جامعة دمشق فوق القانون.. إلى متى؟!
ميمون العبيد ميمون العبيد

جامعة دمشق فوق القانون.. إلى متى؟!

في عام 2012 أصدر مجلس جامعة دمشق القرار 441 لعام 2012، والذي تضمن شروط ومعايير للتسجيل في درجة الدكتوراه وذلك بهدف تنظيم تلك العملية. وقد واجه هذا القرار اعتراضاً كبيراً من قبل طلاب الدراسات العليا في الجامعة، إذ وجدوا أنه لا يلبي تطلعاتهم الدراسية بالإضافة إلى عدم قانونيته، وقد تحدثت قاسيون سابقاً عن هذا الموضوع في العدد 608 وسنضعكم بأهم المستجدات اليوم.

ميمون العبيد
إن القرار من الناحية العملية، يقضي بأن كل طالب حاصل على الماجستير لا يستطيع التقدم إلى الدكتوراه بشكل مباشر، بل عبر مفاضلة بينه وبين زملائه على أساس مجموع النقاط التي ينبغي تحقيقها من مجموعة شروط: كدرجة اللغة الإنكليزية، والنشر في مجلات عالمية أو عربية وشهادة كمبيوتر (ICDL) ومعدل جيد بدرجة الماجستير.
لكن المشكلة الكبرى في القرار كما يراها طلاب الدراسات العليا، ليست في هذه الشروط التي استطاع جزء كبير منهم تحقيقها، بل في قانونية هذا القرار، ومنطقه ونتائجه الكارثية على التعليم العالي بالدرجة الأولى وتحديداً في ظروف الأزمة. فالقرار يسمح بقبول طلاب بنسبة 10% من عدد الأساتذة المشرفين في كل قسم سنوياً. فعلى سبيل المثال فإن القسم الذي يحوي 100 أستاذ مشرف يحق له أخذ 10 طلاب دراسات دكتوراه فقط!!
من القضاء إلى الإعلام!
وفي محاولة ثني جامعة دمشق ووزارة التعليم عن هذا القرار الجائر بدأ نشاط طلابي على مختلف الصُعد لإلغاء القرار، تجلّى هذا النشاط بتقديم العديد من الشكاوى للجهات المعنية (وزارة التعليم العالي واتحاد الطلبة و..)، كما تم تقديم عدة شكاوى لمجلس الشعب، ولكن بدون أي نتيجة حتى تاريخه.
وبالتزامن، ونظراً لعدم قانونية هذا القرار، قام ممثلون عن الطلاب برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة. وحتى الآن لم يصدر أي حكم بشأن الدعوى على الرغم من وضوح المخالفة القانونية.
ومؤخراً قام تلفزيون الفضائية السورية بتسليط الضوء على هذه القضية، فاستضاف في أحد برامجه ممثلي وزارة التعليم العالي (د. سحر الفاهوم) وعن جامعة دمشق (د. جمال العباس؛ نائب رئيس جامعة دمشق) وممثلين عن طلاب الدراسات العليا، وذلك بحضور عضو مجلس الشعب الدكتور سمير الخطيب.
مبررات واهية للمسؤولين عن القرار!
إن أهم مبررات إصدار القرار 441، وفق وجهة نظر القائمين على العملية التعليمية، هو أنه طالما لا يوجد عدد كافٍ من أعضاء الهيئة التدريسية للقيام بالإشراف على الأعداد المتزايدة من الطلاب المتقدمين للحصول على درجة الدكتوراه. فلا بد من تقليل عدد المقبولين وذلك لتمكين المشرف من الإشراف الفعلي على الطلاب، وهو ما يرفع من سوية التعليم، كما أن الشروط الموضوعة تحقق عملية رفع سوية مخرجات التعليم أيضاً.
ويسهب نائب رئيس جامعة دمشق في تبرير القرار بالحديث عن (ثورة في الدراسات العليا، قد تؤدي إلى وصول عدد رسائل الدكتوراه إلى 20000 رسالة)!! وفي مواجهة هذه (الثورة) كان لابد من تخفيض عدد المقبولين تحت ذريعة تحسين المستوى. فهل يعقل أن يكون حل المشكلة، التي يتفق مسؤولو الجامعة والوزارة على أن سببها نقص الكادر الإشرافي الحالي، بتقليل عدد الكوادر التي ستغدو قادرة على الإشراف مستقبلاً!!.
تجريب!
لكن الطامة الكبرى هي أن رؤية نائبة وزير التعليم العالي لهذا القرار أنه كان من (باب التجريب لمدة سنتين في جامعة دمشق، قبل تعميمه) طبعاً دون أن تقر بالمراجعة الضرورية له! فهل يعقل أن يكون مستقبل مئات الطلاب من خيرة كوادر الدراسات العليا رهن التجريب؟! 
المضحك المبكي هو أن يتم دفع الطلاب من قبل المسؤولين عن التعليم العالي إلى خيارات محددة يراها المسؤولون خيراً لهم، فيرى المسؤول علناً أنه: (لم لا يقوم الطلاب المعترضون بالتسجيل في ماجستيرات التأهيل والتخصّص التي افتتحتها الجامعة مؤخراً، فبإمكان الحاصلين على ذلك الماجستير العمل بهذه الشهادة دون أن يكون هناك ضرورة لإكمال الدكتوراه!! وأن ليس كل من يحمل شهادة ماجستير يجب أن يكمل دراسته للحصول على الدكتوراه)!! كيف يسمح هؤلاء المسؤولين لأنفسهم بتحديد خيارات الطلاب بهذا الشكل من الإقصاء؟!
