لاجئو الزعتري مجرد خبر في نشرة الأنباء! .. و«الأشقاء» يتسولون على أكتافهم
يخيل إلى من يشاهد الصور الجوية الملتقطة لمخيمات اللاجئين السوريين على الأراضي الأردنية، أن ما يشاهده هو منطقة صناعية منظمة حيث ترتص الخيمة بالأخرى وتلتصق الكرفانة بالثانية لكن المشهد على الأرض ينبئ بتغريبة جديدة لكنها سورية هذه المرة.
شجرة زيتون صغيرة وعدد من الفوارغ البلاستيكية التي زرعت بالورود وعدد من الحجارة، ترسم حدود خيمة أبو معتز، الذي يقيم فيها مع ثمانية أفراد من عائلته في مخيم الزعتري.
يقول أبو معتز: أقيم مع أفراد عائلتي الثمانية منذ ما يقارب العامين في هذه الخيمة حيث نزحنا من قريتنا بعد اشتداد المعارك هناك. ويتابع أبو معتز نحن نعيش ظروفاً إنسانية صعبة في هذا المكان حيث نعاني من برودة الطقس في الشتاء وارتفاع درجات الحرارة في الصيف، فأنا لم أخرج من المخيم بسبب عدم منح السلطات الأردنية أذونات عمل للشبان السوريين. وبالتالي سنكون معرضين للترحيل خارج الأردن. وأنا لا أملك مكاناً ثانياً ألجأ إليه، إضافة لعدم اتقاني أي عمل سوى عمل الزراعة، ويضيف أبو معتز في المخيم تتوفر لنا المساعدات الإنسانية الشحيحة والتي إذا غادرنا المخيم قد نفقدها. كما حصل مع أقارب لنا خرجوا من المخيم وتم إيقاف الكوبونات الغذائية عنهم وهم اليوم مهددون بالجوع والتشرد.
رحلة صعبة
وصلت أم سليمان مؤخرا إلى مخيم الزعتري بعد أن رفضت السلطات الأردنية السماح لها بالدخول إلى مخيم الزعتري أكثر من مرة. تقول أم سليمان: حاولت أكثر من مرة الدخول إلى مخيم الزعتري لكن السلطات هناك منعتني من ذلك وفي كل مرة كانت الحجة مختلفة، حيث رفضت السلطات استقبالي في المرة الأولى بحجة أنه لدي أربعة أبناء شبان تتراوح أعمارهم بين التسعة عشر والخمسة والعشرين عاما، فأعادتني السلطات الأردنية إلى الحدود السورية. في المرة الثانية بقيت مع أبنائي مدة تتجاوز الخمسة عشر يوما ونحن ننام في العراء على أمل السماح لنا بالدخول إلى الأردن لكن القوات الأردنية لم تسمح لنا، إلى أن حضر أحد السماسرة وطلب منا دفع ما يقارب الخمسين ألف ليرة سورية كي يؤمن لنا الدخول إلى مخيم الزعتري.
أبو مجد يقيم مع عائلته في مخيم الزعتري. يقول: تطلبت منا رحلة الوصول إلى مخيم الزعتري السير في الصحراء والطرق الوعرة وعندما وصلنا إلى المخيم قامت السلطات الأمنية الأردنية بمصادرة أوراقنا الثبوتية السورية من بطاقات شخصية إلى جوازات السفر. وبعد أيام منحتنا بطاقات شخصية تدل على أننا لاجئون. ويتابع أبو مجد قام اثنان من أبنائي بالخروج من مخيم الزعتري بسبب الظروف الطبيعية القاسية فلم يحتمل الأطفال قساوة الطقس هنا. وأقاموا في إحدى المحافظات الأردنية لكنهم عادوا إلى المخيم بعد تضيق السلطات الأردنية عليهم وخاصة موضوع العمل حيث لم يتم منحهم تراخيص للعمل، وعندما نفذت مدخراتهم التي كانت بحوزتهم صاروا دون مأوى ودون طعام، ففضلوا العودة إلى المخيم خوفا من الترحيل خارج الأردن.
أقامت السلطات الأردنية مخيم الزعتري لاستقبال النازحين السوريين، لكنه سرعان ما اكتسب سمعة سيئة بسبب سوء التنظيم والاكتظاظ العالي للنازحين فيه مما خلق مشاكل أمنية أدت إلى نشوب صدامات بين السلطات الأمنية الأردنية واللاجئين. حيث يعتبر مخيم الزعتري أكبر مخيم للاجئين في العالم. ويقول الموقع الرسمي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن يوفر مأوى لنحو 81776 لاجئا سوريا مسجلا.
