بعد ضياع (جنى العمر) تعويضات المتضررين واهية مادياً ومعنوياً..
لم يتم إعلان وقف إطلاق النار في سورية بعد، بينما تتعدد المنابر في الداخل والخارج التي تحصي الخسائر ومتطلبات إعادة الإعمار، فإن الحكومة اختصرت مخصصات إعادة الإعمار على مبلغ 50 مليار ليرة سورية سنوية في موازناتها لعامي 2014-2015.
تعتبر هذه المخصصات الحكومية مصدر التعويضات البسيطة التي تدفع للمتضررين ممن تبقى لديهم القدرة على متابعة الإجراءات الحكومية البيروقراطية للكشف الحسي والتقييم ومتابعة اللجان وانتظار الدور وقبض التعويض، الذي يأتي في نهاية الأمر واهياً مادياً ومعنوياً مقابل خسارات السوريين لجنى عمرهم، منازلهم ومشاغلهم ومحالهم!..
قاسيون قابلت العديد من المتضررين، مسجلة شهاداتهم الحية وآرائهم وتجربتهم مع الأداء الحكومي في ملف تعويض السوريين عن خسائر الحرب.
كومة ركام و(شوية ورق)!
لم يتبق من منزل سعاد في مخيم اليرموك سوى كومة من الركام وسند ملكية وفاتورة كهرباء وهاتف، كانت قد وضعتهم في الحقيبة الوحيدة التي خرجت بها من منزلها قبل أكثر من سنتين. تقول سعاد: كنت أملك منزلاً مؤلفاً من طابقين، خرجت منه بسبب الأحداث الأمنية في المخيم، بعد أن سرق المنزل بشكل كامل احترق، ليبقى كومة من الحديد والإسمنت فقط. قدرت لجنة التعويضات الأضرار التي لحقت منزلنا بأربع ملايين ليرة سورية، وذلك بناءً على الكشف الحسي الذي قامت به المحافظة وبناء عليه قيل: أنه سيتم تعويضنا بنسبة لكن هذا التعويض لم نستلمه بعد، نظراً لوجود طلبات كثيرة تنتظر أمامنا)، وتتساءل سعاد: (هل سيكون هذا المبلغ القليل هو التعويض عن عمرنا كله؟!).
من حلب إلى دمشق وبالعكس!
يتأبط أبو عبدو حقيبته السوداء الصغيرة مداوماً أمام بناء مجلس الوزراء: (أنا من سكان مدينة حلب، قمت بتقديم طلب للمحافظة هناك، وكون المبلغ المقدر لتعويض ممتلكاتي كبير فقد تم إرسال طلبي للجنة المركزية في دمشق كي يتم دراسته، لكني تفاجأت بإعادة طلبي إلى حلب). يقول أبو عبدو: (تضاعفت تكاليف البناء منذ أن تم تقدير الأضرار من قبل الكشف الحسي، وإذا تم صرف المبلغ فإنه لن يكفي ثمن المواد فقط)!.
تعويض المنزل والمحال يعادل أجار سنة
ماجد من سكان منطقة القدم في دمشق يقول: كنت أملك منزلاً ومحالاً تجارية في منطقة القدم، في البداية سرقت محتويات المنزل والمحال، ولاحقاً تعرضت لأضرار كبرى نتيجة المعارك) ويتابع ماجد: (تقدر ممتلكاتي بأكثر من ثمانية ملايين وإلى اليوم لم يتم إخباري عن الموعد، الذي من الممكن أن يتم خلاله صرف مبلغ التعويض الذي قد يكفيني لدفع أجار المنزل الحالي لمدة سنة، لا أكثر).
(سأنتظر وأعمّر بيدي)..
يرفض العم أبو سامي من سكان منطقة الميدان، التقدم بطلب إلى لجنة إعادة الإعمار كي يتم تعويضه، ويقول: نحن كنا نعاني من البيروقراطية قبل وقوع الأحداث، وقد ازدادت بعدها، حيث أن (نفس الحكومات طويل) فيما يختص بتعويض الأضرار المادية، وقد شاهدت تجارب جيراني، الذين لم يحصلوا حتى اليوم على تعويضاتهم، ومن حصل فإن تعويضه لا يكفي أجرة عمال نقل مواد البناء فقط!، وبعضهم خسر مبالغ لتقديم دوره ويحصل على التعويض مبكراً، وإلى اليوم لم يقبض ليرة)!. يضيف أبو سامي: (لم أنتظر يوماً مساعدة من أحد، لذلك لن أتقدم بأي طلب، وسوف أنتظر هدوء الأوضاع وأقوم بإعادة تعمير كل ما تهدم كما بنيته في المرة الأولى).
5000 ليرة وبنزين لنقل (مقدر أضرار)!
ساجد من سكان منطقة برزة، أخبر قاسيون عن تجربته مع طلبات التعويض: (قدمت محضر للشرطة من أجل تقييم الأضرار التي لحقت بمنزلنا في منطقة برزة، حيث قام الشرطي المسؤول بتحديد موعد ليتم الكشف، واضطررت في نهاية الأمر، وبعد المماطلة، بأن أدفع للمسؤول عن الكشف مبلغ 5000 ليرة سورية، وأحضرت سيارة على حسابي الخاص لنقله مع زملائه إلى منزلنا، بسبب عدم توفر البنزين اللازم لتحريك سيارة المخفر!. ويتابع ساجد: (بعد هذا العذاب تم تقدير الأضرار التي لحقت بمنزلي بحوالي 400000 ليرة سورية وأنا منذ ستة أشهر أنتظر مبلغ التعويض وإلى اليوم لم يصلني الدور).
232 ألف ل.س وسطي تعويض متضرر في دمشق!
شكلت الحكومات المتلاحقة عدداً كبيراً من اللجان المختصة مهمتها التعويض، بدأت بلجان تعويض، تحولت فيما بعد إلى لجنة إعادة الأعمار، وهذه اللجان انبثق عنها لجاناً فرعية ولجاناً تابعة للجان الفرعية. كل هذا جعل من السوريين الناجين من المعارك في أحيائهم يغرقون في دوامة معركة بيروقراطية أخرى طويلة الأمد.
يضاف إلى ذلك الحالة المعتادة والمستمرة، من وجود الوساطة والمحسوبية وتكاليف الرشوة في موضوع التقدير الحسي للأضرار في أغلب المناطق، وكذلك الأمر في ضبوط الشرطة التي قد تضيف مبالغ أو تنقص أخرى بناء على الدفع، بحسب شهادات من المتضررين.
المسار البيروقراطي للتعويض
تختلف التعويضات والإجراءات واللجان التي يجب مراجعتها بحسب اختلاف مبلغ التعويض، واختلاف طبيعة المنشأة المتضررة، منزلاً، أم ورشة أم محال تجارية، أم سيارة. حيث يتطلب الأمر طلب تعويض من اللجنة المختصة، وكشف حسي وتقييم، ثم رفع المبالغ الإجمالية من اللجان الفرعية إلى اللجان المركزية لإعادة الإعمار، لينتظر المتضررون فترات زمنية طويلة لقبض المبلغ المُقر.
كانت عملية التقييم في المرحلة الأولى، تعتمد على تقدير اللجنة المختصة بناءً على توصيف الشرطة، ثم أصدرت وزارة الإدارة المحلية، التعليمات الخاصة بالكشف الحسي، طبقت على كل الطلبات المقدمة بعد صدور التعميم، ويرفض أي طلب لا يلتزم بها.
وسطي 232 ألف ليرة لمتضرري دمشق نهاية 2014
كانت محافظة دمشق قد أعلنت منذ شهر 2 من عام 2013 عن البدء بصرف تعويضات المتضررين من أعمال العنف، وفي نهاية عام 2014 بلغ عدد الطلبات المقدمة في دمشق
24206 طلباً، حصل 7388 منهم، أي نسبة 30% من المتقدمين، على تعويضات بلغت المبالغ الإجمالية لها 1,72 مليار ل.س. وذلك بحسب آخر التصريحات لمدير الشؤون المالية في محافظة دمشق نصوح النابلسي في شباط 2015.
أي أن وسطي ما حصل عليه المتضررون في دمشق بلغ 232 ألف ل.س، ومن بينهم من حصل على تعويض 25 ألف ل.س فقط كتعويض عن أربع أجهزة كهربائية كالتلفزيون والبراد وغيرها، أيضاً بحسب تصريح سابق للنابلسي!.
سقف تعويض الصناعيين مناسب (لإمكانات الحكومة)!
لتعويض الصناعيين مسار أطول، حيث تحول طلباتهم للجنة المختصة بحصر قيمة التعويض، لتدرس القوائم ويتم الكشف الحسي على المنشآت، وصولاً لقرار التعويض، ودفع 30% من قيمة الضرر، وفق سقف لإجمالي التعويض ما يزال 10 مليون ل.س! لمنشآت تقدر قيمتها وبالتالي إعادة إحيائها بملايين الليرات بالحد الأدنى.
غرفة صناعة دمشق وريفها، تقدمت بطلبات إلى لجنة تعويض المتضررين ليتم رفع الحد الأعلى لسقف التعويض عن الأضرار إلى 20 مليون ليرة، ثم إلى 30 مليون، لكن لم يستجب لها حتى اليوم. بررت لجنة إعادة الإعمار أن التعويض المقرر لهذه الأضرار لا يعد منطقياً، لأن الحكومة اتخذت حزمة من الإجراءات والتسهيلات التي تفيد المتضررين، ما يعد تعويضاً إضافياً يوازي التعويض المادي أو التسهيلات التي سيتم تقديمها لاحقاً وهي قيد الدراسة، إضافة إلى أن المبلغ المقدر بـ10 ملايين ليرة يتناسب مع الإمكانات المالية المحدودة، للجنة إعادة الإعمار والمخصصة ضمن الموازنة العامة للدولة.
جابر صناعي صاحب معمل في منطقة سبينة قال: (قدرت اللجنة المخصصة حقنا بالتعويض بحوالي مئة وعشرين مليون ليرة سورية، لذلك يتوجب علينا الانتظار فترة أطول كي نحصل على سقف التعويض، الذي لن يكون كافياً لإعادة إحياء معملنا). ويتابع جابر: (المفارقة أننا مازلنا مطالبين بدفع عدادات الكهرباء والماء وغيرها من رسوم، رغم عدم تمكننا من الوصول إلى مصانعنا!) يقول جابر: (كنا نطالب بالسماح لنا بنقل معداتنا من معاملنا، التي كنا نستشعر خطراً قريباً منها لكن تعنّت بعض السلطات حال دون ذلك، مما أدى إلى تكبدنا خسارات كبيرة. وعندما كنا نقول من سيقوم بتعويضنا؟ كان الرد يأتي بأنه سيتم تعويض كامل خسارتنا. لكن الواقع يقول غير ذلك!.