«ريف دمشق الآمن» غياب المشافي الحكومية.. صحة الريف: مشفى في جرمانا بعد 5 سنوات وآخر في قطنا قريباً
سيطرة المسلحين على بعض مناطق ومدن ريف دمشق، وخروج أغلب المراكز الصحية عن الخدمة هناك، إضافة إلى نزوح السكان للمناطق الريفية الآمنة، ساهم في تأزيم الوضع الصحي، وبدأت الشكاوى تزداد عن سوء الخدمات الصحية وعدم ملاءمتها لازدياد عدد السكان.
وتركزت شكاوى سكان ريف دمشق الآمن، على عدم وجود مشافي حكومية مجانية، وخاصة في جرمانا وصحنايا وجديدة عرطوز، مايرتب على المرضى ضرورة التوجه إلى المشافي الخاصة ودفع مبالغ مالية ضخمة، لامتناع هذه المشافي عن استقبال حالات الإسعاف إلا بعد دفع مبلغ مادي كتأمين، أو تمتنع بعضها عن استقبال الحالات الإسعافية لغير جرحى الجيش.
مستوصفات قليلة وخدمات محدودة
وعدا عن ذلك، فإن المستوصفات الموجودة بمناطق الريف، غير قادرة على تقديم الخدمات اللازمة لطبابة السكان، وغير قادرة على استيعاب الاكتظاظ السكاني، ووفقاً للشكاوى، فقد كان عدد هذه المستوصفات قليل جداً مقارنة مع عدد السكان الذي ازداد خلال الازمة.
وقالت هديل وهي صحفية تقطن في صحنايا، إنه «لا يوجد سوى مستوصف وحيد في المدينة، وهو غير قادر على تقديم خدمات طبية أكثر من اللقاحات»، بينما أكدت هزار موظفة في القطاع الخاص، بأن «جديدة عرطوز لا تحوي مشفى حكومي مجاني، ماانعكس سلباً على السكان».
وأضافت هزار «كان سكان الجديدة يعتمدون قبل الأزمة على مشفى داريا الحكومي، وبعد الأحداث صار من المستحيل الوصول إليه» مشيرةً إلى أن «المستوصف الوحيد الموجود والذي يخدم كل الجديدة، دوامه إداري حتى الثانية ظهراً».
مشفى خاص دون مناوبين!
وتابعت «المشفى الوحيد في الجديدة، هو مشفى خاص، يدعى الكمال، وهو بامكانيات قليلة، دون وجود مناوبين ليلاً بكافة الاختصاصات، ويحتاج إلى اهتمام أكثر بالنظافة والرعاية وغيرها من أمور».
ووفقاً لهزار، فإن «الصيدليات في الجديدة تفتقر للكثير من أنواع الأدوية، إضافة إلى ضعف الرقابة على الأسعار التي ارتفعت بشكل كبير مؤخراً»، مؤكدة أنه «من الصعب جداً أن يحصل المريض على حقنة في حال اضطر إلى ذلك، حيث امتنع الصيادلة عن ذلك بتوجيهات من نقابة الصيادلة، ما زاد الوضع تأزماً».
قدسيا يتيمة صحياً!
واشتكى ماجد وهو طالب جامعي يسكن في قدسيا، من معاناة الآخرين ذاتها بمناطق ريف دمشق الآمن أو التي شهدت مصالحات وطنية مؤخراً، وقال «لا توجد في قدسيا لا مشافي حكومية ولا خاصة، ولاحتى مستوصفات، والصيدليات لا تحوي سوى أدوية بسيطة متل المهدئات ومسكنات الالم».
وتابع «مؤخراً اضطررنا لمعالجة يد جدي المكسورة عبر طبيب غير مختص نتيجة عدم وجود مراكز صحية، ورغم ذلك كلفتنا الجبيرة حوالي 5 آلاف ليرة سورية».
جرمانا، والتي تعتبر اليوم من أكثر مناطق ريف دمشق اكتظاظاً بالسكان لاستقبالها الأسر النازحة من المناطق الريفية الساخنة المجاورة، مستوصفاتها اليوم غير قادرة على تحمل هذا العبء، لا يوجد فيها حتى مشفى حكومي واحد، والجميع هناك مضطرون لدفع فواتير باهظة للمشافي الخاصة التي لا تستقبل حالات إسعافية إلا بشروط وأولها دفع جزء من الفاتورة مقدماً.
