حرب ساخنة وقلوب باردة
أحداث مريرة وظروف عصيبة تلك التي مرت بها الكثير من النساء السوريات بظل واقع الحرب والأزمة وتداعياتها، وخاصة اللواتي أصبحن خلالها بلا معيل أو سند بنتيجتها، مع واقع اقتصادي معاشي متردي، وظرف اجتماعي لايرحم أحياناً، بظل نماذج الأحكام المسبقة للمجتمع بعاداته وتقاليده، وخاصة على مستوى الأهل والأقارب، الذي يصبح دور بعضهم السلبي أشد وطأة من المجتمع.
وحيدات في اللجة
كم من النساء فقدن الزوج أو الأب أو الأخ والمعيل، وبتن وحيدات في مواجهة صعاب الحياة وسبل العيش بكرامة، إن كان ذلك الفقد سببه الموت أو الاختطاف أو الاعتقال أو الغياب القسري دون معرفة مكان الوجود، فالنتيجة واحدة بالنسبة للنساء، ناهيك عن أن بعضهن شاهدن وعايشن هذا الفقد أمام أعينهن، وخاصة بعض عمليات القتل التي تمت أمام مرأى أفراد الأسرة، أو عمليات الاختطاف المسلح من المنازل، وغيرها من أحداث ومسببات للتغيب،.
الكثيرات من النساء قمن بالتفاوض مع الخاطفين مباشرة، أو قمن بالمتابعة والبحث عن مفقوديهم.
غالبية النساء وعلى الرغم من الواقع المأساوي الذي يعشنه، إلا أنهن أثبتن أنهن قادرات على أن يكن مثالاً يحتذى في التصميم والارادة. 4كل الآثار السلبية النفسية التي سترافق تلك المشاهدة والمعايشة، بلحظة الحدث أو في المستقبل، كما أن الكثيرات منهن قمن بالتفاوض مع الخاطفين مباشرة، أو قمن بالمتابعة والبحث عن مفقوديهم، هنا وهناك، ومع هذه الجهة أو تلك، أو قمن بمراجعة الجهات الرسمية من أجل شهيد أو جريح أو مفقود أو معتقل.
بواقع وظروف الحرب والأزمة، المسألة ليست مسألة فراق وفقدان بالنسبة للمرأة، بل باتت مسألة وجود وسبل عيش وبقاء، بظل واقع اقتصادي اجتماعي معاشي يومي، يثقل كاهلها، وخاصة إن كان لديها أطفال يجب عليها رعايتهم وإعالتهم، ما يضطر هؤلاء للبحث عن مصدر لتأمين سبل العيش، سواء عبر الجمعيات الخيرية وغيرها من المنظمات الإنسانية الرسمية وغيرها، أو عبر البحث عن عمل تؤمن من خلاله جزءاً من احتياجاتها واحتياجات أطفالها المعيشية الأساسية اليومية.
حكايا مهشمة وصمود
أكثر ما يشاهد على أبواب الجمعيات الخيرية والمراكز الصحية ومراكز الهلال الأحمر، في المدن والمناطق والأحياء كلها، هن النساء اللائي أصبحن في غفلة من الزمن، وبنتيجة الحرب والأزمة الطاحنة، معيلات لأسرهن، ولعل تلك المشاهدة تعتبر دليلاً ملموساً على كبر عدد هؤلاء النسوة، بالمقارنة مع الذكور المتواجدين أمام تلك الجهات.
وفي طوابير الانتظار يمكن أن نستمع إلى الكثير من القصص والروايات عبر أحاديثهن لبعضهن، ومعاناة كل منهن والظروف الصعبة التي عايشنها.
