حكومات متعاقبة تكرر وعودها.. والمواطن: لا أثق

حكومات متعاقبة تكرر وعودها.. والمواطن: لا أثق

من حق (أبو ابراهيم) ألاّ يثق بأي تصريح حكومي يتحدث عن حل أزمة المازوت خلال الأسبوع القادم، وهذا يعود كما يهمس: كأنني سمعت هذ الجملة مرات من قبل...ثم يمضي الرجل الستيني إلى حيث يمكن له الحصول على ليرات لتمضية يومه فالغد كما اليوم مجهول وقد يحمل له مفاجآت غير سارة، وعلى الحكومة أن تفعل وتعمل وأن تتوقف عن الوعود وإبر المخدر.

الدولار اليوم على عتبة 225 ليرة في السوق السوداء، وهذا يعني أن تجاوز عتبة الـ100 ليرة التي كان من المفترض لها أن تفرمل الدولار، وتعطي مؤشراً على صلابة وجدية في التعامل مع هجمة بهذا الثقل؟.
ما يجري أن الدولارات التي تضخ في السوق كتدخل من البنك المركزي لصالح الليرة لم تعد تؤتي أكلها، والتهليل لهزيمة الدولار ليرات لأيام قليلة لم يعد يطرب أحداً، وصار مفهوماً أن البعض فقط يستفيد من هذه التدخلات، ففي الوقت الذي يقول المركزي بأنه بإمكان المواطن سحب مبالغ معينة من أجل تسهيل عمله من شركات الصرافة تقوم هذه الشركات بتوزيع حصصها الخضراء لبعض المتعاملين معها، ولم تفلح سياسة الإغلاقات في وقف تدهور الضمير لدى هؤلاء!.
تقوم شركات الصرافة ببيع المواطن 200 دولار مشروطة أحياناً بأن يقدم بيانا بدفع فواتير الماء والكهرباء والهاتف أرضي والجوال، ويحلف بالله العظيم أنه لن يستخدمها إلا لأغراض ضيقة في أعلاها (مصروف شخصي)، وفي العلن يخرج البعض بحقائب (سامسونايت) محشوة.
اعتذارات...حكومية
حسان صفية وزير التموين  نفى وتبرا من تصريحاته بشأن استجابة الحكومة لرغبة المواطنين في رفع سعر المازوت والغاز والخبز، وأن ما نقل كان خاطئاً وأن المقصود منه أنه تم الاستجابة لرغبات المواطنين والمنظمات الشعبية في مسألة توحيد سعر مادة المازوت وإلغاء وجود سعرين، وأن السعر الجديد جاء متماشياً مع أسعار التكلفة.
حتى هذا الاعتذار لا يعيد الثقة لمواطن لا يحميه أحد، وترد أم أحمد على اعتذار الوزير قائلة: هل هذا يجعل المازوت متوفراً، وأنا أقولها رغم فقري نيابة عن الشعب للوزير صفية أمنوا المازوت ونحن نشتريه بـ 150 ليرة، فكيف يستطيع التاجر(س) أن يوفر المازوت بـ 200-250  ليرة والحكومة لا تستطيع؟.
متاهة اسمها...الرقابة
مشكلة المازوت تتعدى تأمينه إلى التدخل الحكومي الجاد في إيقاف خلايا الفساد من داخلها أولاً إلى التجار المحتكرين الذي ينتفخون لدى حصول أية أزمة، وهم من لا يريدون لأزمة البلاد أن تنتهي.
الوزير صفية يقول بأنه وجه مديريات التجارة الداخلية كافة في مختلف المحافظات ودوائر حماية المستهلك، إلى تشديد الرقابة على الأسواق، ومتابعة حراك الأسعار، ورصد المخالفات وحالات التلاعب كافة ومعالجتها...أما على الأرض فلا وجود لهذه المديريات، وحماية المستهلك وهي ليست أكثر من عبارة واهنة.
