شركات نقل تتجاوز التعرفة الرسمية وخارج دائرة الرقابة
من جديد، وكنتيجة طبيعية لغياب الرقابة والأساليب الرادعة، تجاوزت بعض شركات النقل الداخلي في دمشق القانون، وأعلنت عن تعرفة ركوب مخالفة، كما اعتادت سابقاً، لكن هذه المرة، صدرت التعرفة رغم تأكيد محافظة دمشق مسبقاً بأنها لم تصدر قراراً برفع التعرفة الحالية.
تلقت «قاسيون» شكاوى عديدة حول مخالفة بعض شركات النقل للقوانين والأنظمة بدءاً من التسعيرة وحتى عدم إكمال الخط، وعلى مرأى من شرطة المرور، إلا أن مناشداتنا المتكررة سابقاً، وتحذيراتنا من تجاوزات بعض هذه الشركات أكثر مماهي عليه، لم تؤخذ على محمل الجد من الجهات المسؤولة، حتى وصلت القضية إلى تحدي هذه الشركة لقرارات الأجهزة التنفيذية من شرطة مرور وتموين، وأعلنت للجميع بأن هذه القرارات لا تعنيها، وعلى المواطن تنفيذ ما تريده هي، أو أن لا يركب الباصات!
تجاوزات متكررة
الأسبوع الماضي، رفعت شركة «هرشو» للنقل الداخلي تعرفة الركوب فيها من 40 إلى 50 ليرة سورية، بزيادة عشر ليرات عن التعرفة الرسمية، وقد اعتادت الشركة اتباع هذا الأسلوب مراراً خلال الأزمة التي تمر بها البلاد، فعندما كانت تعرفة الركوب محددة بـ 20 ليرة سورية، كانت الشركة تتقاضى 25 ليرة، وبعدها استغلت الشركة مع شركات أخرى، شحّ مادة المازوت في فصل الشتاء وارتفاع سعره في السوق السوداء - علماً أنها تحصل على مخصصاتها بشكل دوري - لترفع التعرفة إلى 35 ليرة دون أي رادع، وعندما حددت محافظة دمشق مؤخراً التعرفة بـ40 ليرة سورية، رفعت الشركة تعرفتها إلى 50، أي أن هذه الشركة لم تلتزم بالقانون طيلة فترة عملها خلال الأزمة، وحتى اليوم لم تستطع أي جهة أن تردعها.
وبعد أن ضجت وسائل الإعلام بمخالفة الشركة المذكورة، وتذمر المواطنين المتزايد، اضطرت محافظة دمشق، ولأول مرة أن تبرر موقفها، حيث أعلنت على وسائل الإعلام الرسمية ومنها التلفزيون السوري أنها لم تقم بأي تعديل على تعرفة وسائط النقل الجماعي (باصات- ميكروباصات) والصادرة بالقرار رقم 2 تاريخ 19/1/2015 وهو آخر تعديل تم رفع التعرفة بموجبه، محدداً إياها لهذه الشركات بـ40 ليرة.
لم تذكر المحافظة اسم الشركة المخالفة، ولكنها أطلقت الوعود التي اعتاد عليها المواطن مراراً، ولم تؤت نفعاً على مدار السنوات السابقة، وقالت إنها «ستقوم باتخاذ إجراءات رقابية مكثفة، وستخالف المخالفين».
عدم الثقة بالجهات الرقابية
حالة الاستياء بين المواطنين في تزايد، وثمة حالة من عدم الثقة في الجهات الرقابية تتزايد بوضوح، فالعديد ممن التقتهم «قاسيون»، توقعوا فشل المحافظة والجهات الرقابية بضبط هذه المخالفات، وخاصة وأن ضبط أي مخالفة مشروط مسبقاً بتقدم أحد المواطنين بشكوى شخصية ضد وسيلة نقل محددة برقم المركبة ودفع مبلغ معين سعراً للطوابع، ويتم بعدها استدعاء الطرفين للمحاكم، ولهذا يعزف الكثيرون عن أي شكوى نظراً للروتين «البالي والذي يفتح الباب للمستغلين والتمادي على القوانين والمواطنين» وفقاً لما قالوه.
مازال نظام الشكوى «البالي» سارياً حتى اليوم، ورغم الضجيج الإعلامي حول القضية، واعتراف محافظة دمشق بحدوثها، إلا أن المخالفة ما زالت مشروطة بالشكوى الشخصية، حيث تسري المخالفة رغم معرفة الجميع بها!
رغم المخالفة لم يفسخ عقده
مصادر خاصة في قطاع النقل بمحافظة دمشق، أكدت لـ«قاسيون» أنه رغم فسخ عقود أغلب شركات النقل الداخلي في دمشق نتيجة المخالفات الكبيرة، إلا أن شركة «هرشو» وحتى اليوم لم يتم فسخ عقدها، وهنا يشير حديث المصدر إلى وجود صلة معينة أو نفوذ ما تمارسه الشركة ضمن مؤسسات الدولة، تحول دون فسخ عقدها كباقي الشركات، رغم مجاهرتها بالمخالفات.
مصادر محافظة دمشق، أكدت بأنه هناك توصيات رفعت إلى المحافظ شخصياً، بخصوص فسخ عقد شركة «هرشو»، وحجز باصاتها، بعد أن كانت المحافظة تمتنع عن حجز أي باص نقل داخلي، لما تتحجج بأنه «حرص على خدمة المواطن بظل أزمة المرور وازدياد الكثافة السكانية في دمشق»، لكن تبقى هنا قضية عدم فسخ عقد الشركة طيلة سنوات الأزمة رغم المخالفات، المثيرة للجدل.
مسؤول: مضطرون للتغاضي!
عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق هيثم ميداني، أكد عبر «إذاعة ميلودي أف أم»، وجود توصيات مرفوعة إلى محافظ دمشق شخصياً بخصوص فسخ العقد مع هرشو، وحجز الباصات المخالفة بشكل عام، قائلاً «وافق المحافظ على قضية حجز الباصات المخالفة» ما يشير فعلاً إلى تساهل المحافظة سابقاً مع الشركة بهذا الخصوص، رغم أن مرور دمشق أكد سابقاً بأن مرائب دمشق مليئة بالباصات المخالفة، ما يلقي الضوء على تناقض واضح بين الأطراف المعنية بالمخالفات.
وكان ميداني قد أكد في تصريحات سابقة «مضطرون حالياً للتغاضي عن احتجاز المركبة المخالفة بتقاضي تسعيرة زائدة، وعدم تخديم الخط، إضافة إلى زيادة عدد الركاب في الباص الواحد، إلى حين استيراد الباصات الجديدة، وذلك استمراراً لتخديم المواطن بظل الظروف الراهنة، حيث يتم الاكتفاء حالياً بمخالفة السائق». وكأن مسؤولينا يعدمون كل الوسائل الأخرى لعقوبة الشركة المخالفة غير حجز الباصات!
مترددون بالفسخ
وحول فسخ عقد الشركة، ورغم تأكيد ميداني بأن المحافظ وافق على الطلب، إلا أنه عاد خلال حديثه للإذاعة وقال: إن «المحافظة ستوجه إنذاراً للشركة، وإن لم ترتدع، سيتم فسخ العقد»، لكن حتى فسخ العقد قد لا يكون رادعاً، حيث أنه من المؤكد، أن عمل شركات النقل الداخلي دون وجود عقود ناظمة بينها وبين الجهات العامة، قد يدفعها لممارسة المخالفات بشكل علني وأكبر، وهذا ما حدث فعلاً وما سلطت عليه الضوء «قاسيون» مراراً.
حيث تعمل أغلب شركات النقل الداخلي بدمشق، رغم فسخ عقودها، ما يعني عدم خضوعها لشروط جزائية، بعد فسخ العقد نتيجة مخالفاتها، وأهمها التلاعب بالتسعيرة، والإعلان عن عدد باصات غير موجود على الخطوط المخدمة، وغيرها من مخالفات تخص السائقين قبل الركاب، كعدم إبرام عقود معهم وتعرضهم للطرد التعسفي، وعدم إدخالهم في التأمينات الاجتماعية.
أين الـ100 باص والتكسي سرفيس؟
ميداني أكد في شهر آذار، بأن حلّ قضية المخالفات، سيتم عند استيراد حوالي 100 باص نقل داخلي من الصين لدمشق، الشهر القادم – نيسان - وإبرام عقود جديدة بشروط جديدة مع شركات الاستثمار، إلا أن الباصات لم تأت بعد، وقد أكد ميداني في حديثه للإذاعة بأنه «لا شيء جديد بهذا الخصوص بعد»، ما قد يشير إلى استمرار معاناة المواطنين اليومية من استغلال شركات النقل الداخلي الخاصة.
شروط العقود الجديدة المتوقع إبرامها من جديد مع الشركات، هي «وجود حصالة في كل باص وجابي، وتحديد عدد الرحلات اليومية ، والعمل أيام العطل الأسبوعية والأعياد» بحسب ميداني.
أزمة المرور في دمشق، ساهمت بتمادي أصحاب الشركات الخاصة بالمخالفات لزيادة نسبة الأسعار، وكانت محافظة دمشق وعدت بإصادار قانون ينظم عمل التكاسي كسرافيس، بمشروع أطلق عليه اسم «تاكسي سرفيس»، إلأ أن المشروع ربما ضاع ضمن أوراق المحافظة منذ حوالي العام، وغيبه عن الإعلام لأسباب مجهولة، كانت قد بررتها المحافظة بأن «التعرفة التي حددت لكل راكب في التكسي سرفيس بـ50 ليرة، لم تعجب السائقين، وأحيل المشروع للدراسة مرة أخرى».
«لم يفسخ عقد الشركة بعد ولا جديد بخصوص الـ100 باص»!