الصهريج بـ600 ليرة هل بدأ موسم الماء المفقود في قطنا؟
عاد موسم صهاريج الماء إلى شوارع المدينة التي تقع على نبع ماء، وتنام في حضن جبل الشيخ الذي شهد هذا العام ثلوجاً لا بأس بها، ولكنها فيما يبدو لم تعد تستطيع تأمين الاستهلاك للأعداد الكبيرة من المواطنين الذي ازدادوا بعد زيادة المهجرين من المناطق الساخنة المحيطة بها.
العام الماضي شهد سكان المدينة أسوأ أيامها في الصيف، فقد خفت المياه الجوفية بشكل مخيف، والنبع الشهير (رأس النبع) تحول إلى ساقية ثم انقطع نهائياً، وبدأت الصهاريج عملها في ابتزاز المواطنين، وأصبح صاحب الصهريج أهم شخصية في المدينة يمكن أن تحصل على رقم جوالها، وفي أغلب الأحيان لا يرد أو خارج التغطية.
وبحجج واهية بدأ هؤلاء برفع أسعار سعر الخزان 5 براميل من 300 وصولاً إلى 500 ليرة سورية، فيما تكلفته الفعلية لكامل الصهريج 20 برميلاً لا تتجاوز 200 ليرة، وما أن يأتي الصهريج بعد طول انتظار حتى يبدأ السائق بموشحه (رفعوا سعر المازوت، متر خرطوم الماء بـ 1500 ليرة، المضخة تحتاج إلى 5 لترات مازوت، وإصلاحها صعب، وقطع الغيار غير متوفرة، والشرطة لا ترحم)... أضف إلى ذلك أنه ينتظر دور ملء صهريجه لساعات، وكل هذا يدفع من حساب المواطن الذي لا يكفيه الخزان الخرافي أكثر من يوم واحد.
أحياء تعاني
قبل فترة بدأت بعض الأحياء تشكو، فعلى سبيل المثال حي النازحين (منطقة الأشرة) انقطعت عنه المياه أكثر من أربعة أيام وكان هذا الحي قد شهد في بداية موسم الصيف انقطاعاً طويلاً تجاوز الـ 15 يوماً، وهذا يعود حسب بعض موظفي وحدة مياه قطنا إلى الضخ عبر خط طويل مما لا يمكن معه إيصال المياه بقوة ولكل المنازل، وبسبب العدد الكبير للسكان الذين تضاعفوا.
الأهالي لا يقنعهم هذا التبرير فيعيدون الأمر إلى عدم اهتمام الجهات الرسمية المعنية بالمشكلة، وفشل كل من تسلم وحدة المياه في حل مشكلة خط المياه القديم، والضخ عبر خط الشبكة الجديدة وهذه لها حكاية أخرى من الاهمال والفساد، وأنهم تحملوا كل هذه الإدارات التي تتحدث ولا تفعل شيئاً آخر سوى الكلام.
الأهالي وفي فترة الانقطاع هذه اشتروا صهريج الماء ما بين 600-800 ليرة ويتوقعون أن الأشهر الأكثر سخونة لم تبدأ، ومن المتوقع حينها أن يصل سعر الصهريج إلى 1000 ليرة.
مياه ليست نظيفة
المحير في الأمر أن المياه تأتي في غالب الأحيان (عكرة) وموحلة، وأحياناً فيها طعم غير بشع، وهي مياه من المفترض أن تكون على درجة مقبولة من النظافة والجودة على اعتبار أنها مياه نبع في أغلبها وتعتمد فقط على بعض الآبار، ويخشى الأهالي من تكرار تجربة التهاب الكبد الوبائي في السنوات الماضية، والتي بلغت أقصاها في عام 2007 حيث تجاوزت الإصابات 1000 إصابة أغلبها بين الأطفال (وقاسيون تابعتها بدقة)... وكانت الأسباب، هي: شبكة الصرف الصحي، ووجود أعداد كبيرة من حفر الصرف الصحي في الأحياء المخالفة.
الشبكة الجديدة
ككل الريف تم استبدال الشبكة القديمة للمياه، ولكنها فعلياً تعرضت للنهب والتبديل، وحينها عند أول محاولة ضخ انفجرت أنابيب المياه في شوارع المدينة، وبدأت رحلة البحث عن الأسباب، وتم طي هذا البحث عنها وتم العودة للعمل بالشبكة القديمة واضحة المعالم بينما الجديدة تم (طمر) مفاتيح التحويل (السكر) بين الحارات، وهي تعمل في أحياء دون أخرى، بالإضافة للاعتداءات من قبل البعض على الشبكة وهذا ما شهدته أحياء المخالفات التي تقع في طريق ضخ المياه الرئيسي من بعض قرى جبل الشيخ.
الآبار الخاصة
وهذه لها حكايتها، وهي التي تعتم عليها صهاريج المياه، وأصحابها هم من أبناء المدينة الذين يعتقدون أنهم يملكونها بحكم وجودها في أراضيهم، ويتحكمون ببيعها، وقد سجل أحد تقارير التحليل في عام 2008 أن 90% من هذه الآبار غير صالحة للشرب، وأنها تحمل نسباً عالية من الشوائب والمواد التي تضر بالصحة البشرية، ومع ذلك ما تزال هي مصدر مياه المواطنين في الصيف.
وأصحاب هذه الآبار يظنون أن انتقادهم يشكل ضرراً في أرزاقهم, أن على المواطن أو الصحفي أن يصمت لأن البلد في أزمة خانقة، وأن الرمد أفضل من العمى، وهم لا يدركون أن السمّ يدخل من أشد حاجات الإنسان الأساسية
كي لا تعاد التجربة
على الجهات الرسمية في قطنا وريف دمشق، أن يتداركوا الأمر قبل أن يقع المحظور الذي جربه الناس سابقاً، وأن لا يتركوا الأمر دول حل، وأن لا يتعاملوا كموظفين حكوميين لا يمسهم الأمر إلا في دوامهم فقط، وأن يتخذوا بعض الإجراءات البسيطة التي من الممكن أن تحول دون وقوع جائحة صحية قد تكلفهم مالاً وجهداً أكبر مما لو تصرفوا كأبناء بلد.
وليست قطنا وحدها بل أن بعض القرى (عرطوز) حسب بعض الأهالي يتم ضخ المياه فيها يوماً واحداً كل أسبوع، وهذا يعني أن على المواطن أن يتحمل عبئاً مالياً جديداً فوق كل هذا الغلاء المحموم.
انتبهوا إلى مياه أطفالنا، ففي ذلك مسؤولية وطنية وإنسانية؟.