طلاب جامعة دمشق يعانون: الآداب.. الازدحام يخنق الحياة الجامعية
تستعرض «قاسيون» فيما يلي القسم الثاني من ملف «طلاب جامعة دمشق يعانون»، والذي يتحدث عن المشاكل الإدارية والتقنية والعلمية التي تواجه طلاب جامعة دمشق في التجمعات الجامعية الأبرز، تجمعات الهمك والبرامكة والآداب. وكانت «قاسيون» قد نشرت في عددها الماضي، القسم المتعلق بتجمع «الهمك»، الذي يضم العديد من الفروع الهندسية في منطقة الصناعة على طريق المطار، أما في العدد الحالي سيتناول الحديث معاناة وشكاوى الطلاب في العديد من المجالات في كل من تجمع الآداب الواقع في منطقة المزة، وتجمع الكليات في منطقة البرامكة.
يضم تجمع الآداب الواقع في منطقة المزة العديد من الكليات الكبرى في جامعة دمشق، كالآداب والطب والصيدلة وطب الأسنان والإعلام. ويأتي الاكتظاظ في مقدمة المشاكل التي يعانيها ذلك التجمع من الكليات، ففي حين تتحدث المعلومات عن تجاوز عدد طلاب كلية الآداب وحدها الـ45 ألف طالب، وهو الأمر الذي جعلها أكبر كلية في العالم من حيث عدد الطلاب، لا تتوفر الخدمات والمرافق التي ينبغي أن تخدّم عشرات الألوف من الطلاب في الكليات المذكورة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التجمع المذكور يضم أعداداً كبيرة أخرى من الطلبة في مجال التعليم المفتوح، وفي المعهد العالي للغات، بالإضافة للطلاب الوافدين من جامعتي حلب والفرات في الأقسام ذاتها التي يضمها التجمع. وينجم عن ذلك كله مشاكل كثيرة من شأنها أن ترهق الطالب وتعيق العملية التدريسية عموماً.
نوافذ معدودة.. وزجر وإهانات
تظهر مشكلة الازدحام عند تسجيل الطلاب في مطلع كل عام دراسي، إذ يسجل كل طلاب الآداب في مبنىً وحيد، هو مبنى العلوم الإنسانية، حيث توجد نافذة لكل قسم من أقسام كلية الآداب، يمر عليها الـ45 ألف طالب بالحد الأدنى، لتنتظم الطوابير وتتوازى بانتظار الوصول إلى النافذة. هذا المشهد بما يحمله من فوضى بقي ملازماً لكلية الآداب منذ أكثر من 10 سنين، بحسب الطلبة القدامى والجدد الذين التقتهم «قاسيون»، ولا جديد فيه سوى أن مقولة «ظروف الحرب» تحولت إلى ذريعة مريحة على ألسنة القيمين على الجامعة، عند الحديث عن مشكلة الاكتظاظ. أما عندما يقترح الطلاب إيجاد حلول تقنية بسيطة لهذه المشكلة، كتوزيع عملية تسجيل الطلاب على العديد من المباني، أو التسجيل المؤتمت عبر شبكة الانترنت.. الخ، وهي حلول يقترحها الطلبة في كل عام، فتقابل كلها ليس بالرفض فحسب، بل وبكثير من الزجر والمنّة، من قبيل: «فليشكر الطلاب ربهم أن تتوفر لهم جامعات وكليات في مثل هذه الظروف» أو أن «الطلاب لا يجيدون سوى الشكوى»، وغيرها العديد من المقولات التي تبلغ درجات عالية من الاستهانة بالطلاب والاستهتار بحقهم في التعليم. تقول طالبة في قسم الأدب الفرنسي لـ«قاسيون»: «لا نعلم لماذا يجري التعامل معنا في كلية الآداب على أننا طلاب من النخب العاشر. ألسنا ندرس العلوم والآداب الإنسانية والتاريخية في هذه الكلية؟ أم أن الإدارات في كليتنا لها رأي مختلف؟!».
للطوابير أنواع
تلقي مشكلة الاكتظاظ بظلالها على كل تفاصيل الحياة الجامعية في تجمع الآداب، يتحدث الطلاب لـ«قاسيون» عن الانتظار الطويل والطوابير الكثيرة: «مدرجات كلية الآداب تغص دائماً بالحضور، بالرغم من أن النسبة الغالبة من الطلاب لا يحضرون محاضراتهم». بينما يتحدث طلاب من كلية الصيدلة عن حال المخابر: «يتجمهر أكثر من 10 طلاب حول مجهر واحد، وتفتقر بعض المواد الكيميائية في المخبر إلى الفعالية»، الأمر الذي يجعل التجربة العلمية بلا فائدة بالنسبة لغالبية الطلاب. إلا أن أسوأ فصول الازدحام تظهر أمام تجمع الآداب، عندما ينصرف الألوف من الطلاب من كلياتهم في فترة ما بعد الظهيرة منتظرين قدوم وسائل النقل، ويضطرون في بعض الأحيان إلى دفع مبالغ إضافية لسائقي النقل العام، أو الذهاب سيراً على الأقدام لعدة كيلومترات للوصول إلى محطة أخرى تتوفر فيها وسائل النقل.
