خلف الكواليس..  خطف وابتزاز مواطنين..

خلف الكواليس.. خطف وابتزاز مواطنين..

«م.ت» وهو طالب جامعي، فقد أحد أصدقائه مؤخراً قرب حمص، يقول «بعد البحث الطويل الذي استمر مدة عام كامل، أكد أحدهم لعائلة صديقي أن الأخير معتقل بتهمة محاولة الهجرة غير الشرعية، ولإخراجه يتوجب عليهم دفع مبلغ وقدره 3000 دولار أميركي حسب زعم أحد اللذين يستغلون حاجة بعض الأسر وذلك دون ضمانات تذكر».

«كان هذا الخيار صعباً جداً على العائلة. المبلغ غير متوفر، ووجود الابن في السجن ليس مؤكداً 100% بل مجرد حديث من شخص يدعي أنه على علاقة وثيقة بإحدى الجهات الأمنية، ولا يمكن التبليغ عنه وهو يدعي ذلك. حاولت العائلة التواصل مع وزراة المصالحة الوطنية منذ فقدان صديقي، لكن لم يصدر عن الوزارة أي رد يشفي الصدور»، بحسب ما قاله «م.ت».

وتابع من المؤكد أن عدم الحصول على رد شافي من قبل الجهات الرسمية المعنية بالمفقودين والمخطوفين، يتيح المجال للمستغلين ومنتحلي الصفة، للعب بهذا المجال، والحصول على أموال طائلة من العائلات المتضررة، مقابل وعود في الهواء قد تثمر أو لا تثمر.

ومن الملاحظ  انتشار هؤلاء السماسرة، بالتزامن مع الحديث عن عفو عام قريب، حيث من الممكن أن يكون البعض حصلوا على قائمة ببعض الأسماء التي يمكن الإفراج عنهـا، لتتم المتاجرة على هذا الأساس، أو على الأقل الإيهام بذلك لفتح باب الاستغلال، وفقاً لحديث البعض.

مصير الموقوفين

وزير المصالحة الوطنية علي حيدر اعترف بوجود مشاكل ما تتعلق بمعرفة مصير الموقوفين أساساً، قائلاً: «من المشاكل التي تواجهها الوزارة حالياً أنها ترسل كتباً إلى الجهات المختصة حول معرفة وضع الموقوفين لديها فإن الجواب، إما أن يكون تمت إحالة الموقوفين إلى القضاء المختص، أو لا تتوافر لدينا أية معلومات عنهم وكلا الجوابين لا يفيدان الوزارة»، وهذا التصريح قد يفتح باباً واسعاً على مصراعيه لعمل السماسرة الذين يدعون قربهم من أصحاب القرار في الجهات المختصة.

وهذا ما أكده مصدر في وزارة المصالحة لـ«قاسيون»، مؤكداً أجوبة بعض الجهات الأمنية تقتصر على تحويل الموقوف للقضاء، أو عدم توفر معلومات، دون أية اضافات دقيقة تذكر، وهنا قال: إنه «هناك سعي لتشكيل لجنة تضم عدة وزارات مع الجهات المختصة، للوصول الى معلومات أعمق تحدد أماكن تواجد هؤلاء».

عائلة صديق «م.ت» لم تدفع المبلغ المطلوب للسمسار لعدم توفره، وهم حالياً ينتظرون «فرج الله» و«العفو العام» القادم، لكن القضية بمعناها العام لم تتوقف هنا، فقضية السجناء والمتاجرة بهم خارج السجن، لم تكن الوحيدة التي يتم استغلالها، نتيجة عجز وزارة المصالحة الوطنية عن حل أغلب قضايا الأزمة من هذا النوع، لعدة أسباب منها ضعف التنسيق مع الجهات المعنية.

الخطف من وسط دمشق

«الخطف» عبارة باتت تثير الرعب في نفوس سكان دمشق، وبعض المناطق الآمنة، فعلى الرغم من الانتشار الأمني المكثف في تلك الأماكن، إلا أن عصابات الخطف عادت لتعمل من جديد وفقاً لما أشار إليه واعترف به وزير المصالحة الوطنية علي حيدر، مشيراً إلى عدم قدرة الوزارة على الحد من هذه الظاهرة.

حيدر قال إنه «هناك عدداً كبيراً من العصابات وسط دمشق وبالتحديد في منطقة المرجة، تسرح وتمرح في سرقة الناس»، مضيفاً أن «الوزارة تلقت العديد من الشكاوى من مواطنين تتضمن أن قريبهم أو أبناءهم خُطفوا من مناطق آمنة، وحين التدقيق تبين أن تلك الجهات تعمل باسم الجهات الرسمية» موضحاً أن «مهمة الوزارة تقتصر على تبليغ الجهات المختصة في ذلك، ولذلك فإن الوزارة ليست معنية في القبض على هؤلاء الأشخاص».

