«كيف عايشين»؟!

«كيف عايشين»؟!

مهما حاولت الأسرة السورية أن تقلّص التكاليف الضرورية التي تحتاجها، ومهما ابتدعت من حلول تقشفية، فإن أي حسبة منطقية تقول بأنها تحتاج إلى أكثر من200 ألف شهرياً، بل حوالي 270 ألف ليرة مع تجاوز صرف الدولار عتبة 620 ليرة سورية.

مع كل رقم من هذا النوع، واقترانه بالأجر الوسطي البالغ 26 ألف ليرة، فإن السؤال الملح الذي يكرر حضوره: كيف يعيش السوريون؟!

لا يمكن أن تستمر أسرة سورية اليوم بمعيل واحد، وبأجر وسطي واحد، بل تحتاج أسرة من خمسة أشخاص إلى 7 أجور وسطية لتؤمن حاجاتها الضرورية..

وبالتالي على العامل السوري، ورب الأسرة، أن يعمل 12-16 ساعة، ليحصل على 60 ألف ليرة في نهاية الشهر بأفضل الأحوال، أما النساء السوريات فقد أصبحن القوى العاملة الرئيسية في الظروف الحالية لتصل الأسرة، من دخل الأم والأب افتراضياً إلى 90 ألف، وهو دخل الأسرة التي تملك معيلين أحدهما، يعمل بعملين خلال اليوم. ويتبقى أكثر من 130 ألف لسد الحاجات، يجب تأمينها عبر التقشف مضافاً إليه البحث عن مصادر تمويل إما من (مصدر خارجي) أو (مصدر غير شرعي)..

يحتاج الطفل الواحد فقط بحسابات اليوم إلى غذاء بمقدار 13 ألف ليرة شهرياً أو أكثر. وهو غير متاح لغالبية الأسر التي ينبغي عليها تأمين مبلغ وقدره 70 ألف ل.س. بالشهر لتغطية تكاليف الغذاء الضروري لأسرة مكونة من 5 أفراد. وهو ما يحتم بالنتيجة انتشار ظواهر سوء التغذية ونقص النمو وضعف المناعة، وصولاً إلى تراجع معدل العمر الوسطي وغيرها.

تخفيف الحاجات لا يكفي، وهو ما يدفع إلى التقليص وصولاً إلى إلغاء نفقات التعليم، وإخراج الأولاد إلى سوق العمل، ليصبح بالتالي أكثر من 40% من أطفال سورية خارج المدارس، وفي الشوارع والورش وحتى على جبهات القتال.

لذلك لجأت أغلب الأسر السورية إلى محاولة انتشال أبناءها من ظروف الحرب، وإرسالهم في عرض البحر، ليعملوا (كلاجئين) ويعودوا على الأسرة، بمبالغ تحويل شهرية، يرسلها الشباب السوريون إلى عائلاتهم، أو العائلات المهاجرة إلى أقربائها، من مبالغ إعانة اللاجئين المحسوبة أوروبياً وفق الحد الأدنى الضروري. وإذا لم يكن هذا الخيار متاحاً فعلى الأسرة أن تعود إلى الحلقة المفرغة التي تحول أبناءها أنفسهم إلى البحث عن مصادر دخل.

 ومع هذا الوضع المضني، واللاإنساني، الذي يتحول فيه الدمار والفوضى والجوع إلى وقود يسعّر من أرباح القلة اللاهثة وراء الربح الأعلى، فإن مئات الآلاف من السوريين وضعتهم الأزمة على حافة الاختيار، بين الفقر والفاقة بل والجوع من جهة، وبين الانتماء إلى منظومة فساد وانحلال القلة الرابحة التي تشمل محدثي النعمة من أمراء الحرب، ولذلك تحولت ظواهر السرقة والتعفيش والدعارة والاتجار بالبشر، وغيرها من مصادر الدخل غير الشرعية إلى مصير منطقي انحدر إليه الكثير من السوريين.

واقع منظومة فساد واحتكار القلة سابق للأزمة، وقد عرض المجتمع السوري خلال العقد الماضي لصدمات اقتصادية اجتماعية، هزت استقراره وقيمه ودفعته للانفجار..

أما كيف يعيش السوريون اليوم فالجواب واضح، لقد تجاوزنا الصدمات والخطر وتهتك المجتمع، ودخلنا في كارثة إنسانية واجتماعية كبرى، وانتشال المجتمع من هذا الواقع ونتائجه، قد يحتاج إلى فترات طويلة، لكنه لا يمكن أن يبدأ إلا بتفكيك منظومة القلة الرابحة من تجويع السوريين ومن هدر كرامتهم..