من الذاكرة: الذاكرة الحسيّة
التأم شمل أسرتي في سهرة متواضعة للاحتفال بعيد ميلاد أحد أحفادي الستة عشر، وقد بلغ الثالثة عشر من عمره، وبعد إطفاء الشموع و «سنة حلوة يا جميل»، وتبادل القبلات والتبريكات، سألني حفيدي بحماس: يا جدي.. هل كان جدك يحضر عيد ميلادك؟، فانفجرت ضاحكاً من أعماق قلبي، وأجبته: لم يكن لنا ونحن أطفال أعياد ميلاد، فلم نكن نعرفها أو نسمع بها.
و «زيادة في التوضيح» قلت له: أنا «شخصياً» لم أر أحداً من أجدادي.. لا جدي أبو أبي ولا جدي أبو أمي، ولا جدتي أم أبي ولا جدتي أم أمي.. حتى لم أر أية عمة أو خالة فقد رحلوا جميعهم قبل إطلالتي على هذه الدنيا.. ويا حفيدي الغالي لم نكن نعرف ونحن صغار إلا أعياد الفطر والأضحى وأول عيد عرفناه -غيرهما- واحتفلنا به بكل سرور وفرحة، كان عيد الجلاء الذي جرى في السابع عشر من نيسان عام 1946، وبعد الاستقلال -على ما أذكر- بدأت أتعرف على إقامة أعياد رأس السنة الميلادية والهجرية وغيرهما من الأعياد التي تعطل خلالها المدارس والدوائر الرسمية.
ثم تابعت موجهاً حديثي لأفراد الأسرة: بعد أيام قليلة تحل الذكرى التاسعة والستون لعيد أعيادنا الوطنية.. عيد الجلاء، وخروج المستعمرين الفرنسيين والإنكليز بلا رجعة وأنا الآن استذكر قول الشاعر بدوي الجبل:
جلونا الفاتحين فلا غدواً
ترى للفاتحين ولا رواحا
وقول الشاعر القروي:
فلتنحن الهام إجلالاً وتكرمة
لكل حرٍّ عن الأوطان مات فدى
إننا ننحني إجلالاً للتضحيات العظيمة التي قدمها مئات.. بل عشرات الآلاف من الناس البسطاء الطيبين في سبيل الشعب والوطن.. الذي سطروا بنضالهم وبطولاتهم.. بدمائهم الزكية التاريخ الكفاحي لشعبنا البطل.. وإننا نعاهدهم أن نسير على هدي خطاهم في درب الحرية والتقدم، بجرأة ونكران ذات، لرص صفوف جميع الوطنيين السوريين، للحفاظ على سورية سيدة أبية عزيزة كريمة وسعيدة.
وكما قال الرفاق: «الواضح والثابت اليوم أن الشعب السوري يريد وقف السفك المطرد لدمائه، ووضع حد للدمار التدريجي في ممتلكاته ومؤسسات دولته، والخروج من الدرك المنخفض الذي أوصله إليه انفجار الأزمة بشكلها الراهن ومفاعيله، بالتوازي مع سلوكيات تجار الحرب وكبار الفاسدين من كل شاكلة ولون..
إن شعبنا يتطلع إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً، ويراقب عن كثب تصرفات جميع القوى ويسجلها في ذاكرته الحية»