محاضرات بأسعار خيالية
في الوقت الذي تغيب فيه العديد من الخدمات الأساسية والعامة للطلاب في تجمع الآداب، يكثر عدد المكتبات والأكشاك والمحال التي تبيع المحاضرات للطلاب بأسعار خيالية، حيث يقدر سعر الورقة المطبوعة الواحدة وسطياً بثماني ليرات، في حين لا تتجاوز تكلفتها ربع ذلك السعر. يقول أحد الطلبة لـ«قاسيون»: «يضطر الطالب إلى دفع عدة آلاف من الليرات في كل عام دراسي ثمناً للمحاضرات، وبما أن عدد الطلاب في تجمّع الآداب يقدر بعشرات الألوف، فعليك أن تتخيل حجم أرباح تلك الأكشاك والمكتبات»، كل ذلك يجري على مرأى القيمين على الجامعة، ويمر دون حساب أو رادع.
الاقتصاد: فوضى.. وضعف البحث العلمي!
تخضع الكليات الواقعة في تجمع البرامكة، والتي من أبرزها كليات الاقتصاد والعلوم والتربية والهندسة المدنية والمعمارية، إلى العديد من المشاكل الشبيهة لتلك التي تتواجد في تجمعي الآداب والهمك، كالاكتظاظ وتأخر النتائج الامتحانية وانخفاض معدلات النجاح وأزمة المواصلات وغلاء تكاليف المحاضرات والمستلزمات الدراسية.. الخ. وسنستعرض فيما يلي أبرز المشاكل في الكلية الأكبر في ذلك التجمع، كلية الاقتصاد، كنموذج عام عما يواجهه الطلاب في التجمع المذكور.
فوضى وضعف في العملية التدريسية
يعاني طلاب كلية الاقتصاد من النقص الكبير في الكادر التدريسي، الأمر الذي يحول دون تقسيم الأعداد الكبيرة للطلبة إلى عدد أوسع من الشُعب الصفية، بما يمكن أن يساهم ذلك بحل مشكلة الازدحام والأعداد الكبيرة في المدرجات. هذا الأمر ينعكس سلباً في الكثير من مفاصل العملية التدريسية، إذ يلجأ غالبية الطلاب إلى التغيب عن المحاضرات لانخفاض جدواها في ظل الازدحام وغيره من العوامل. إضافة إلى ذلك تغيب منهجية البحث العلمي عن الأساليب المتبعة في التدريس في كلية الاقتصاد. كذلك تفتقر كلية الاقتصاد إلى المستلزمات العلمية الضرورية، كالمكتبة العلمية، والنقص في مستودعات الكتب، وغياب أجواء البحث والتواصل العلمي في الكلية. يجمل أحد الطلاب المشهد لـ«قاسيون»: «عملياً، فإن غالبية الطلاب لا يحتكون مع الكلية في الفصل الواحد إلا بتسجيل أوراقهم في أول الفصل، وشراء محاضرات رديئة الطباعة في آخر الفصل، ليحفظوها عن ظهر قلب ثم يتقدمون إلى الامتحان. معظم الطلاب يقضون حياتهم الجامعية بهذا النحو».
انخفاض معدلات النجاح.. مجدداً
وكما يحصل في غالبية كليات جامعة دمشق، تأخرت النتائج الامتحانية في كلية الاقتصاد بنحو غير مبرر، تقول إحدى الطالبات لـ«قاسيون»: «بعض المواد المؤتمتة التي لا تستغرق سوى بضع ساعات لإصدار نتائجها تأخرت بنحو شهر بعد تقديمها». كذلك يعاني الطلاب من انخفاض نسبة النجاح في بعض المقررات، مثل مقررات تحليل جزئي والإحصاء وإدارة تسويق وإحصاء تطبيقي، حيث تتراوح نسبة النجاح في تلك المقررات بين 10 إلى 15 بالمائة، بالرغم من أن الطلاب الذين التقتهم «قاسيون» أكدوا سهولة تلك المقررات، إلا أن المشكلة تتعلق بمزاجية بعض الدكاترة وانتقائيتهم بصياغة الأسئلة الامتحانية.
إن استمرار الأزمات والثغرات في الكثير من أقسام وكليات جامعة دمشق بات يهدد جدية العملية التدريسية ويمس قيمتها العلمية، الأمر الذي يتطلب من المسؤولين عن الجامعة وعماداتها المسارعة في إيجاد الحلول وإشراك الطلاب في صياغتها لإنقاذ تاريخ الجامعة العريق من التردي والانحدار، ووضع الأساس لتطور التعليم الجامعي ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي.