طلاب كلية العمارة في حلب: بحثاً عن إعمار الإنسان وتأمين حاجاته الحقيقية

طلاب كلية العمارة في حلب: بحثاً عن إعمار الإنسان وتأمين حاجاته الحقيقية

لا شك أنه عند الحديث عن إعادة الإعمار قد يُفهم أنها مجرد إعادة بناء ما تهدم عمرانياً بفعل الحرب آخذاً الجانب الفيزيائي دون النظر إلى ما يعكسه من حياة الناس الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخ والتكنولوجيا والمناخ.

وكون هذه العملية تشمل كل ذلك فيفترض وجود محددات وموجهات تعمل كمبادئ لضبط إيقاعها، فبعد أن يتم تقييم الأضرار لمعرفة الواقع واستيعاب الخسائر، ينبغي صياغة برنامج حكومي شامل يقطع مع السياسات السابقة التي مثلت مصلحة قوى الفساد، مبتدئين بحل سياسي يسحب مظاهر العسكرة لخلق استقرار على المستوى المعيشي والاجتماعي والاقتصادي. 
واستشرافاً لتلك المرحلة وبعض جوانبها التي قد تبدو تفصيلية إلا أنها ذات بعد اجتماعي-إنساني، توجهنا لطلبة السنة الخامسة في كلية العمارة في جامعة حلب لسؤالهم حول هذا الملف، الذي شغل حيزاً مهماً في مشاريع التخرج التي يعكفون على وضع اللمسات الأخيرة لها، والتي لامس كل مشروع منها جانباً من الأزمة، فتراوحت بين معالجة الشق الاجتماعي والاقتصادي والفكري.


بناء الإنسان لا يقل أهمية عن العمران

يمنى تحدثت لنا عن مشروعها (مركز تأهيل متضرري الحرب)، فقالت: (بناء الإنسان جسدياً ونفسياً لا يقل أهمية عن البناء العمراني، ومساير له، وهو من أهم الخطوات المستعجلة للتحضير لليوم الأول بعد الأزمة، حيث طال الضرر الجسدي شريحة كبيرة وبلغ درجات عالية وقاسية، فإعادة الإعمار بحاجة لخطة متكاملة متجددة، إن لم يكن الإنسان هو الهدف الأول فيها فهي عملية خلقت لتفشل ولا طائل منها).
وعن مشروعها وضحت يمنى: (المشروع يشمل كل الفئات العمرية فيضم قسماً خاصاً بمعنفات الحرب من النساء والفتيات القاصرات اللاتي تعرضن للعنف الجسدي والمعنوي وما ترتب على ذلك من أضرار اجتماعية. إضافة إلى أقسام للمعالجة الفيزيائية والنفسية، وورش تركيب وتصنيع الأطراف الصناعية، ومركز تدريب مهني للتعامل مع الأطراف الصناعية ما يساعد المتضرر في عدم فقدان مقدرته الاجتماعية على العمل وتأمين دخله الخاص به فيكون منتجاً ومساهماً في إعادة الإعمار، مما يحوله لعنصر إيجابي ويتيح له التطوع للعمل في المركز والمساهمة في مساعدة غيره أيضاً).


إصلاح الأحداث للمستقبل

أما لانا فلم تكن بعيدة عن الشق الاجتماعي لإعادة الإعمار، فمشروعها (مجمع لتأهيل الأحداث) نظراً لخطورة ما تعرضت له هذه الفئة العمرية، خلال الأزمة، حيث كانوا ضحية سوء الظروف.
تقول لانا لقاسيون: (باستهداف هذه الشريحة نحن نعمل على إصلاح المستقبل، فالفقر والجهل والحالة الاجتماعية، إضافة لغياب الرادع. عوامل أدت لاستغلال الأحداث وجنوحهم، فقبل الأزمة كثيراً ما تم التساهل مع هذه القضية ما ساهم في تضخمها خلال الأزمة وتحولها لقنبلة موقوتة، فدولة مثل سورية تعتبر من الدول الفتية نسبة الشباب تفوق 54% من نسبة السكان وهي مرعبة بالنظر إلى زاوية تعرض الحدث إلى جملة عوامل جعلت منه قنبلة متنقلة).
وأكدت لانا أن مشروعها (غير منفصل عن الواقع، وأي معالجة ستكون قاصرة إن لم تتعامل مع جذر المشكلة والأسباب الحقيقية لها ما يعيدنا للمربع الأول وهو الحل السياسي الذي يعيد الاستقرار، ويساهم في تنفيذ برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي شامل).


حاضنة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة

أما أسيل فقد تناولت الجانب الاقتصادي من الإعمار حيث طرحت مشروع (حاضنة أعمال للمشاريع المتوسطة والصغيرة)، وعن سبب اختيارها له تحدثت: (خلال الأزمة فقد الكثيرون مصادر رزقهم، لكن التحرك الطبيعي للبحث عن مصادر رزق بديلة خلقت العديد من المشاريع المتناهية الصغر بعد الضربة القاسمة التي تعرض لها اقتصاد المدينة، فهدفي الاستفادة من هذه الحالة ولكن بشكل تقني وعلمي أكثر خاضع لبرامج تحقق أهداف إعادة الإعمار مايجعل لكل فرد مساهمته في بناء حجر في هذا الوطن).
وأوضحت أسيل أن: (الحاضنة تستهدف رواد الأعمال والأفراد فيتم تدريبهم وتأهيلهم لإقامة مشروع اقتصادي أو تقديمهم كخبرات لسوق العمل، ما يساهم في تطوير الجهاز الإداري في الدولة، إضافة إلى شق يتعلق بالصناعات الأساسية في حلب، كالنسيجية والغذائية والكيميائية والهندسية، مع إمكانية لتوسيع مجال الاستهداف لتشمل الصناعات التقنية والتكنولوجية).


