللائقين، وخاصة من ناحية الخدمات، من المياه والكهرباء والصرف الصحي والتدفئة وغيرها، ناهيك عن تقاضي أجور إقامة في بعضها، على الرغم من سوء خدماتها.
منظمات وجمعيات..
ونقص موارد
على الرغم من كثرة تعداد المنظمات والجمعيات العاملة في مجال الإغاثة والرعاية الاجتماعية والإنسانية في الداخل اللبناني، المحلية العامة والأهلية والإقليمية والدولية، وعلى الرغم من الإمكانية المتوافرة أمامها في الوصول إلى أماكن وجود اللاجئين بكل يسر وسهولة، إلا أنها كانت عاجزة عن تأمين مستلزمات ومتطلبات الحياة المعيشية والخدمية لهؤلاء بالشكل المطلوب، وذلك بسبب نقص الموارد مقارنة مع العدد الكبير للاجئين هناك، والفجوة المتسعة بين الاحتياجات الإنسانية الضرورية والتمويل المتاح، حيث اقتصرت الإعانات والمعونات المقدمة على الجزء اليسير من أساسيات البقاء على قيد الحياة، للبعض الأكثر تضرراً، بما في ذلك على مستوى الجانب الصحي، وخاصة للأطفال، مما زاد من بؤس الواقع المعاشي والصحي اليومي للكثير من اللاجئين هناك، علماً بأنه، وبحسب التصريحات الرسمية لمفوضية اللاجئين، فهي تقدم الرعاية والمساعدة لـ500 ألف من المتضررين في لبنان، من لبنانيين وسوريين، من أصل إجمالي تعداد اللاجئين والمتضررين هناك، الذي يقدر عددهم بأضعاف هذا العدد.
معاناة وشروط عمل مجحفة
جلّ اللاجئين السوريين في لبنان كانوا قد هربوا من سورية نتيجة المآسي وأهوال الحرب، بثيابهم فقط، حيث أجبرتهم ظروف الحرب والواقع الأمني السيئ، وفقدان ممتلكاتهم وبيوتهم، كما موارد رزقهم وعيشهم، على الهرب واللجوء، كما أن نسبة النساء والأطفال تغلب على نسبة الذكور في التعداد العام لهؤلاء، والذين غالبيتهم بلا معيل.
ومع قلة فرص العمل المتاحة أمامهم، في ظل الواقع الاقتصادي العام في لبنان، من أجل تأمين بعض مستلزمات المعيشة الأساسية، وفي ظل عدم تمكن المنظمات وجمعيات الرعاية الاجتماعية من القيام بدورها بالشكل المطلوب، اضطر الكثير من هؤلاء للعمل بشروط قاسية ومجحفة، إن كان على مستوى الأجر أو نوع العمل، وساعاته الطوال، وحتى على مستوى الصحة والسلامة المهنية في بعض الأحيان، بعيداً عن أية تعويضات أو حقوق، ناهيك عن بعض أوجه الاستغلال البشعة المضافة إلى صعوبات حياتهم هناك، وخاصة على مستوى تشغيل النساء والأطفال، ما زاد من معاناتهم فوق معاناة اللجوء والقهر والجوع.
مواليد جدد وشروط مضافة
لم تقف معاناة اللاجئين السوريين في لبنان عند حدود هربهم من المآسي، وظروف العيش الصعبة فيه مع قلة الموارد، بل ما زاد من أوجه تلك المعاناة هو ما يتعلق بالشروط التي وضعتها السلطات اللبنانية من أجل الإقامة وتسجيل المواليد السوريين الجدد، ووجود كفلاء لبنانيين من أجل تجديد الإقامات، التي رآها الكثير منهم مجحفة بحقهم، في ظل امتناع الكثير من اللبنانيين عن كفالة السوريين اللاجئين، بالإضافة لتلك المتعلقة بتسجيل المواليد الجدد، والذين أصبح عددهم بالآلاف خلال الأعوام المنصرمة، حيث مازال جزء كبير منهم دون قيد أو تسجيل رسمي، وذلك بسبب بعض الشروط الخاصة، ومنها على سبيل المثال طلب تحليل الـDNA من أجل تحديد النسب، وما تكلفه مثل هذه التحاليل من نفقة كبيرة، إضافة إلى الرسوم الكبيرة الأخرى، التي لا طائل للاجئين فيها.
طفولة ومستقبل مجهول
لن يقف الأمر عند هذا الحد، فالموضوع عملياً يعني مستقبل هؤلاء الأطفال الذين أصبح عمر بعضهم بعمر الحرب والأزمة، دون قيد أو تسجيل، وهؤلاء بالتالي سيكون من المتعذر عليهم العودة إلى وطنهم مع أهلهم وذويهم عند انتهاء الأزمة لاحقاً، كونهم غير مسجلين ولا قيد لهم، وعلى ذلك فإن تلك الإشكالية ستبقى عصية عن الحل أمام اللاجئين السوريين، لقلة الحيلة وضعف ذات اليد، مع استمرار تلك الشروط والقيود.
وللعلم فإن الغالبية العظمى من هؤلاء كانوا قد خرجوا من سورية ودخلوا إلى لبنان عن طريق المعابر الحدودية الرسمية وبشكل نظامي، مع تسديد ما يترتب عليهم من رسوم عبور ومهر لجوازات سفرهم، بموجب التعليمات النافذة في البلدين كليهما، حسب الأصول.
شتاء قاسٍ آخر
ومع قدوم الشتاء والبرد، وذكريات مآسي الأعوام الفائتة وضحايا البرد والثلج والعواصف، يتخوف اللاجئون من قسوة شتاء هذا العام، وخاصة الموجودون في الخيام الموزعة هنا وهناك، التي عجز غالبيتهم عن تجديدها، أو تحسين شروط الإقامة فيها وتحصينها، ما يعني أن موسم الشتاء بات كابوساً حقيقياً يؤرق حياة اللاجئين السوريين هناك، حيث أن الإقامة بتلك الخيام أشبه بالإقامة بالعراء تماماً، وهم بانتظار ثلوج هذا العام وعواصفه وسيوله الجارفة، لتحصد منهم أعداداً إضافية على أعداد ضحايا الأعوام المنصرمة، موتاً ومرضاً، دون رعاية أو اكتراث.
آمال العودة
اللاجئون السوريون في لبنان، ينتظرون بفارغ الصبر الانفراجات على المستوى السياسي وبالتالي الأمني والعسكري في وطنهم، من أجل عودتهم إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم، حتى وإن كانت مهدمة وتفتقر للخدمات، وهم بغالبيتهم مؤيدون للتوجهات السلمية وبوادر الحل السياسي الشامل المرتقب، وهم مستبشرون بأنه وخلال عامهم الجديد سيكون أمامهم أفق مفتوح على الأمل، من أجل استعادة حياتهم ونشاطهم الاقتصادي والاجتماعي في سورية، مع إخوانهم ومواطنيهم على أرض وطنهم.