مازوت التدفئة.. والدفء المفقود

مازوت التدفئة.. والدفء المفقود

يبدو أن بيع أوهام الدفء من قبل شركة محروقات «سادكوب»، سهل جداً، فقصاصة الورق الصغيرة التي تحمل رقماً، ضمن سلسلة من عشرات آلاف الأرقام، لحق الأسر في مازوت التدفئة، يكفي لأن ينام المرء ويستيقظ على أمل أن يأتيه اتصال دافئ من سائق صهيرج المازوت، يعلمه بأن دوره قد حان، لكن انتظار أبو ميرنا طال ثلاثة أشهر، وبدأت العواصف تضرب البلاد، دون أن يأتي الاتصال الموعود.

بيع أوهام الدفء من قبل «سادكوب»، بحسب أبو ميرنا، وهو أب لطفلة لم تبلغ العامين بعد، شيء «غير إنساني»، فقد سمع وقرأ تصريحات مدراء «سادكوب» قبل وبعد دخول فصل الشتاء، التي أكدت ومازالت تؤكد بأن حصول الشخص على حصته من المازوت ستكون خلال فترة أقصاها 20 يوماً، ومن تخطت مدت تسجيله تلك الفترة دونما حصوله على المخصصات، فعليه مراجعة المركز الذي سجل به، «فحتماً هناك خطأ ما» على حد تعبيرهم.
أبو ميرنا راجع المركز الموجود في حاميش، ليتفاجأ بعد 3 أشهر من الانتظار، أنه يجب عليه الانتظار أيضاً لموعد غير معلوم، فهناك 30 ألف اسم قبل اسمه، مايعني دخول فصل الصيف القادم دون حصوله على مخصصاته.

وعود بالية

«تصريحات ووعود سادكوب  تندرج ضمن ممارسات وتصريحات حكومية باتت خشبية وبالية، وتحتاج إلى حل جذري»، يقول أبو ميرنا مضيفاً «هذا ليس حالي وحدي، فعندما خرجت من المركز مزعوجاً وأنا أفكر كيف يمكنني أن أوفر الدفء لعائلتي، مع اقتراب موعد العاصفة التي تحدثوا عنها على وسائل التواصل الاجتماعي، صدمت بعشرات الأشخاص يبازرون سائقي الصهاريج أمام المركز».
وأردف «لم أُعر الموضوع أي اهتمام، لكن وعندما صعدت في السرفيس أمام السائق ورآني أحدق برقمي التسلسلي الضخم الذي سبب مأساتي، سألني: هل قمت بالتسجيل على المازوت؟، فأجبته بنعم، وهنا عرض علي عرضاً صادماً!».


طرق ملتفة ورشاوي

سائق السرفيس عرض على أبو ميرنا أن يتصل بسائق صهريج ويغريه بمبلغ 2000 ليرة سورية، مقابل أن يقوم بتعبئة المازوت له في وقت قريب جداً، كما فعل السائق نفسه على حد تعبيره، بدلاً من الانتظار الذي قد يطول كثيراً، «نتيجة تلاعب بعض أصحاب الصهاريج، بالتواطؤ مع بعض الموظفين، في مراكز التسجيل لتأخير وتقديم دور من يدفع، «على حد تعبير السائق.
كثيرون مثل أبو ميرنا باتوا يلجأون للطرق الملتفة بدلاً من انتظار وعود سادكوب التي وصفوها بـ»الكاذبة»، لكن هذا كان حال البعض فقط ممن يملكون ثمن الـ200 لتر، الذي يبلغ تقريباً 30 ألف ليرة مع الرشوة المدفوعة.


تجارة بالإيصالات

هناك مواطنون غير قادرين على شراء المادة ولو جاءهم «الاتصال الدافئ» الذي انتظره أبو ميرنا ولم يأت، هؤلاء يلجأون إلى بيع وصول «الدور»، بمبالغ تراوحت بين 2000 و5000 ليرة سورية، بحسب الموعد قريب أم بعيد، وانتشرت هذه الظاهرة على صفحات الأسواق الإلكترونية في موقع فيسبوك، حيث تدور هناك بازارات لشراء إيصالات المازوت، فيما شكل سوقاً سوداء إلكترونية بعيدة عن أية رقابة لم تحقق نفعاً ملموساً على أرض الواقع كي تحققه في العالم الإفتراضي.


محطات منزلية سرية

مأساة الدفء هذه مع اقتراب موعد منخفض جوي «قوي» مصحوب بالثلوج كما تنبأ المختصون، تزامنت مع ارتفاع سعر المازوت في السوق السوداء، الذي وصل سعره إلى 250 ليرة سورية لليتر الواحد، وهو متوفر بشكل غريب لدى باعة منتشرين سراً، في الأحياء التي تمر منها بعض خطوط السرافيس، وهذا ما أكده أبو سامر وهو أحد سكان منطقة ركن الدين.
أبو سامر كشف عن وجود أشخاص جعلوا منازلهم محطات لتعبئة المازوت بالبيدونات، وهؤلاء يقومون بتوفير المادة «بطريقة غير معروفة!»، ليبيعوا «تنكة» الـ20 لتر بـ5000 ليرة سورية، بعيداً عن أية رقابة.
ومازال أبو ميرنا، كغيره من المواطنين، مستمراً في بحثه عن الدفء المفقود!.