(داعش) .. التعليم ضمن قائمة الممنوعات... اطلب العلم ولو كنت في الرقة!
لا فرصة لهم في هذا العام لتقديم امتحانات الشهادة الإعدادية أو الثانوية. آلاف الطلاب من أبناء محافظة الرقة يحرمون للعام الثاني على التوالي من حقهم للتقدم للامتحانات العامة. فواقع تواجدهم على أرض محافظة الرقة، جعلهم يقعون تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي أغلق المدارس بكافة فئاتها منذ أكثر من عام.
اختفت مشاهد طوابير الصباح المدرسية من شوارع الرقة، بعد أن منع الدواعش أبناء الرقة من مدارسهم. وفرضوا مناهج جديدة تعتمد بحسب زعمهم على الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية، وتم إلغاء كافة العلوم الإنسانية من المدارس.
لا مدارس ولا تدريس
ألزمت داعش المدرسين في محافظة الرقة على إتباع دورة مدتها أربعة أشهر تبدأ من أول شهر نيسان إلى بداية الأول من الشهر التاسع، وهو موعد افتتاح المدارس الشرعية في الرقة.
ركان.غ مدرس رياضيات يقول: قام ما يسمى أمير التربية في الرقة بإجبارنا على توقيع تعهدات خطية من أجل إتباع الدورة الشرعية، وإلا سيتم حذف أسمائنا من قوائم الرواتب. نحن عدد كبير من الأساتذة رفضنا الخروج من الرقة، وفضلنا البقاء في منازلنا ومدارسنا، لكننا نتعرض لضغوط كبيرة من قبل عناصر التنظيم كي نترك أعمالنا.
فرضت داعش اللباس الشرعي للفتيات من عمر ست سنوات، حيث يتوجب عليهن ارتداء النقاب الشرعي والعباءة.وكذلك سيتم فصل البنين والبنات من الصف الأول الدراسي. كما سيمنع المدرسون الذكور من التدريس في مدارس الإناث، وكذلك المدرسات الإناث من التدريس في مدارس الذكور.علماً أنه تم إيقاف العملية التدريسية بأشكالها كافة ماعدا تحفيظ القرآن.
لا رواتب
قبل عدد من الأشهر الماضية، قام عناصر تنظيم الدولة بسحب البطاقات الشخصية، ودفاتر الخدمة العسكرية، من أبناء محافظة الرقة، وفرض بطاقات شخصية جديدة خاصة بالتنظيم. وكذلك امتنع عدد من المحاسبين المعتمدين لدى الحكومة السورية من الدخول إلى الرقة، من أجل تقبيض الأساتذة، مما ألزم مدرسي الرقة السفر إلى محافظة حماة، من أجل قبض رواتبهم التي لم تتوقف.
رمزية.ع أمينة مكتبة. تقول: أصدر عناصر تنظيم الدولة (داعش) قراراً يمنع بموجبه النساء مهما كان عمرهن من السفر خارج أراضي الرقة، إلا بموجب تقرير طبي ممهور من أمير الصحة في الرقة. مما حرم عدداً كبيراً من المدرسات قبض رواتبهن، وذلك لعدم وجود محرم إلى جانبهن. كما مع الأسف تم الاتفاق بين محاسبي الرقة ومحاسبي حماة، على عدم تسليم الرواتب إلا لصاحب العلاقة بحد ذاته. لأنه في حال عدم قبض المعلم لراتبه يتم شطب اسمه من لوائح الرواتب، وعده مفصولاً من عمله. فلجأ عدد كبير من المعلمين والمعلمات إلى دفع مبلغ خمسة آلاف ليرة سورية للمحاسبين، عند كل عملية قبض للراتب لقاء إعطاء الراتب للأخ أو الزوج.
لا تفرق معاناة المدرسين الذكور عن معانة الإناث، حيث باتوا من دون أوراق ثبوتية، لا بطاقة شخصية ولا دفاتر خدمة الجيش، مما يجعلهم عرضة للتوقيف أو الاعتقال من الحواجز الرسمية، في حال توجهوا إلى محافظة حماة لقبض رواتبهم.
ماجد .س مدرس يبلغ من العمر خمسة وثلاثين سنة. يقول: تم سحب بطاقتنا الشخصية، وكذلك دفاتر الخدمية الإلزامية، من قبل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية. مما جعلنا سجناء ضمن حدود الرقة، حيث تعرض عدد من زملائنا الشباب للتوقيف من قبل الحواجز الرسمية، أثناء سفرهم إلى حماة من أجل قبض رواتبنا.
طه.خ مدير إحدى المدارس في الرقة .يقول: نحن نتعرض لخطر المحاسبة من قبل عناصر داعش، وكذلك مخاطر السفر ، يضاف إليها تكاليف السفر التي قد تتجاوز الأربعة آلاف ليرة لكل شخص.
لا أمل!
فقد آلاف الطلاب من أبناء الرقة، والذين لا زالوا موجودين على أرض المحافظة الأمل في التقدم للامتحان الشهادة الإعدادية والثانوية، وذلك بسبب الأحكام الجائرة من قبل عناصر داعش.
استطاعت المدرسة نجوى .ش. العام الماضي من اصطحاب خمسة وثلاثين طالبة إلى محافظة اللاذقية، بعد أن استأجرت ثلاث شالايهات وقامت باصطحاب ثلاث نساء متقدمات بالعمر، من أمهات الطالبات، للإشراف عليهن طيلة مدة تقديم الامتحانات. تقول نجوى: بسبب الأحكام الجائرة، وقرارات منع السفر من قبل داعش، لم يتمكنّ هذا العام من السفر خارج المحافظة كما العام الماضي، وبالتالي حرمان عدد كبير من طالباتنا وطلابنا التقدم للامتحانات العامة.
تمكن عدد من أمناء السر في مدارس الرقة، بتسريب قوائم بأسماء الطلاب النظاميين إلى مديرية تربية حماة، التي قبلت بهذه القوائم وقامت بإصدار بطاقات امتحانيه لهم دون صور ودون وجود سجل دوام.
مما أتاح المجال أمام عدد لا بأس فيه من الطلاب النظاميين، التقدم إلى الامتحانات .
لم يسمح لطلاب محافظة الرقة النظاميين بالتقدم للامتحان الشهادات الإعدادية والثانوية، في محافظتي دير الزور أو الحسكة، لتبقى محافظة حماة الخيار الوحيد أمام الطلاب وذويهم، مما شكل عبئاً نفسياً ومادياً على العائلات الرقاوية.
اضطرت سعاد إلى المشي مع عائلتها في الصحراء ليلة كاملة، كي تهرب بناتها وأبناءها إلى محافظة حماة، والتمكن من تقديم امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.
تقول سعاد: دفعت مبلغ عشرة آلاف ليرة سورية عن كل فرد من أفراد عائلتي لمهربين، حتى تمكنا من تفادي حواجز داعش، والوصول إلى أقرب طريق مأهول. وتتابع سعاد: بسبب الظروف الصعبة قمنا باستئجار منزل تكلفته ستون ألف ليرة في الشهر الواحد، وذلك كي لا يفقد أبناءنا حقهم في التعليم .
حصار شديد
تحاول عدد من العائلات الرقاوية، تدريس أبنائها رغم الحصار الشديد، الذي يفرضه عناصر داعش على المعلمين وعلى العائلات.
جواد.غ مدرس رياضيات.يقول: يلاحقنا عناصر الحسبة في الرقة بشكل مستمر، وذلك لمنعنا من إعطاء دروس للطلاب الراغبين في التقدم للشهادة الثانوية، أو غيرهم من الطلاب. حيث تم فرض عقوبة جلد ثمانين جلدة، بحق أي مدرس يلقى القبض عليه وهو يقوم بإعطاء دروس خصوصية، في أي اختصاص علمي في المرة الأولى، وفي المرة الثانية ستكون عقوبة المدرس هي القص (أي قطع الرأس). ويضيف مع الأسف تعرض عدد من زملائي المدرسين لعقوبة الجلد. كما يفرض على صاحب المنزل الذي يضبط في منزله طلاب يتلقون دروس خصوصية غرامة مالية، تعادل الخمسمائة ألف ليرة سورية.
هجرة الكفاءات
شهدت محافظة الرقة هجرة كبيرة، من أبنائها حملة الشهادات العلمية، وكذلك الكوادر الطبية والتدريسية وغيرهم. وذلك بسبب الحصار الشديد الذي يفرضه عناصر داعش.
جمال.خ موجه تربوي يقول: فقدت الرقة القسم الأكبر من أبنائها المتعلمين الذين كان يعول عليهم في نهضة الرقة. حيث تم إغلاق عدد كبير من العيادات الطبية، وكذلك الصيدليات، ومعاهد تعليم اللغات، والكمبيوتر، في محاولة لإفراغ المحافظة من المتعلمين، وفرض مناهج تعتمد على تغييب العقل والابتعاد عن الحضارة والتمدن، الذي كانت تتمتع به الرقة. ويضيف جمال: إن عناصر داعش يقومون بفرض عقوبات مضاعفة، على الأشخاص المتعلمين في حال تم إلقاء القبض عليهم في أي مخالفة مهما كانت بسيطة، مما دفع عدداً كبيراً من الرقاويين للهروب، إما إلى تركيا أو إلى المحافظات السورية.
يخشى عدد كبير من المتخصصين بأن يطول أمد الحرب الدائرة، وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، على مساحات من الأراضي السورية في الشمال السوري، وفرض مناهج تعليمية تغيب العقل والعلم.
ومن الجدير بالذكر هنا، إن هذه الممارسات ليست غريبة عن تنظيم إرهابي كداعش له وظيفة مركبة، فبالإضافة إلى وظيفته ذات الطبيعة الاستراتيجية باثارة الفوضى، واعادة صياغة الخرائط، فإن مهامه الآنية بتدمير المواقع الاثرية، ومنع التعليم، ومحاولات فرض نموذج ثقافي محدد، وفرض الأتاوات والسبي والجزية وسرقة الكنوز الأثرية والسرقة الموصوفة، هي وظائف مشتقة من تلك الوظيفة الأساسية ومتكاملة معها من جهة، ويكشف عن طبيعة هذه القوى، وبنيتها الداخلية التي تذكر ببنية الشركات الأمنية بأعمالها القذرة والمعروفة من جهة أخرى.