فتلك تتحدث عن زوجها الذي قتل أمام عينيها من قبل مسلحين ملثمين دخلوا على منزلهم عنوة وبتهديد السلاح، كما قاموا بالنهب والسرقة، وهذه تتحدث عن زوجها الذي التحق بالمجموعات المسلحة، تاركاً إياها مع أطفالها دون أن تعرف أين أصبح وإن كان ما زال حياً أم ميتاً، وأخرى تحكي عن بطولات زوجها الشهيد على جبهات قتال الإرهابيين، وبقائها وحيدة في مصارعة سبل العيش، وثانية تقول أن زوجها تم اختطافة وطلب فدية بمقابل الإفراج عنه، ولكن على الرغم من دفع الفدية بشق النفس بعد بيع كل الممتلكات، إلا أن المختطفين أجهزوا عليه، وباتت هي وأطفالها دون معيل ومأوى، ولكل منهن معاناتها، فهذه نزحت وتلك تشردت وأخرى طردت، وهكذا أصبحت كل منهن معيلة، تعتمد عليها أسرتها وأطفالها في مواجهة مشقات الحياة، إضافة إلى معاناة الحرب والأزمة العامة.
ضغوط اجتماعية واستغلال
ومع واقع النزوح واللجوء والتشرد والحاجة، التي تعرضن لها الكثيرات من هؤلاء النسوة، باتت الكثيرات منهن عرضة للاستغلال، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل لتأمين متطلبات الحياة والمعيشة لأسرتها وأطفالها، وقد لا يقف الأمر عند ذلك عندما يبدأ أهل زوجها المفقود أو المتوفي بالتدخل في حياتها وشؤونها، للتقييد على حركتها ووضع شروط لعملها، أو غيرها من أساليب التدخل والتقييد، على الرغم من عدم اكتراثهم لواقعها وظرفها المعاشي، ولكن يقتصر ذلك الدور على ماهو سائد من أعراف اجتماعية، كأن يفرض عليها الزواج، أو يتم منعها منه، أو الإلزام بمكان إقامة محدد، أو حتى التدخل بشروط تربية الأطفال، دون تحمل أي عبء اقتصادي، هكذا، على الرغم من وجود تعاطف اجتماعي عام مع الكثيرات منهن، يتمثل ببعض المساعدة التي لا تكاد تذكر أمام الاحتياجات الأساسية الهامة، ولكن تبقى هذه الإمكانات هي المتاحة اجتماعياً، بظل واقع اقتصادي معاشي عام سيئ، ويتدهور تباعاً.
أمل وانتظار
قلق وخوف وهلع واكتئاب واضطرابات نفسية أخرى مختلفة، هي ما تعرضن له ويعانينه تلك النسوة، خاصة وأن بعضهن بتن يتعاطين المهدئات والمسكنات، أو بتن في عزلة تامة عن واقعهن، بما في ذلك محاولات بعضهن للانتحار بلحظة ضعف، بنتيجة ظروف المعاناة والقسوة التي كابدنها، ولم يستطعن الخروج منها، للتأقلم مع واقعهن الجديد.
وبالمقابل هناك الكثيرات اللواتي استطعن أن يتأقلمن مع متطلبات البقاء والصمود، في مواجهة كل الصعاب والأزمات التي تعرضن لها، حيث أن غالبية النساء وعلى الرغم من الواقع المأساوي الذي يعشنه، إلا أنهن أثبتن أنهن قادرات على أن يكن مثالاً يحتذى في التصميم والارادة ومقارعة الخطوب، وبتن معيلات حقيقيات لأسرهن وأطفالهن بالاعتماد على أنفسهن، مع الاحتفاظ بالكرامة والكبرياء والشموخ، بمواجهة بعض القلوب الباردة إنسانياً ومجتمعياً، وحتى رسمياً، كما أن هؤلاء بتن مصدراً للأمل والتفاؤل في مجتمعاتهن الصغيرة والكبيرة، بما عقدته من عزم على المضي بالحياة، رغم صعوباتها ومشقاتها عليهن، من أجل غد أفضل لهن ولأسرهن، منتظرات مع كل السوريين بزوغ فجر سورية الواحدة الموحدة بشعبها وأرضها، خلال هذا العام.