«فوق الموتة عصة قبر!»
مازالت معاناة جزء هام من معلمي دير الزور، النازحين والمهجرين خارج المحافظة رغماً عن إرادتهم، قائمة حتى تاريخه، وقد تكرست تلك المعاناة أكثر بعد صدور بلاغ الرئاسة رقم 27/15/ب تاريخ 29/10/2015.
وفي معرض تفسير مضمون البلاغ أعلاه بفقراته الثلاث يتبين أن الغاية الأساسية منه هي تحديد أسماء العاملين الذين غادروا المدينة وريفها، وأوجه صرف استحقاقاتهم من أجور وتعويضات، بغاية التأكد من صحة ومطابقة المعلومات والبيانات وبمعرفة المحافظ وعلى مسؤولية المحاسبين المعنيين، في الجهة التي وضعوا أنفسهم تحت تصرفها كما في جهة عملهم الأصلي في محافظة دير الزور، تحاشياً لوقوع أي خلل مالي في أوجه الصرف وأن تصل إلى مستحقيها ومنعاً من وجود أي التباس أو تكرار في الصرف.
وهذا طبعاً أمر لاغبار عليه، كما هو هام وضروري، وخاصة على مستوى العاملين في حقل التربية وذلك لكبر عددهم وكثرة محاسبيهم، مع ماتداولته وسائل الاعلام من فساد في هذا الحقل على مستوى بعض المحاسبين هنا وهناك.
إشكالية فقرة
ولكن الإشكال في البلاغ أعلاه كان في الفقرة الرابعة منه التي نصت على مايلي:
4 - أما بالنسبة للعاملين في الجهات العامة في محافظة دير الزور الذين خرجوا من المدينة اعتباراً من /1/1/2015 ولم يصدر قرار تكليف لهم من الوزير المختص يتم اعتبارهم إجازة بلا راتب من تاريخ مغادرتهم المدينة لحين البت بتكليفهم من قبل الوزير المختص والمحافظ .
الفقرة آنفاً تتضمن أن هؤلاء العاملين قد وضعوا أنفسهم تحت التصرف ولكن لم يصدر قرار التكليف لهم، ما يعني أن مشكلة التكليف من عدمها هي شأن إداري ليس لهم دور فيه، وبالتالي لايجب أن يتحملوا وزره، فكيف يتم اعتبارهم إجازة بلا راتب لحين البت بتكليفهم، طالما أنهم قد وضعوا أنفسهم تحت التصرف.
التربويون أكثر المتضررين
الفقرة أعلاه مست أكثر العاملين في حقل التربية من معلمين ومدرسين وإداريين، باعتبارهم النسبة الأكبر من تعداد العاملين في المحافظة (مدينة وريف)، والذين كما أسلفنا قد خرجوا من المدينة نزوحاً وهرباً من الجوع المحدق بهم وبأسرهم، ناهيك عن سوء الأوضاع الأمنية في المحافظة المحاصرة منذ زمن ليس بالقصير.
وحسب قول أحد المعلمين المهجرين: لو تكفلت المحافظة والحكومة بتزويدنا بمتطلبات معيشتنا اليومية من أغذية وأدوية وسواها لما اضطررنا إلى المغادرة والنزوح وترك منازلنا خلفنا، على الرغم من سوء الوضع الأمني في المدينة، ولكن تم التعامل معنا على أساس فوق الموتة عصة قبر، حيث نزحنا وبتنا اليوم نبحث عن مورد لإطعام أفراد أسرنا وسبل إعالتهم، بانتظار أن يحن علينا الوزير والمحافظ بتحديد مكان عمل، كي تصرف أجورنا لنعيش.
الإشكال في نص الفقرة أعلاه بحاجة إلى تصويب حرصاً على الكادر التدريسي والإداري وسير العملية التعليمية مستقبلاً في المحافظة، علماً أن الكثير من المدارس بحاجة إلى رفدها بكادر وخاصة بمدينة دمشق وريفها، وبالتالي فإن العملية لاتعدو كونها إجراءً إدارياً بحتاً يمكن حله أو إيجاد صيغة مستعجلة مناسبة له، تحفظ حقوق العاملين النازحين من محافظة دير الزور ويتم الاستفادة من إمكاناتهم بهذا الموقع أو ذاك، خاصة وأن غالبية هؤلاء قد تقدموا بطلبات تحديد مركز عمل وينتظرون الإجابة.
الأجر مصان دستوراً
علماً أنه بموجب الدستور والقوانين فإن الأجر حق مصان للعامل، وجواز اعتبار أحدهم إجازة بلا أجر أو بحكم المستقيل لاتنطبق على من يضع نفسه تحت التصرف خلال الفترة المنصوص عنها قانوناً، فكيف بنا ونحن بهذه الظروف والمحنة القاسية التي تمر بها البلاد والعباد، التي من الواجب تفرض المزيد من المرونة وليس المزيد من التشدد في معرض تطبيق الأنظمة والقوانين على الملتزمين بها، وخاصة على مستوى الأجور التي لاتكاد تغطي أصلاً متطلبات المعيشة، فكيف بوقفها.