عن النموذج الألماني!
الطامة الكبرى حين يسهب المسؤولون بجعل النموذج الألماني والفرنسي نموذجاً لإقناع الطلاب بالقبول بماجستيرات التأهيل والتخصص، فيستشهدون بأن معظم طلاب ألمانيا وفرنسا يفضلون ماجستيرات التأهيل والتخصص، ويعززون فكرتهم بأن هاتين الدوليتن تستعينان بـ 60- 70% من كوادرها العلمية من كوادر الدول النامية وينبغي أخذهما كنموذج. لكن نسي المسؤول أن يأخذ من النموذج الألماني عمله الدؤوب لاستقطاب الكوادر التي نقوم بـ(تطفيشها).
يتضح لنا جليّاً من نظرة الوزارة وجامعة دمشق أن هناك انزعاجاً وتململاً من عدد الطلاب الراغبين في إكمال دراستهم، للحصول على الدكتوراه، لذلك يسعون لتخفيض هذا العدد قدر الإمكان، وتوجيه الطلاب إلى الحصول على ماجستيرات التأهيل والتخصص فقط، علماً أن هؤلاء الطلاب لن يكون بمقدورهم متابعة تحصيلهم العلمي للحصول على الدكتوراه!!. وإنه من سخرية القدر أن نجد أن هناك جامعة في العالم تعمل على تخفيض عدد رسائل الدكتوراه وتقييد البحث العلمي.
ألا يسمح كل ذلك بالتساؤل عن وجود توجه لتقليد الدول المتقدمة في الاعتماد على كوادر غير وطنية؟ ولكن اذا كانت الدول المتقدمة تعتمد على كوادر تستقطبها من الدول النامية، فمن أين سنستقطب الكوادر نحن في سورية، وخصوصاً أننا نندرج في مصاف الدول النامية؟! ألا يسمح ذلك بالتساؤل حول احتمال خصخصة للتعليم في الدراسات العليا كما جرت العادة بعد خلق كل أزمة في قطاع معين؟! أليس من الغريب أن يقيم مسؤولنا ما يقوم به الألمان باستقطاب لكوادرنا لأهداف سياسية، فأين هي أهدافنا السياسية في مواجهة ذلك، ألا تسهل قراراتنا أغراضهم السياسية؟!
القانون يدحض القرار!
أما من الناحية القانونية فقد تبين للملأ وبوجود مختص قانوني وهو عضو في مجلس الشعب، المخالفة الواضحة للقانون، كما أوضح المحامي طارق الغزالي أحد ممثلي الطلاب، المخالفات القانونية للقرار 441 وفق مايلي:
• حدد قانون تنظيم الجامعات رقم /6/ لعام 2006 في المادة /38/ منه اختصاصات مجلس الجامعة وعلى سبيل الحصر، ولم يمنح القانون المذكور مجلس الجامعة أي اختصاص في تعديل اللائحة التنفيذية للقانون، أو أي اختصاص في تعديل قواعد القيد في درجة الدكتوراه.
• نصت المادة /141/ من قانون تنظيم الجامعات على: "تحدد اللائحة التنفيذية القواعد العامة لنيل الدرجات العلمية التي تمنحها الجامعات وشروط كل منها". وهنا النص واضح وصريح بأن اللائحة التنفيذية هي من تحدد شروط الدكتوراه، وعليه لا يمكن لمجلس الجامعة أو مجلس التعليم العالي تعديل هذه الشروط.
• حددت المادة (146) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات رقم 6 لعام 2006، الصادرة بالمرسوم رقم 250 لعام 2006 شروط القيد بدرجة الدكتوراه والمتمثلة بالحصول على درجة الماجستير بتقدير جيد، بالإضافة إلى اجتياز امتحان باللغة الإنكليزية فقط.
وبالتالي فإن مجلس الجامعة قد خالف القانون بإصداره القرار 441 وتعديله للائحة التنفيذية الصادرة بمرسوم، وكما هو معلوم فإن من أبسط القواعد القانونية: "إن القانون والمرسوم أعلى درجة من القرار"؛ أي أنه لا يمكن لقرار أن يعدّل مرسوماً أو قانوناً.
ما يثير الاستغراب هو العناد الكبير من قبل جامعة دمشق ومن ورائها وزارة التعليم العالي في عدم إلغاء هذا القرار غير القانوني وغير المنطقي، والتمادي بذلك عن طريق العمل على تعميم هذا القرار على بقية الجامعات. كما إن منطق تعامل المسؤولين مع شهادة الدكتوراه على أنها "ترف علمي"، وأن لدينا "هناك عدداً كبيراً من حملة شهادة الدكتوراه"، يثير الاستهجان، وخصوصاً في ظل الصراع المحتدم من قبل الجامعات العالمية لاستقطاب أكبر قدر ممكن من طلاب الدراسات العليا.

