الزراعة في الحسكة على شفير الهاوية.. والفلاحون حفظوا النشرات الجوية عن ظهر قلب
يعتبرالفلاح دورسن يوسف أبو علي معروفاً على نطاق واسع في محافظة الحسكة كونه مصدر إلهام الفلاحين في تنبؤاته الجوية وقراءته لحالة الطقس، سواء في قريته طبقة أو في منطقته بأكملها، في هذه الأيام من السنة يتوافد الفلاحون إليه ليسرهم ويخبرهم أخباره السارة عن الطقس وتوقعاته عن هطول كمية من الأمطار علها تكون فاتحة الخير بحصاد موسم جيد.
الفلاح السوري بشكل عام ينتظر طيلة موسم كامل بانتظار محصوله الذي قد ينتهي بين ليلة وضحاها والفلاح الجزراوي بشكل خاص في ملامحه بؤس وفقر واضح نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها المحافظة تارة بسبب الجفاف وتارة أخرى بسبب السياسات الخاطئة التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في التنمية الزراعية، مما أدى لتراجعات كبيرة في الكميات المتوقعة من الإنتاج الزراعي بمختلف أنواعه.
في زيارتي الأخيرة لمحافظة الحسكة فوجئت بسرعة البداهة التي يملكها الفلاح أبو علي في شرحه للوضع الزراعي للمحافظة ككل هذه البداهة التي قد لا يحملها ثلث الإدارات في وزارة الزراعة الموقرة، عند حديثه عن حاجة الزراعة وخاصة محصول القمح لكميات ضرورية من الأمطار حسبت نفسي جالساً مع أحد خبراء الأرصاد الجوية والمتنبئين لها، يؤكد أبو علي أمام جموع الفلاحين أن الزراعة في الحسكة تمر بفترة حرجة جدا بسبب انحسار الأمطار وقرب موعد الحصاد وعدم اكتمال السنابل التي بحاجة ماسة للمطر للتكون، وخاصة المحاصيل البعلية الواقعة في المناطق ذات المعدلات القليلة الهطول، عدد لا بأس به من الفلاحين في مناطق الاستقرار الثالثة والرابعة والخامسة حولوا الأراضي للمراعي قبل يباسها، البعض باعها ببضعة آلاف لعل وعسى يؤمن ثمن الخبز لعائلته لأيام معدودة.
خسائر فادحة
الحكومة العتيدة متمثلة بوزارة النفط جعلت المحاصيل المروية حلماً للفلاح الفقير، بعد أن رفعت أسعار المحروقات المستخدمة في عملية الري، والانقطاع المستمر للكهرباء بالنسبة للآبار المعتمدة على الطاقة الكهربائية فكانت الخسارة مضاعفة على الرغم من أن بعضها مازال بحالة جيدة.
المشرفون على الوحدات الإرشادية ومديريات الزراعة يؤكدون أن استمرار هذه السياسات من الحكومة في وجه القطاع الزراعي يعني أن الزراعة في محافظة الحسكة قاب قوسين أو أدنى من الاضمحلال مما يضعنا امام احتمالات خطورة ظهور الخطوط الحمراء في تأمين الأمن الغذائي، فالتحديات كبيرة، والتكاليف باهظة لتكون النتائج خسائر فادحة.
يتفق معظم الفلاحين أن الصعوبات التي يواجهونها ترتبط بعدة نقاط منها المتعلقة بالطقس نتيجة انحسار الأمطار في السنوات الأخيرة والذي شكل خطراً كبيراً جداً على الزراعة، وأخرى مرتبطة بالصعوبات المادية حيث أصبحت تكاليف الزراعة باهظة وبأسعار مضاعفة أضعافاً فقد أصبح سعر البذار من 12 ألف الى 21 ألف للطن الواحد، وبالإضافة لارتفاع أسعار السماد بمختلف أنواعه، وفقدان مادة المازوت وغلاء سعرها وتحكم أصحاب المحطات بكمياتها.
الفلاح والسوق السوداء
إن ما يجب التأكيد عليه أن أرقام تكاليف المحاصيل الإستراتيجية الصادرة عن وزارة الزراعة، مغايرة للواقع، ويرجع هذا التباين إلى أن هذه الأرقام تحتسب بالاعتــماد على الأســـعار المقرّة في اللوائح الحكومية لوسائل الإنتاج الزراعي ومستلزماته، في حين يتوجه الفلاحون بأغلبيتهم الساحقة إلى السوق السوداء لتأمين حاجتهم من الأسمدة والبذور والمبيدات والمحروقات، ويفرض هذا الأمر إعادة النظر في أسعار شراء المحاصيل الزراعية الإستراتيجية من الدولة.
وحسب مصادر رسمية أن انحباس الأمطار في السنوات الماضية، ونقص المياه، ورفع سعر مادة المازوت، أوقف ما يقارب نصف المشروعات الزراعية المروّية في القامشلي. ومع جفاف كثير من أنهار المحافظة، تحوّلت مساراتها إلى مجار للصرف الصحي ومخلفات المدن، وهذا ظاهر للعيان بمجرد المرور من قربها، حيث أصبحت بقايا الأنهار مياهاً آسنة، وينطبق هذا الوصف على نهر الجغجغ بالقامشلي الذي كان يتغنى به الجزراوية في عهود سابقة، الأمر الذي جعل الأراضي التي تروى من هذه المياه سبخات راكدة.
ومن الجدير بالذكر هنا الإشارة إلى التقرير الذي أصدرته عام 2011 وزارة البيئة السورية، ودقت فيه ناقوس الخطر، إذ أشار التقرير إلى معاناة قطاع الزراعة من مشكلات وتحديات متنوّعة، تشمل تدني خصوبة الأراضي، وتلوّث التربة ومصادر الماء لأسباب سكانية وصناعية، وأوضح التقرير عينه أن عملية تحقيق الأمن الغذائي تواجهها صعوبات مختلفة، منها تناقص الموارد الطبيعية، وتسارع النمو السكاني، وتنامي الحاجة إلى زراعة محاصيل إضافية، واللجوء إلى تقسيم الأراضي إلى ملكيات صغيرة وغيرها.
لكن على أرض الواقع لم ينفذ شيء، الحكومة ما زالت تعيش في أحلامها، وكأن البلاد بألف خير، بينما أبو علي وجميع فلاحي المنطقة عيونهم للسماء بانتظار قطرة ماء تنقذهم من الآتي؟؟!.