عقود الإيجار تعقيدات غير مبررة..
إذا كانت ملايين الناس قد هجروا مناطقهم هرباً من أهوال الحرب ومآسيها، فإنّ آلامهم ومعاناتهم لم تتوقف، إذ تحولت إلى موضوع للاستغلال والتجارة ليس من جانب المؤجرين والمكاتب العقارية فقط، بل ومن جانب بعض المتنفذين، والذين استغلوا موضوع ضرورة الحصول على «الموافقات الأمنية» ليبتزوا المستأجرين للحصول على مبالغ مالية في حالات عديدة أو حتى لمحاولة الاستيلاء على البيوت في بعض الحالات.
أخذت «قاسيون» بعض الشهادات الحية على هذا الموضوع من بعض المواطنين المتضررين، تختلف هذه الشهادات بتفاصيلها ولكنها متشابهه في مضمونها
«لا حكم عليه لقاصر»
عائلة رب أسرتها في محافظة أخرى بسبب عمله تحدثت زوجته إلى جريدة قاسيون: «استطعنا أن نجد بيتاً صغيراً بعد عناء كبير، بعد أن تهجرت العائلة من محافظة أخرى، وبعد أن اتفقت مع المالك على الاجرة، كان لابد أن نبدأ برحلة الموافقات والطلبات الغريبة، فطلب مني في قسم الشرطة عمل بطاقات تعريف لأفراد الأسرة، وطلبوا ورقة غير محكوم لإبني الجامعي الذي لازال ضمن سن التأجيل النظامي، وعندما أحضرت المطلوب من القسم الجنائي، طلبوا مني في اليوم التالي غير محكوم لابني الثاني القاصر، واضطررت للذهاب مرة أخرى للقسم الجنائي. وبعد ذلك انتظرت حوالي الاسبوع حتى حصلت على موافقة أمنية، ومن ثم تابعت رحلتي في الدوائر البيروقراطية لتسجيل العقد في الأماكن المطلوبة».
«الوكالات القانونية» حبر على ورق
بعد أن حصل المواطن ز.ص على وكالة قانونية رسمية لصديقه المهاجر، كانت أوامر الجهات الأمنية أنهم: «لم يعترفوا على الوكالة القانونية وطلبوا مني عقد آجار!! وهذا الطلب لا يستند إلى أي نص قانوني، ويتابع قائلاً: اتجهت إلى أحد الفروع الأمنية كما هو مطلوب، على أمل أن أحصل على موافقة أمنية تساعد في حل المشكلة، لكن الطلب جاء مع الرفض! ودون معرفة السبب!».
عقد آجار مع ميت!
أما سعيد وهو رب لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص فقد قال لجريدة قاسيون: «بعد أن انتهى عقد الآجار وتعذر تجديده بالسرعة المطلوبة لأن صاحب البيت قد توفي ومعاملة حصر الإرث التي بدأ بها ذوو المرحوم تأخذ وقتاً أطول من اللازم نظراً لأنهم يقيمون في منطقة ساخنة، لم يقتنع عناصر المداهمات في منطقتنا بهذا السبب وطلبوا مني أن أحضر عقد آجار من صاحب البيت، أو أن أغادر البيت إلى مكان آخر! لم تنجح محاولاتي لحل هذه المشكلة وأنا في حيرة من أمري إذ لا يوجد خيار مناسب بسعر مقبول لعائلتي فضلاً عن تكاليف وصعوبات نقل الأثاث إلى بيت جديد».
عقد آجار مع زوجته!
أما ي.ع المقيم في بيت باسم زوجته أردنية الجنسية أصبح بحاجة ليحصل على عقد آجار للبيت مع زوجته إذ قال «طلب مختار الحي عقد آجار لأحصل على سند إقامة ولم يكترث إلى أن زوجتي هي صاحبة البيت وقال أنه ينفذ التعليمات الأمنية الجديدة، المشكلة تكمن بأن زوجتي اصبحت بحاجة لموافقة إقامة في سورية بعد صدور التعليمات الجديدة وهذا يأخذ وقتاً طويلاً ولا حل في الأفق لهذه المشكلة».
اشترى بيته مرتين!
مواطن متقاعد اشترى بيتاً منذ سنوات بالتقسيط، وبقي من ثمنه 220 ألف، وعندما توترت المنطقة اضطر لترك البيت والعودة إلى محافظته. أخبرتنا زوجته ن. د، بأنها عادت بعد أن هدأت المنطقة فتفاجأت بأن الأقفال مبدله، ونصحها الجيران أن تبتعد لأن أحد المسؤولين، استولى على البيت بفرشه وأثاثه، وليس ذلك فقط بل أجبر المالك الأصلي على توقيع عقد بيع باسمه، وبعد تدخل وسطاء وجهات أعلى أمنياً، وافق المسؤول على ترك البيت مقابل مليون ليرة فقط!! وكأن العائلة اشترته مرتين في هذه الحالة.
آجار البيت يصل للمسلحين؟!
صاحب البيت يقطن في الشمال السوري، في منطقة متوترة، وكان قد أصدر وكالة قانونية في بيته لقريبته التي كانت تؤجر البيت بعقد إيجار قانوني وترسل له الآجار الشهري، ولكن عناصر من إحدى الجهات المتنفذه، طلبوا من المستأجر أن يعطي آجار البيت لهم أو يغادر، بحجة أنه لا يوجد ضمانة بأن الآجار الشهري لا يصل ليد المسلحين، وبالتالي هم أحق به! وعندما رفض طلبوا منه مغادرة البيت بعد أن يعطيهم المفتاح ولكن هذه التعليمات شديدة الصرامة تغيرت بعد أن تدخل صاحب البيت وطلب من أحد معارفه معالجة الأمر مع تلك الجهة حتى تمت تسوية الأمر.
مصادرة بيوت
أما الشاب ع.م الذي يسكن في بيت والده الذي سافر خارج البلاد، قال: «تعرض البيت لمداهمة في أحد الأيام وعلى الرغم من أنني غير محكوم ولكنهم طلبوا مني أن أخلي البيت بمهلة 10 أيام بحجة أن والدي معارض!! على الرغم من أن الدستور السوري يضمن التعددية السياسية ولا يجرم المعارضين! ، تجاهلت الطلب في البداية لكن المضايقات والتهديد دفعاني لمغادرة البيت وتم الاستيلاء على البيت دون أي رادع».
من المستفيد؟
يدرك جميع المواطنين تعقيد الظروف الأمنية الذي تعيشها سورية منذ سنوات، فهم كانوا دائماً أكبر المتضررين في ظل هكذا ظروف، واليوم وفي ظل أزمة السكن المتفاقمة - التي تزيد حياة السوريين صعوبةً - يستغل بعض المتنفذين هذه الحال لإصدار أوامر وتعليمات غير قانونية لا يمكن وصف بعضها إلا بأنه مخالفة صريحة للدستور، وكما يظهر في هذه الشهادات الحية وغيرها فإن ممارسات كهذه لا تساهم بضبط الوضع الأمني، وإنما تزيد الاحتقان وتعمقه، وتسيء إلى جهاز الدولة وإلى وظيفته. و تصب موضوعياً في مصلحة أعداء سورية والشعب السوري الذين يضعون هدف إنهاء جهاز الدولة السوري نصب أعينهم.