مواطنون: قرارات حكومية تساهم في الهجرة.. برلماني: على الحكومة أن تهاجر بدلاً منهم
«الحكومة لن تستطيع نزع فكرة السفر واللجوء إلى دولة أوروبية هرباً من الحرب، أو الوضع الاقتصادي المزري، ولو تمكنت من اتخاذ الاجراءات الادارية الكافية كلها لإغلاق هذا الطريق بوجه الشباب». بهذه الكلمات عبر ربيع «طالب جامعي» وهو في الـ22 من عمره، عندما طرحنا عليه سؤالاً حول مدى قدرة الحكومة على مواجهة الهجرة غير الشرعية للشباب السوري.
ربيع الذي يفكر بطريقة آمنة للوصول إلى ألمانيا كما يقول، تابع حديثه قائلاً: «من المخجل أن تصرح الحكومة بمثل هذه التصريحات، كملاحقة المهربين واغلاق مكاتب السياحة والسفر المخالفة، وهذا دليل على عجزها عن تأمين أقل سبل العيش الكريمة للمواطنين في المحافظات الآمنة على أقل تقدير، وتلبية متطلبات تضمن مستقبل من تبقى في هذا البلد».
لحرب البارود وجه آخر
يتقاطع أيمن، حاصل على الشهادة الثانوية العام الدراسي الماضي، مع ربيع، ويقول: «عشنا الحرب بتفاصيلها بكلها، لكن لحرب البارود والقذائف وجه آخر، وهو الوجه الاقتصادي والمعيشي والنفسي، فالحكومة الحالية تعتبر شريكة بتهجير الشباب، فبعد أربع سنوات ونصف من الحرب، لم تقدم أية حلول ولا إسعافيه حتى، ومازلنا نراوح في مكاننا ومستقبلنا مهدد».
وأردف «كيف أفكر بالدخول في أية كلية بدمشق، وفرص العمل باتت نادرة، والأجور الشهرية مضحكة ومبكية بآن واحد، فهل يعقل أن راتب الموظف السوري في سقفه 27 ألف ليرة سورية، وبات سعر صرف الدولار رسمياً وفي البنك المركزي الحكومي أكثر من 300 ليرة سورية؟».
«قرابين الحكومة»!
يتابع أيمن غاضباً «الحكومة ترفع أسعار خدماتها يوماً بعد يوم بحجة سعر الصرف فهي لا تريد أن تخسر شيئاً، والمفروض على الشعب أن يدفع من جيبه ليعوضها، أما الراتب فهو على حاله، وكأننا قرابين بقاء هذه الحكومة!».
حكمت صيدلاني تخرج منذ 6 سنوات، وفي الحرب خسر صيدلية والده في مخيم اليرموك، يقول: «اليوم، أنا ووالدي لا نعمل في مهنتنا، ومضطرون للعمل بمهن مختلفة الشهادة ليست ضرورية فيها. لم تفكر الحكومة أن تعيننا بقرض أو أي تعويض. لم تفكر الحكومة بحال إخوتي ومدارسهم. لم تفكر الحكومة بمستقبلي الضائع، ومستقل إخوتي المهدد».
ويضيف: «أنا متمسك جداً بسورية، فهي وطني. أسرتي وذكرياتي وحلمي، لكني بت أشعر بأن عجز الحكومة عن مساعدتنا كمواطنين هو شكل من أشكال (التطفيش). لا توجد أية اصلاحات اقتصادية أو محلية، كل ما هنالك قرارات متسارعة برفع الأسعار والخدمات السيئة لما يحقق فائدة خزينتها، وسط عجز عن الرقابة، وغض الطرف عن بعض الفاسدين».
مطالب جميع من التقتهم «قاسيون»، كانت «محقة»، كونها «أقل ما يمكن أن تقدمه حكومة قائمة لديها مؤسسات ومديريات ومباني فخمة ونفقات شهرية ومخصصات سنوية، لا نعلم ما جدوى وجودها دون تحقيق ما يحقق لنا ذاتنا»، وفقاً لأيهم «خريج جديد من كلية الهندسة، الذي طالب «بفرص عمل متساوية في دوائر الحكومة بعيداً عن المحسوبيات التي باتت وباءً أكثر استشراءً في الأزمة عن قبلها».
أو أن!
وأردف «نريد رواتب تضمن لنا عيشاً لا بأس به، يتناسب وأسعار خدمات هذه الحكومة التي باتت خارج نطاق المنطق والمعقول، في فجوة لا أعلم كيف لا يراها المعنيون. نريد رقابة على الشركات والمؤسسات الخاصة التي تستغل حاجة السوريين في ظل الوضع الاقتصادي البالي، لتعطيهم فتات ما ينتجون، دون تأمين صحي أو ضمان اجتماعي أو أية تعويضات».
«خ» طبيب أسنان لديه خبرة في العمل حوال 15 عاماً، فهو يبلغ من العمر حالياً حوالي 45 عاماً، يبحث حالياً عن مستأجر لعيادته، وأحد يشتري سيارته، أملاً منه في الوصول إلى ألمانيا كما يقول، والسبب هو «مستقبل بناته المجهول».
