سيادة الدستور والقانون والقضاء على الفساد مهمتان أساسيتان أمام حكومة الوحدة الوطنية

سيادة الدستور والقانون والقضاء على الفساد مهمتان أساسيتان أمام حكومة الوحدة الوطنية

إن ما يمر به شعبنا السوري حاليا من مآس وتطورات عاصفة، وما يحاك له من مخططات تستهدف الوطن أرضاً وشعباً بهدف السيطرة على ثرواته ومقدراته الاقتصادية وتكبيل تطوره الاجتماعي، تضع على عاتق كل القوى الحية والشريفة في هذا الوطن الغالي مهمةإنقاذه، وتنتصب أمام هذه القوى سواء كانت جماهيرية عفوية أم حزبية مسيسة، مهام تاريخية تقتضي حشد قواهم وتوحدهم وتنظيم صفوفهم لقيادة الجماهير إلى ما تصبو إليه ووضع الشعارات والأهداف الكبرى ذات الطابع الموضوعي، آخذين بعين الاعتبار أولا وأخيراإمكانية تحقيقها وتحويلها إلى واقع ملموس، ودون هذا الشرط تصبح ضرورة تجاوز الواقع مهما كان الثمن وبلغت التضحيات، أمراً طوباوياً عندما لا نتمكن من ربط عملية التغيير بالإمكانات المتاحة في الواقع المعاش.

وأمام هذه المهام الكبرى لابد من إجراء دراسات بحثية مستمرة ودائمة للمتغيرات التي تجري على أرض الواقع، بهدف معرفة هل تحقق شيء من الشعارات والأهداف واستشراف المستقبل لوضع شعارات وأهداف جديدة أم لا؟.

وانطلاقا من كل هذا لابد من طرح السؤال التاليهل تمكن الحراك الجماهيري بعد عشرة شهور من تفجره من تحقيق الشعار الأساسي منه ألا وهو تغيير النظام تغييرا جوهرياً؟

لقد رفع حزب الإرادة الشعبية والجبهة الشعبية للتغيير والتحرير هذا الشعار أيضا، وهنا يجب الانتباه إلى أن ما جرى قبل 2011/3/15 غير ما جرى ويجري بعده وهناك شبه استحالة للعودة إليه، وبالتالي فإن الواقع المعاش على الأرض يجيببأنه فعلا تمكن الحراكالشعبي من تحقيق هذا الشعار جزئيا، وأن تغييرات كثيرة حصلت وستحصل تثبت ذلك، وأصبح هذا الشعار بعد تحققه نسبيا كـ«لزوم ما لا يلزم »، وإذا كان النظام السابق بحكوماته المتعاقبة قد أوصل البلد إلى ما وصل إليه الآن، من فقر وبطالة ترهق الشعب وخصوصاًالشباب، وحوَّل الاقتصاد السوري من اقتصاد منتج يعتمد على الزراعة والصناعة وخصوصاً ما ينتجه القطاع العام إلى اقتصاد ريعي يعتمد على تصدير المواد الخام غير المصنعة (بترول، قطن، فوسفات)، وفتح المجال الواسع أمام القطاع الخاص، وخصوصاً غيرالإنتاجي، وكأنه المنقذ الوحيد لما يعاني منه الشعب السوري ففتحت له الأبواب، لدخول استثماراته إلى البنية التحتية، التي كان يجب أن تبقى حكرا للدولة، مع توفير النية المبيتة لخصخصة القطاع العام وبيعه بأرخص الأثمان، أضف إلى كل ذلك استشراء الفساد مما دفعالجماهير الشعبية للنزول إلى الشارع والبدء بحراك جماهيري غير مسبوق في تاريخ سورية الحديث، وقد بينا في مقال سابق أن الأزمة السورية ما هي إلا تعبير صارخ للتناقض التناحري بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، هذه العلاقات التي لا حل للأزمة إلا بضربهاووضع علاقات جديدة مكانها، تتطابق مع مستوى تطور القوى المنتجة وتفتح المجال لها لأن تعاود تطورها، لا أن تبقى عائقا لها، وبينا أن هذا الواقع يستدعي الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما أكدت عليه كلمة رئيس الجمهورية التي ألقاها على مدرج جامعةدمشق الثلاثاء 10 كانون الثاني، التي جاءت تلبية لهذا المطلب الهام، حيث أن تشكيل هذه الحكومة يأتي في ظرف استثنائي ويتطلب بالضرورة حكومة استثنائية «في برنامجها ومهامها غير العادية، فالأزمة تتطلب إجراءات غير عادية تحافظ على الوحدة الوطنية وتبعدالأخطار عنها، وصولاً إلى رأب التصدعات فيها، ليصار لاحقاً إلى توطيدها وتعزيزها، وهي السلاح الأساسي والأهم في مواجهة كل التحديات الخارجية والداخلية.. وفي صلاحياتها الاستثنائية؛ فالحكومات العادية تنفذ السياسات الموضوعة وتضع البرامج لها، أما فيحالتنا فحكومة الوحدة الوطنية التي يجب أن تكون سياسية بامتياز هي التي ستضع السياسات بالتشاور والمشاركة مع المؤسسات الدستورية صاحبة العلاقة، و في آجالها الزمنية؛ إن حكومة من هذا النوع هي بطبيعة الحال مؤقتة، وعمرها لا يجوز أن يتجاوز بضعةأشهر، وصولاً إلى إنجاز الاستحقاقات الدستورية التي سيسمح بنهايتها بتشكيل حكومة من الأغلبية النيابية التي ستنتج عن أول انتخابات لمجلس الشعب».. وقد بين الرفيق دقدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية أن الحزب موافق على المشاركة بهذه الحكومة، ولكنهأجاب بوضوح كامل: «لكننا لن نشارك بحكومة وحدة وطنية ليس لها صلاحيات».. وقد وافقت أيضا الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير على ذلكويمكن القول إن تعديل الدستور وخاصة المادة الثامنة منه، وإصدار القوانين التشريعية (الصحافة - الأحزاب – الانتخابات..)،تأتي في إطار التغيير المطلوب، ولو أن قانون الانتخابات بقي على حاله دون تغيير يذكر، وهذه نقيصة لابد من تجاوزها بوضع قانون جديد فعلياً يعتمد النسبية والدائرة الواحدة.

وأخيراً نقول إن عجلة التغيير قد بدأت بالدوران، وقطعت أشواطاً واسعة في طريقها نحو تحقيق أهدافها، ولكنها تحتاج قبل كل شيء إلى أن يبقى الحراك الشعبي سلمياً، وأن يتمكن من التخلص من كل الشوائب العالقة عليه، وعلى رأسها الميليشيات المسلحة التي تركبموجاته الهادرة وتمتص دماءه كي تغير اتجاهاته وأهدافه وتطلعاته في مستقبل زاهر.