ضحك زهير عندما سألته عن حماية المستهلك قال لي: هذه (تبع) دخاخني، قلت له: لا هذه للحكومة، قال زهير: هذه لا أعرفها، واسأل أي مواطن عنها سيقول لك بأن التموين وهو الاسم المتداول غير موجود، وباعة الخضار هنا في الريف يبيعون بثلاثة أضعاف السعر عن دمشق، ولديهم أعذارهم التي نعرفها جميعاً، ومع ذلك لا أحد يطبق عليهم التسعيرة، وكل يسعّر على هواه.
محمود مواطن سجل على دور المازوت منذ ثلاثة أشهر في قطنا: من يحاسب المخاتير والشرطة التي تنظم التوزيع وموزعي المادة على فسادهم، ومن يستطيع أن يمنع هؤلاء من تفضيل من يدفع أكثر على حساب المواطن الذي لا يستطيع تأمين ثمن 100 لتر لمرة واحدة في الشتاء؟.
النقل...قرارات ورقية
كل ما يصدر عن المحافظات من تسعير تعرفة النقل الداخلية وبين المحافظات يتحكم به السائقون أولاً، ومن يدفعون له في مناطقهم، وهذا ما يحصل في كل مرة ترتفع فيها أسعار المحروقات، والمدهش أنهم يتقاضون زيادة بنسب مخيفة تصل إلى 70-100% في كل مرة، فتعرفة خط قطنا وفق تسعيرة محافظة ريف دمشق 37 ليرة، وعلى الأرض 120-150 ليرة حسب رضى السائق، ومدير خطه المرتشي.
سائقو التكسي لا عدادات لديهم تعمل، ولا تعرفة لهم سوى رضاهم وشكواهم الدائمة من الزحمة، وعدم تقدير الراكب لهم، فمن جسر فكتوريا إلى كلية الآداب 300 ليرة سورية، ومن باب مصلى إلى كراج السومرية 1500 ليرة.
فواتير مخيفة...ولا كهرباء
خالد ذهب ليدفع فاتورة الكهرباء على اعتبار أنه مواطن صالح فقال له موظف الجباية: أنها 50000 ليرة سورية يمكن تشريحها، وهذا ما جعله يفقد عقله. من أين أتى هذا المبلغ الكبير، والكهرباء تقنن بنظام ساعتين وتنقطع 4 ساعات، ولا يملك في بيته حتى براد فقط تلفزيون وأجهزة إنارة، ولكن الموظف بعد أن سمع روايته قال: ادفع ثم اعترض!.
هذه حال أغلب من ذهبوا لتسديد ما عليهم من ذمم، ووصلت المبالغ إلى 200000 ليرة سورية بسبب أخطاء المؤشرين والحساب الافتراضي والعشوائي لمعدلات الاستهلاك.
ومن ثم تأتي الوعود الحكومية بتخفيض التقنين، ومحاسبة المتخلفين عن الدفع، والإعتداء على الشبكة والسرقات، وهذه الأخيرة هي برعاية موظفي الكهرباء الذين يسهلون السرقات ويتغاضون عنها، ومن يدفع يتم تأمين خط آخر له عند انقطاع خطه في فترة التقنين...هي أحجية؟.
المواطن...لا يثق..!
تتكرر الوعود الحكومية، والتصريحات: بأن لا هم للحكومة إلا تأمين مستلزمات الحياة (الكريمة) للمواطن، فيما هي تستمر في سحب ما تقدمه من دعم زهيد له خلسة وبعد منتصف الليل.
الحكومات فيما يبدو أنها تتكرر ليس في طريقة أدائها فحسب، وفي تعاملها باستهتار مع حاجات الناس الأساسية.. بل حتى في تصريحاتها ولغتها المماطلة...والمواطن من مكانه يدير رأسه لكل ما تقول، ويرى أنها تمرر وقتها لتأتي حكومة جديدة تجلده بتصريحات ووعود مشابهة، ووعد صريح بأن لا تكرر وعود سابقتها..؟