الطلاب: القرار يضيق علينا..

بين الطلاب وبوضوح سلبيات هذا القرار حيث أكدوا أن التضييق على طلاب الدراسات العليا أدى إلى هجرة عدد كبير منهم إلى الخارج، وحرمهم من حقهم في التعليم والذي كفله الدستور. وأن القرار يمنح الطلبة العرب مزايا تفضيلية؛ حيث تم استثنائهم من الخضوع لهذا القرار. ناهيك عن صعوبة نشر أبحاث في مجلات عالمية وذلك لتكلفتها العالية، وأيضاً لأسباب سياسية، حيث يتم رفض نشر الأبحاث فقط لكون الباحث سورياً. ويرى الطلاب عدم منطقية أن يكون عدد الطلاب المقبولين في الدكتوراه يساوي 10% فقط من عدد أعضاء الهيئة التدريسية المسموح لهم بالإشراف على رسائل الدكتوراه. زد على ذلك فتح باب المحسوبيات والعلاقات الشخصية، نظراً لوجود معيار رسائل التوصية، ومعيار الحصول على ترشيح من قبل جهة حكومية أو خاصة. كما أنه من غير الواضح كيف تمّ اعتبار القرار 138 كأحد المبررات لإصدار القرار 441، علماً أن القرار 138 صدر بعد القرار 441 بحوالي الشهرين!!! بالإضافة إلى أن القرار 218 الذي تم الاستناد عليه لإصدار القرار 441، هو قرار خاص بالكليات الطبية فقط، ولا يمكن تطبيقه على باقي الكليات في الجامعة!