العشوائيات وحلول ضرورية

أما حمد وأدهم فتوجها إلى تناول مسألة العشوائيات بمشروعهما المشترك، حيث رأى أحمد أن: (المعالجة يجب أن تبدأ من هناك من حيث ما بدأت الأزمة، هناك ترى وجهاً آخراً للمدينة، فنصف سكانها الذين يقدر عددهم بـ2.4 مليون نسمة يعيشون في منطقة مخالفات ذات أحجام وأنماط مختلفة، نمت المدينة بشكل كبير في السبعينات والثمانينات جراء الهجرة من المدن الصغيرة والمناطق الريفية، ثم انخفض هذا النمو نسبياً، والذي كان جزءٌ كبيرٌ منه مكوناً من الفقراء، فهم لا يجدون إلا مناطق المخالفات ليسكنوا بها، وبالتالي بلغ معدل النمو 4% سنوياً مما يتطلب بحسبة بسيطة 150 سكناً جديداً أسبوعياً ما سبب ضغطاً كبيراً ساهم في إشعال الأزمة، فأولويات التطور كانت بعيدة عن هذه المناطق).
ويتابع زميله أدهم شارحاً: (المشروع يستهدف تنظيم المخالفات الجماعية في تل الزرازير في الجهة الجنوبية الغربية لمدينة حلب، وهي التي تعد أكثر التجمعات كثافة فيها قامت بشكل عشوائي دون تنظيم بمساحة 98 هكتاراً، فالمشكلات بالتربة التحتية غير المستقرة والمعايير المتدنية للبناء، والتي تمت دون وجود أي عناصر إنشائية حاملة بالإضافة لانخفاض مستوى الخدمات المتعلقة بالجانب الصحي، والتعليمي والتجاري والبنى التحتية الأساسية، كل هذه المشكلات حصرت في حيز ضم عاطلين عن العمل ومهمشين وهو ما انعكس أزمات اجتماعية ساهمت بالانفجار).


توطين الفلاح بدل تهجيره

بالنسبة لهبة، كان مشروعها متقاطعاً مع مشروع زميليها حيث تابعت: (العشوائيات ضمت العديد من سكان الريف فمعالجة العشوائيات يجب أن لا تهدف لتوطين الفلاح في المدينة وإنما حل أزماتها للانطلاق لحل مشكلات الريف الاجتماعية والاقتصادية من خلال استيعابها ووضع خطط لمعالجتها، ما يسهم في إعادة إنعاش القطاع الزراعي... فمشروعي يهدف لتخطيط قرية زراعية تضم صناعات تحويلية ما يؤمن المستلزمات الأساسية لبقاء الفلاح في أرضه وتحقيق الأمان المادي لإعادة عجلة الزراعة في بلد تشكل ركيزة أساسية وحيوية في اقتصاده، فهو يقدم نموذجين للسكن: سكن الفلاح الزراعي وسكن الحرفي العامل بالمنتجات الزراعية، ورفده ببنية تحتية وخدمات صحية وتعليمية، فلا يكون الريف معزولاً عن المدينة اجتماعياً واقتصادياً وفكرياً، و دون أن يضطر للهجرة لمواكبته أو البقاء في مكانه فقيراً جاهلاً).

توثيق التراث المادي والحضاري

كان للجانب الفكري والتراثي حيزاً هاماً في عمل ريم والتي قالت: (مشروعي هو مركز توثيق التراث المادي والحضاري، دافعي له كان عملية التطهير الثقافي الذي تعرضت له المدينة خلال الأزمة، فقتل إنسان يدمر ذكرياته الخاصة في حين أن استهداف التراث التاريخي يمحو ذاكرة شعوب بأكملها، وكأن أحداً لم يكن أو يعش هنا..)، وشرحت ريم: (أهمية التراث التاريخي من الأسباب الأساسية التي تجعلها عرضة للاستهداف خلال الحروب والنزاعات، فعملي يسعى على تنظيم وتجميع الجهود على المستوى الفردي والجماعي لاستعادة روح المدينة، المسألة ليست فيما طال المدينة من تشويه خلال الأزمة فمقدماته بدأت قبل ذلك حين تحولت المدينة لمشروع استثماري شوه معناها وخصوصيتها وحولها منشآت سياحية استنزفت لأقصى حد، فهذا المركز ليس فقط لجمع المعلومات بل لتساهم في إعادة إعمار ما تهدم، واستعادة ما سلب، وإحياء ما دمر، والتوثيق ليس فقط معمارياً بل تاريخياً وأثرياً ومنع التلاعب به، من خلال تأهيل كوادر باحثين ومختصين ليكون العمل الأثري والتوثيقي وطنياً بامتياز).
لعل هذه المبادرة تكون جزءاً من استنفار كل طاقات السوريين خاصة المحاولات الشابة منها والتي تفتح على معالجة الموضوع بشكل أكاديمي وبرؤى إبداعية تستحق الرعاية وذلك بعد أن أنتجت الحرب الدائرة في سورية منذ خمس سنوات كماً هائلاً من الدمار المادي والمعنوي والثقافي للشعب السوري، ليأتي ملف إعادة الإعمار كحاجة ملحة وضرورية ومهمة جسيمة على المستوى الوطني، بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكل الشرائح فيه.