يقول «خ» مفضلاً عدم ذكر اسمه، علماً أنه غادر الحدود السورية بعد يوم من إجراء هذا اللقاء، إن «الحكومة تتجه نحو الخصخصة، كل شيء بات من حق التجار، حتى التعليم. أنا غير قادر على التأكد من أن حكومة رفعت سعر الخبز، لن تقوم لاحقاً بسحق فكرة مجانية التعليم تماماً أكثر مما هي عليه حالياً، لا يمكن أن أضمن استمراري بالعمل على المستوى ذاته، فوضع المرضى متدهور اقتصادياً، وبدأت أشعر بالعجز من تأمين مستلزمات منزل وفتاتين في المدرسة، ورضيعة حديثة الولادة».
«سأجازف بنفسي علّي أجد مستقبلاً أفضل لأطفالي، لكنني حتى اللحظة أشعر بالندم على هذا القرار، وحاولت الصبر مراراً ومراراً على وضع (الكهرباء الذي يضر عملي) علّه يتحسن قليلاً، لكنه للأسف إلى أسوأ، وحاولت الصبر علّ الحرب تضع رحاها، أو أن الوضع الاقتصادي ينتعش من جديد، أو أن يقوم المصرف المركزي بدوره الذي من المفترض أن يقوم به بخفض سعر الصرف، وأن تفرض وزارة التجارة رقابة صارمة على الأسواق... أو أن .. أو أن.. ماذا أحصي لك؟!، لكن للأسف كل شيء إلى أسوأ» على حد تعبير «خ».
«أريد حقي»!
«أعمل يومياً لأنفق على مواصلاتي وعائلتي، أما الطعام والفواتير، فهي من بعض أصحاب الخير، وبعض الجمعيات الخيرية.. لا أملك ما يكفيني للهجرة، لكن الفكرة تراودني يومياً، في الباص المكتظ، أمام البائع الجشع، مع قرار رفع سعر المازوت والبنزين والكهرباء والاتصالات ووو... مع افتتاح المدارس، ومع قدوم الأعياد.. سأقول لك في كل لحظة صدقني» يتحسر أبو فداء بائع الخضروات الخمسيني، ويكمل «مجبر على التفكير، لكن سورية متجذرة بداخلي، لا أعلم إن امتلكت النقود هل سأقدم على هذه الخطوة أم لا، لكن ما أعرفه أنه آن الأوان لهذه الحكومة أن ترأف بحالتنا وتنظر لما يحل بنا من عذابات تقتلنا كما تقتلنا البحار».
أبو فداء طالب الحكومة بـ«قروض لمشاريع، وبمنازل بدلاً مما تم تدميره كمشاريع سكن شبابية أو غير شبابية رخيصة ومعقولة وليست للمتاجرة»، وطالب أيضاً «بعدم إهمال وضع الكهرباء واعتبارها من الكماليات، والتوقف عن سياسة رفع الدعم التي أرهقتنا، نريد حقّنا مما تم سحبه من المواد المدعومة شهرياً، نريد اهتماماً بالعشوائيات حالياً على الأقل... نريد الكثير، وأعلم أنني أحلم، لكن الحلم ليس ممنوعاً».
ماذا لو هاجرت الحكومة!
كل من سبق، أكد بأنه سيبقى متمسكاً بوطنه لو بدأت الحكومة بتأمين سبل العيش الكريم، مطالبين بإعادة «الثقة المفقودة» بينهم على حد تعبير البعض منهم، وهنا قال عضو مجلس الشعب السوري عن محافظة حلب أنس الشامي في حديث على إذاعة «ميلودي اف ام» إنه «هناك أزمة وأخطاء مرتكبة من قبل السلطة التنفيذية، وتقصير بتأمين الخدمات حيث أثبتت فشلها في هذه الآونة بالذات، ما ساهم بشكل كبير بهجرة المواطنين، فمحافظة حلب عانت من قلة الخدمات وسوء الإدارة من السلطة التنفيذية، وتحديداً موضوع الكهرباء والمياه الذي لا يمكن الصبر عليها، ويجب إذا ما أردنا الحد من الهجرة، أن تهاجر الحكومة ويبقى الشعب السوري مكانه»، لافتاً إلى أن «تقصير الحكومة لا علاقة له بالوضع الأمني ولا السياسي، حيث يمكنها تقديم أكثر مما تقدمه حتى في ظل هذه الظروف».
وحول نسبة الهجرة في محافظة حلب التي يمثلها في البرلمان السوري، قال الشامي: إن «أكثر من 50% من أهالي حلب هاجروا داخلياً وخارجياً، وبعد السماح للسوريين بالهجرة إلى الدول الأوروبية بات الناس يفضلون الخروج، علماً أن الحكومة لن تستطيع الحد من الهجرة بالقرارات الإدارية، خاصة مع وجود مناطق عديدة خارجة عن سيطرة الدولة، إذ لابد أن تؤمن لهم ظروف معيشية مناسبة».
وأردف: «العيش دون ماء وكهرباء ووقود غير ممكن، بينما كل ذلك متوفر في أماكن أخرى وخاصة عند الحديث عن السوق السوداء المتفشية، فضلاً عن دور الحكومة في عدم مراعاة المواطن وعدم السماح لشخصيات ذات نفوذ معين بالسيطرة على الوضع، وهي قادرة على فعل ذلك بكل بساطة.