دخول مشافي جرمانا مشروط والمستوصفات ضعيفة!
وأكد أحمد وهو طالب جامعي من سكان جرمانا، بأن المدينة رغم اتساعها جغرافياً، وكثرة عدد السكان فيها، لا تضم سوى مستوصفين، غير قادرين على استيعاب آلاف المراجعين يومياً، وخاصة أيام التلقيح، فكيف لها أن تستقبل حالات إسعافية عند الأزمات.
وتابع «جرمانا تضم أكثر من مشفى خاص، لكن هذه المشافي لا تستقبل الحالات الإسعافية، وإن استقبلت فإن أغلبها تشترط دفع جزء من الفاتورة مقدماً، وهو مايعجز عنه الكثير من المواطنين نتيجة الأحوال المادية الصعبة، وهنا لابد للمريض المسعف وخاصة ليلاً أن يتجه نحو العاصمة، وهذا الأمر صعب جداً وخاصة لندرة المواصلات في ساعات متأخرة، إضافة إلى أزمة المرور ظهراً».
وسابقاً، أكدت مديرية صحة ريف دمشق بأنها تعمل على تأمن الخدمة الصحية للمناطق الآمنة، وأن منظومة الإسعاف جاهزة بكادرها الكامل، عدا عن إقامة عدة نقاط طبية في المناطق الآمنة إضافة لتخديم مراكز الإيواء.
وأوضحت مديرية صحة الريف بهذا الصدد، دعم المشافي والمراكز الصحية في ريف دمشق ببعض المعدات، وأنه تم استجرار ثمانية كراسي أسنان لمراكز صحنايا الجديد والهناوي بصحنايا وجرمانا الشرقي والسيدة زينب ومشفى القطيفة والروضة وعسال الورد وضاحية حرستا مشيرة إلى أن تجهيز قسم جراحة الفم والوجه والفكين بمشفى القطيفة بجميع المستلزمات ووضعه بالخدمة، وطبعاً، كان الحديث هنا بخصوص الأمور غير الإسعافية.
وأكدت المديرية أن المراكز الصحية والبالغ عددها 124 مركزاً داخل الخدمة في ريف دمشق، قدمت خدمات مجانية خلال العام الماضي ووصل عدد المراجعين إلى 1.3 مليون مراجع والخدمات المقدمة 1.4 مليون خدمة ومنها 150 ألف خدمة لمرضى السكري و1410 للمصابين بالمالطية و211 للاشمانيا و108 للشلل و3666 جلسة غسيل كلية و154 ألف خدمة إسعاف وضماد وسحب 225 عينة مياه و30 عينة غذائية.
ويتبين هنا بأن حالات الإسعاف التي تم استقبالها خلال العام الماضي قليلة جداً، مقارنة مع عدد الخدمات المقدمة إجمالاً، وهذا يؤكد ضعف قدرة المستوصفات على استقبال الحالات الإسعافية، وقلة عدد المشافي الحكومية في الريف الآمن.
مشفى في قطنا
لتخديم كل الريف الغربي!
وبدوره، قال مدير الصحة في ريف دمشق، عبد الله العسلي بتصريحات صحفية، إنه «يتم حالياً إنشاء مشافي حكومية جديدة في الريف الدمشقي، ومنها مشفى قطنا الذي وصل تشييده إلى النهاية، وسيكون قيد التشغيل خلال شهرين أو ثلاثة، والذي بدوره سيخدم المنطقة الغربية بأكملها من منطقة صحنايا حتى الصبورة»، وهنا أكد مشتكون بأن هذا المشفى لن يحل مشكلة الإسعاف لبعده الجغرافي وخاصة بظل صعوبة المواصلات حالياً.
وتابع «تمت الموافقة خلال العام الماضي وبشكل استثنائي من قبل رئاسة الوزارة، للقيام بإنشاء مشفى حكومي من 100 سرير في منطقة جرمانا»، مؤكداً أن «الدراسات جارية حاليا، وسنباشر بالمشروع خلال العام الحالي وقد يحتاج إنشاؤه حوالي 5 سنوات»، مشيراً إلى وجود 6 مشافي حكومية عاملة حالياً في مناطق مختلفة من ريف دمشق».
وحديث العسلي يشير إلى استمرار أزمة الخدمات الصحية في جرمانا، إلى حوالي 5 سنوات، إضافة إلى تأخر الجهات المعنية باتخاذ قرار إنشاء مشفى حكومي في مدينة مثل جرمانا تضم عدداً كبيراً من الأسر النازحة.
صحة الريف:
المشافي الخاصة ملزمة بالإسعاف
وحول معاناة أهالي ريف دمشق الآمن، من عدم وجود مشافي حكومية لاستقبال الحالات الإسعافية، ورفض المشافي الخاصة استقبال هذه الحالات دون دفع جزء من الفاتورة مقدماً، أضاف العسلي، أن النظام المتعارف عليه بين وزارة الصحة والمشافي الخاصة ينص على أنه «أثناء دخول المريض إلى أي من المشافي الخاصة بحالة إسعاف، يجب تقديم الخدمة الإسعافية المنقذة للحياة وبشكل مجاني، وماعدا ذلك يمكن أن يتقدم المتضرر لشكوى إلى المديرية».
وأشار إلى انه «بموجب شكاوى عديدة تقدم بها مواطنون حول عدم تقديم الإسعافات المنقذة للحياة بشكل مجاني في المشافي الخاصة، فقد تم إغلاق الكثير من المشافي وتوجيه إنذارات لمشافي أخرى».
وعن عدم قدرة المستوصفات الموجودة في ريف دمشق على استيعاب الحالات الطارئة، أو أن تحل محل المشافي في استقبال الحالات الإسعافية، بالإضافة إلى ضعف الامكانيات، أجاب العسلي، بأن «المراكز هي عبارة عن درجات، فهناك مركز صحي بسيط، ومركز صحي تخصصي، بالإضافة إلى العيادات الشاملة»، مشيراً إلى أن «العيادات الشاملة تملك عيادات تخصصية، مثل عيادات منطقة التل، وبسيمة، وقريباً سيتم فتح عيادات شاملة في منطقة الغزلانية في ريف دمشق، مزودة بأطباء تخصصين، وتجهيزات طبية خاصة بكل اختصاص».
وأضاف أن «الحالات التي تأتي إلى المستوصف تقدم لها الإسعافات الأولية، ومن ثم يتم تحويله إلى المشفى»، مؤكداً أن «سيارات الإسعاف غير متوفرة دائما، وذلك يكون حسب المكان والحاجة والامكانيات».
وقال العسلي، إنه «بالنسبة للمراكز الصحية في منطقة قدسيا، وجبل الورد في ريف دمشق، فهما يعملان بشكل مستمر، بالإضافة إلى أنهما يقدمان الخدمات اللازمة، وبالرغم من الظروف المحيطة في المنطقتين فإن المركزين يعملان باستمرار على مدى 12 ساعة يوميا»، إلا أن مواطني المنطقة أكدوا بأن عمل مستوصف قدسيا معطل وغير مجدي.
وأشار إلى أن «العديد من المشافي في ريف دمشق قائمة على رأس عملها حتى الآن، ومنها جيرود والقطيفة والزبداني، بالإضافة إلى مشافي هيئة القلمون».
ونوه العسلي إلى وجود أزمة بما يتعلق بتوفر اختصاصات معينة لبعض الأطباء، مشيراً إلى وجود ضوء أخضر من قبل الوزارة للتعاقد مع أي طبيب، وبأي اختصاص كان مباشرة.
وبغض النظر عن دقة الأرقام الرسمية من عدمها، ومدى تلبية مشافي ومستوصفات قطاع الدولة لحاجات المواطنين، فإن ما يمكن تأكيده هو أن شبكة الخدمة الصحية الرسمية بكافة مستوياتها وتسمياتها في الريف الدمشقي تعاني من مشكلات مزمنة من حيث الاستيعاب، ومن حيث الاستثمار الأنسب لما هو موجود، و أن ظروف الأزمة عمقت المشكلة أكثر فأكثر، ليقع المواطن بذلك تحت رحمة جشع القطاع الصحي الخاص؟!