وهنا وجه العديد من المواطنين أسئلة مشروعة بالنسبة إليهم: من المعني بالقبض على هذه العصابات، التي تعلم مكانها وزارة المصالحة بالتحديد وتعمل باسم الجهات الرسمية وسط العاصمة دمشق؟

الوزارة غير معنية!

محمد العمري مسؤول المكتب الصحفي في وزارة المصالحة الوطنية، أكد أن «المخطوفين بغرض الابتزاز المادي هم خارج اختصاص وعمل الوزارة» معتبراً هذا النوع من الخطف «بالجنائي»، قائلاً: «هناك عدة حالات تم الخطف فيها باستخدام بطاقات مزورة، حيث يدعي الخاطفون أنهم تابعون لوزارة المصالحة الوطنية، أو إلى إحدى الجهات الأمنية أو حتى يستخدمون بطاقات شخصية مزورة». وتابع «في حال توفرت لدى الوزارة معلومات عن الخاطفين لأسباب مادية، نقوم بإعطائها للجهات المختصة لمتابعة العمل لاستعادة المخطوفين».

محامون يتاجرون بالمخطوفين

السماسرة والمستغلون وفقاً لحديث الوزير، لم يكونوا فقط أشخاصاً يدعون صلتهم بأصحاب القرار فقط، فقد كشف حيدر عن «عدد لا بأس به» من المحامين الذين يلعبون دور السماسرة بين الجهة الخاطفة وأهل المخطوف، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الخاطفين هم أنفسهم يدعون أنهم يعملون في لجان المصالحة في المحافظات.

وهنا أكد العمري أيضاً، أن بعض المحامين يدعون أنهم قادرون على الإفراج عن الموقوفين مقابل مبالغ مالية.

المصالحة تعاني من الجهات الأخرى

وزير المصالحة الوطنية  نوه إلى وجود صعوبة في عمل الوزارة، وخاصة في أمور المراسلات والتنسيق مع الجهات المعنية، وخاصة فيما يتعلق بمعرفة مكان بعض الموقوفين التي لاتثمر أغلب الأحيان، لكن صعوبة العمل بملف الموقوفين، تشير فعلاً إلى وجود  ضعف في التنسيق بجميع مجالات عمل الوزارة، ما يضع مصداقيتها على المحك. 

وبعد أن وضع حيدر حِمل الوزارة على الجهات التي لم يسمها، بأن تلقي القبض على عصابات الخطف كون وزارته ليست معنية، وبعد أن اتهم بأسلوبه تلك الجهات، بأنها لا تقدم له معلومات مفيدة حول الموقوفين، هنا، راح حيدر ليفتح نار اتهاماته على بعض المحافظين – دون تسميتهم- متهماً إياهم بالإهمال وعدم المبالاة بملفات الوزارة، قائلاً «أرسلنا كتباً إلى المحافظين جميعهم في المحافظات حول تشكيل مكاتب للوزارة في محافظاتهم وترشيح عشرة أسماء لتشكيل لجنة رسمية يكون فيها عضوان من مجلس الشعب، إلا أن الوزارة لم تتلق الرد إلا من محافظين فقط، مؤكداً أن هناك مشكلة في التعامل مع المحافظين لدرجة أن أحد المحافظين رمى بالكتاب الذي أرسلته الوزارة في القمامة».

غياب التنسيق والاهتمام، ساعد على انتشار ظاهرة الابتزاز والاستغلال بملفات المخطوفين والموقوفين، وطالب حيدر «بتشكيل النافذة الواحدة في كل محافظة لاستقبال شكاوى المواطنين»، قائلاً: «لا يمكن أن تبقى الأمور كما هي وذلك بأن يفتح المجال للسماسرة والنصابين باستغلال ظروف الناس»

طاسه ضايعه!

لقد بات  ملف المعتقلين، والموقوفين، والمخطوفين، ظاهرة سورية عامة في سنوات الأزمة، طالت أغلب العائلات السورية بهذا المستوى أو ذاك، في ظل تفشي ظاهرة الاعتقال الكيفي، والتوقيف غير المبرر، وتعدد الأجهزة الرسمية التي تقوم بذلك، وعدم وجود رقابه على عملها، وعدم تجاوبها حتى مع الجهات الرسمية الأخرى، ناهيك عن انتحال الصفة والمتاجرة بهذه القضية، حيث باتت أداة ابتزاز يتعرض لها ذوو هؤلاء، واستغلال قلقهم على مصير أبنائهم، الأمر الذي عمق الهوة بين المواطن وجهاز الدولة...