دير الزور.. الموت جوعاً وتجاهلاً!
تسعة أشهر من المعاناة والمأساة حتى الآن، وما زالت تلك المحافظة صامدة وصامتة، أمام هول الحصار الذي فرضه تنظيم داعش الإرهابي الفاشي عليها، ليس ذلك فقط، بل ما يحز بالنفس أكثر، دور المتنفذين بالمحافظة، إضافة إلى الإهمال من قبل الدولة، الذي ترك لدى الأهالي ذاك الاحساس باليتم.
نقص المواد الغذائية .. والأسعار مجنونة .. فاقم ظاهرة الجوع
بنتيجة الحصار وتقطع السبل، يعاني الأهالي من نقص حاد بالكثير من المواد الغذائية، إضافة إلى فقدان بعضها بشكل كلي، الأمر الذي فرض شكلاً استغلالياً واحتكارياً، من قبل المحظيين من الباعة، الذين يتوفر لديهم بعض الاحتياجات الاستهلاكية للمواطنين، وتؤمن لهم بطرق ملتوية، لا تخلو من المحسوبية والسمسرة والفساد، رافعين للأسعار ومتحكمين بها.
واقع المأساة التي يعيشها أهالي دير الزور، على مستوى تأمين الاحتياجات اليومية الأساسية للبقاء، بنتيجة الواقع المعاشي المتردي وانعدام الدخول، وارتفاع الأسعار الجنوني، أدى لزيادة ظاهرة الجوع وتفاقمها.
واقع صحي متردي والجوع
سبب إضافي للموت
في المدينة مشفى واحد قيد العمل، مع نقص بالكادر الطبي والتمريضي، والأهم النقص بالأدوية ومستلزمات العلاج، وخاصة الأمراض المزمنة، التي يعاني منها كبار السن، الأمر الذي أضاف معاناة جديدة للأهالي، فوق معاناتهم، مما أدى عملياً إلى تدهور الوضع الصحي العام.
إن سوء التغذية والجوع، يؤدي عملياً إلى تدنٍ في الأداء الوظيفي لجهاز المناعة، مما يتسبب بالمزيد من الأمراض، ومع النقص بالعلاج والأدوية، بات المرض، (أي مرض)، يمكن أن يكون مسبباً للوفاة، وخاصة للأطفال، وكبار السن، ناهيك عن تفشي الأمراض والأوبئة التي باتت إمكانيتها متوفرة، جراء كل ما سبق، ما يهدد حياة الأهالي كافة بنهاية المطاف.
حيث ظهرت أعراض نقص التغذية على أهالي المدينة وتم رصد حالات كثيرة منها، وخاصة لدى الأطفال، وطلاب المدارس، كما وسجلت الكثير من حالات التجفاف وسوء الامتصاص، بنتيجة الجوع، حتى بدئ تسجيل العديد من حالات الوفاة بسبب ذلك، بين الأطفال وكبار السن.
حصار ومنع مغادرة
ما يلفت النظر، هي تلك الإجراءات من قبل المتنفذين بالمحافظة، والبعض في(الجهات الأمنية)، التي تمنع الأهالي المدنيين من المغادرة، لأسباب عديدة جزء منها أمني، رغم تلك المعاناة المستمرة منذ تسعة أشهر، سواءً بالطرق البرية أو الجوية، وحصر ذلك على البعض، وبطرق وأساليب ملتوية، لقاء مبالغ تدفع هنا وهناك، لهذا أو ذاك.
حيث بلغت تكلفة خروج عائلة، مؤلفة من خمسة أفراد، من دير الزور الى دمشق، براً وعبر طرق خطرة، مبلغاً وقدره 200 ألف ليرة على الأقل، مستغرقة سبعة أيام بلياليها، بين المناطق والمحافظات، بما فيها تلك الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، وما يرافقها من خشية ورعب، جراء الممارسات الارهابية، اعتباراً من سلب بطاقاتهم الشخصية، وليس انتهاءً بحالات التصفية الجسدية.
في حين تصل كلفة النقل جواً من القامشلي إلى دمشق، لذوي الحظوظ السعيدة، مبلغاً يقدر بحدود 40 ألف ليرة سورية للشخص، ذهاباً فقط، متضمناً قيمة البطاقة والعمولات والسمسرة والرشاوي، علماً أن النقل الجوي بات من الصعوبة بمكان بالمرحلة الراهنة.
وعلى الرغم من ذلك، ومنذ بدء الحصار، تم تسجيل الكثير من حالات النزوح والهروب، متعدد الاتجاهات، حسب الإمكانات المتاحة أمام الأهالي، سواء ناحية الطرق الأكثر أمناً، أو ناحية التكلفة المادية.
قرع ناقوس الخطر
كل ما تقدم، يشير إلى كارثة حقيقية، باتت معالمها ومظاهرها أكثر وضوحاً، على المستوى الإنساني العام في دير الزور، متمثلة بنقص الغذاء والدواء، والموت جوعاً ، ما يعني ضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة كافة للحد من تطورها وتفاقمها، اعتباراً من السعي الجاد لفك هذا الحصار المجرم، مروراً بالإجراءات والتدابير المتخذة، (الإدارية منها والأمنية)، إضافة إلى أهمية المصالحات الوطنية، في المناطق المحيطة، وليس انتهاءً بالحل السياسي العام، الذي يخرج البلاد بمجملها من مفاعيل تلك الحرب الطاحنة وآثارها، والتي طال أمدها.