جريمة شاحنة الموت النمساوية.. وأسئلة ذوي الضحايا
لا زالت الأسباب والدوافع وراء مأساة «شاحنة الموت النمساوية»، التي أودت بحياة أكثر من 70 لاجئاً، معظمهم من السوريين، طي الكتمان والتحفظ المريب، من قبل السطات النمساوية والمجرية، على حد سواء، بل وشبه تواطؤ من قبل ما يسمى منظمات حقوق الإنسان وغيرها، حيث لم يظهر لهم أي دور إيجابي على هذا الصعيد، إضافة الى الانكفاء الواضح من قبل وسائل الإعلام بمتابعة تلك القضية، بل حتى لم يصدر أي موقف رسمي محلي بصدد القضية، كون جزء من الضحايا مواطنين سوريين، ولم يتطرق إعلامنا المحلي إليها، كما يجب، أيضاً.
ولا زال ذوي الضحايا بانتظار الكشف عن حقيقة وأسباب وملابسات تلك القضية، (الجريمة).
وقائع وملابسات
يذكر أنه وبتاريخ 27/8/2015، عثرت الشرطة النمساوية على شاحنة (براد تبلغ زنته 7,5 طن، ويحمل لوحة تسجيل مجرية، وعلى جانبه شعار شركة للدواجن سلوفاكية الأصل)، متوقفة على الطريق السريع ( شرقي النمسا)، بين هنغاريا والنمسا، عُثر بداخلها على 71 ضحية، (59 رجلاً و8 نساء و4 أطفال)، غالبيتهم من المُهاجرين السوريين، وقد قال قائد شرطة إقليم بورجنلاند النمساوي: أن عصابة تهريب (بلغارية ــ هنغارية) مُتورطة في الجريمة.
ويشار إلى أن الشرطة النمساوية كانت قد منعت تصوير الشاحنة والجثث بحينه، وقامت بمنع وسائل الإعلام من الاقتراب، إلا أنه تم تسريب بعض الصور، التي ظهر من خلالها وجود جثث مكدسة فوق بعضها بعضاً، وقد بدا وكأن هناك دماء وكدمات على البعض منها، كما نقلت بعض وسائل الإعلام، مما فسح المجال للشك بحيثيات الجريمة، وعدم الاكتفاء بما تم الإفادة به، من أن الاختناق كان المسبب بوفاة هؤلاء الضحايا.
هذا وقد تم الإعلان عن توقيف أربعة متهمين، بعد تحقيق مشترك (نمساوي– مجري)، يعتقد بأنهم جزء من عصابة، (بلغارية مجرية)، لتهريب البشر، وثبوت تورطهم في جريمة شاحنة الموت، وذلك بعد تواري سائق الشاحنة (لبناني الأصل)، محاولاً الفرار حسب ما أفادت به مواقع الكترونية.
ومن ملاحظات بعض ذوي الضحايا، تتبين ملابسات أخرى تدل على تلكؤ السلطات النمساوية والمجرية بإظهار الحقائق، بل ومنع اكتشافها والتعتيم عليها، اعتباراً من عدم الشفافية بالإجراءات المتخذة من قبلها، مروراً بالتأخير في تسليم جثث الضحايا، وبعد أن استكملت حالة تفسخها، مما حال دون كشف ملابسات إضافية، جراء الكشف من قبل خبراء الطب الشرعي المحلي، لبعض الجثث، عن طريق ذوي بعض الضحايا، بعد تسلمهم إياها.
علماً أن ذوي بعض الضحايا، قاموا بمراجعة السلطات النمساوية مباشرة، وقد رفضت تلك السلطات تسليم جثث ضحاياهم في حينه، أو حتى مشاهدتها، حسب ما أفادوا به.
المزيد من الشكوك والريبة
ما سبق كله، كان مبرراً لزيادة الشكوك والريبة حول كيفية وفاة هؤلاء الضحايا، مما أفسح المجال أمام العديد من التأويلات والتفسيرات، وخاصة لدى ذويهم، التي منها تورط المتهمين، (الموقوفين)، بتجارة الأعضاء وبيعها، وارتباطهم بتلك المافيا الدولية المتحكمة بهذه التجارة، وأدواتها النافذة هنا وهناك، بدليل ذاك التلكؤ، والمماطلة والإجراءات البطيئة، وعدم إعلان ما تم التوصل إليه من تحقيقات مع المتهمين الموقوفين، وانكفاء وسائل الإعلام عن متابعة تلك القضية «الجريمة»، علماً أنها قضية إنسانية، ذات بعد جنائي، وذلك بغاية الإبقاء والتأكيد على رواية السلطات النمساوية، من أن الاختناق كان المسبب بإزهاق أرواح هؤلاء اللاجئين، حسب روايات ذوي الضحايا.
المطالبة بالإنصاف
نعلم بأن تلك الجريمة، ليست الوحيدة أو الأخيرة، التي طالت وتطال السوريين يومياً ومنذ خمسة أعوام، سواءً على مستوى الداخل، أو على مستوى الخارج وبلدان اللجوء.
لذلك فإن إنصاف ضحايا تلك الحرب المجنونة، (على اختلاف التوصيفات والمسميات والأدوات)، التي امتد أوارها ليطال كل مدينة وقرية ومنزل وفرد من المجتمع السوري، وبأشكال متعددة، يكون أولاً: المطالبة بوقف آلة الحرب تلك، وفضح تلك الممارسات والسياسات، لبعض الدول، التي تدعي الإنسانية والصداقة زوراً وبهتاناً، وترمي بالسوريين في أتون المعارك اليومية، مشجعة الإرهاب ومعطلة الحلول السياسية، أو تغض الطرف عن مأساتهم ومعاناتهم، بل والمتاجرة بتلك المأساة، ليصبح جزء من السوريين، لاجئين ومُسْتَجدين على بوابات تلك الدول، أو ضحايا ونازحين في الداخل.