مطبات: لا جدوى... يا يسوع

(لا جدوى يا يسوع ... لا جدوى)... بهذه  العبارة الشديدة القسوة ينهي نيكوس كازانتزاكي روايته الشهيرة (المسيح يصلب من جديد) ليقول لنا أن لا مجال لإصلاح من في هذه الدائرة الفاسدة.

لم أجد ما يختصر يأسي في أن تتغير لغة التعامل البغيضة مع قضايانا كمواطنين، وأن يدرك المسؤول الذي تولى شؤوننا أنه لا يملكنا، والموظف أن لا يعتبر أننا ندفع له الرشا لكي يمنّ علينا برضاه، ويعطينا ما نريد دون أن نتوسل له، وهو يمارس هوايته اللذيذة في تحويلنا إلى طوابير منتظرة إشارة من إصبعه الملوث... فكانت الشكوى والابتهال المجيد (لا جدوى يا يسوع) هي العبارة التي تقارب روحي المتهتكة، وقنوطي المنحني حدّ الأرض.

أبداً سيخرج المسؤول بلغته المعتادة، وسيكمل المواطن عنه العبارة ويمضي مشيحاً بوجهه اليائس، ولن يكمل حديثه الممجوج، ولن يكترث بالوعود التي أتعبته أكثر من الفقر والعوز والأمل.

سيقول المسؤول: إنهم بصدد مشاريع جديدة ستجعل المواطن سعيداً، وأن لا همّ له ولفريق عمله سوى البحث عن معادلة السعادة للمواطن، وأن المرحلة القادمة ستكون أفضل، وأكثر اطمئناناً له ولعائلته ولأبنائه الذين سيشعرون بالنشوة من التخطيط المستقبلي المنشود.

سيبرر المسؤول الغلاء والاحتكار وفقدان المواد، وسيقدم الأعذار التي لن ترضي أحداً، ولن يصدقها غير من يرون فيه المسؤول الاستثنائي فيطبلون له، ويقبضون ثمن كل كلمة مديح قالوها بحقه، وعندما يغادر سيصبون عليه كل اللعنات ويحملونه أسباب كل الموبقات التي اقترفوها باسمه.

يقول المسؤول، ويضحك المواطن كثيراً ففي منتصف الليل سيرتفع سعر البنزين والمازوت والخضراوات ومواد التنظيف والصابون والشامبو العادي الذي لا ماركة له، والسكر والرز والزيت النباتي، ولن يجد في الصيدليات أي نوع من أنواع حليب الأطفال سوى المهرّب، ومن الدواء سوى البدائل التي يشكك فيها حتى الصيدلاني وهو يبيعها له بأسعار مضاعفة.

وهكذا تدور الرحى من يد مسؤول لآخر، ويبقى المواطن بانتظار وفاء أحدهم بعهد أو قول، وسيقع المواطن دائماً في فخ الأمل، وسيقال له إن هذا الجديد مختلف عمن سواه، وهو يحب الشعب الطيب الفقير فقد خرج من بين حواريهم الباردة والطينية، ولن ينسيه الكرسي هموم من تربى بينهم فهو الأعرف بوجعهم، والأكثر إحساساً بهم.

هي الرحى تدور... ولا جدوى يا يسوع.