مخيم خمسة النجوم
يطلق النازحون السوريون تسمية مخيم خمسة نجوم على المخيم الأزرق، وهو المخيم الثاني الذي أنشأته السلطات الأردنية للاجئين السوريين. حيث يتطلب الدخول إلى المخيم إذنين اثنين. واحد من السلطات الأمنية الأردنية وآخر من القيمين على الموقع من الإمارات العربية المتحدة. فالإمارات هي التي أنشأت المخيم وهي التي تديره وتؤمن معظم الخدمات لقرابة الخمسة آلاف لاجئ سوري فيه.
تقول روان: نزحت من درعا بعد أن أصيبت ابنتي إصابة خطيرة واضطررنا لبتر ساقيها، وأقمنا في البداية في مخيم الزعتري، لكن الظروف الصعبة للمخيم دفعتنا للبحث عن مكان ثاني تكون الظروف المعيشية فيه أفضل، فتقدمنا بطلب للإقامة في مخيم الأزرق، الذي يعتبر أفضل من مخيم الزعتري من حيث الخدمات والمستوى الاجتماعي للسكان، لكن طلبنا قوبل بالرفض مرتين إلى أن تم قبولنا بسبب إعاقة ابنتي.
استغلال
عدد من اللاجئين السوريين لا يقيمون في مخيمات اللجوء حيث يقومون باستئجار المنازل والإقامة في البلدات والمدن الأردنية وخاصة العاصمة عمان.
لكن ظروف هؤلاء هي أصعب من ظروف العائلات والأفراد الذين يقيمون في المخيمات.
جمال .ن محامي سوري نزح مع عائلته إلى الأردن ولم يقم في مخيم الزعتري سوى شهر واحد، خرج بعده مع عائلته للإقامة في محافظة المفرق، ثم انتقل إلى عمان. يقول جمال: كنا نتلقى كوبونات غذائية من المفوضية العليا للاجئين وكنت أعمل محاسب في احد المطاعم وكانت أمورنا مستورة، لكن قبل شهرين قامت المفوضية العليا بإيقاف صرف الكوبونات لنا، بحجة أنني متعلم وباستطاعتي العمل وتأمين دخل جيد لعائلتي، لكن الحقيقة عكس ذلك حيث يطالبنا أصحاب المنازل بدفع إيجار ثلاثة إلى ستة أشهر مقدماً كما أنهم يقومون برفع الإيجار كل شهرين حيث وصل إيجار شقة مؤلفة من غرفتين وصالون إلى ما يقارب الأربعين ألف ليرة سورية، كما أن السلطات الأردنية تقوم بملاحقتنا من أجل ترحيل كل شخص لا يملك أذن عمل أو تصريح إقامة إلى خارج الحدود الأردنية. مما يجعلنا نعيش في حالة قلق مستمر.
زياد .ح نزح إلى الأردن قبل عامين، ثم لحقت به زوجته وأبناؤه بعد رحلة طويلة. يقول زياد: ألقت السلطات الأردنية القبض علي وعلى زوجتي وابني أثناء تواجدنا في السوق، وعندما تأكدت من أوراقنا الثبوتية، توضح أنه ينبغي علينا استخراج تصريح إقامة لابني الذي بلغ الثامنة عشر من عمره مؤخراً لكني لم أكن أعلم بهذا الأمر فقامت السلطات باحتجاز ابني وبعد أسبوع رحلته إلى خارج الأردن. واليوم أحاول أن أعيده إلى الأردن عن طريق مخيم الزعتري كي يدخل مرة ثانية ويتمكن من الإقامة معنا. يضيف زياد عدد كبير من العائلات السورية يتم ترحيلها يوميا خارج الحدود والحجة عدم وجود تصاريح إقامة والتي تشبه نظام الكفيل في دول الخليج.
زواج السترة
تعرضت الفتيات السوريات منذ لجوئهن إلى الأردن إلى الاحتيال عليهن وعلى ذويهن. حيث درج مصطلح زواج السترة الذي يتقدم من خلاله شبان أردنيون للزواج من فتيات سوريات ولكن بعد عقد القران يكتشف الأهل والفتيات أن العريس كان مجرد وكيل لشخص خليجي يتزوج الفتاة لمدة شهر أو شهرين ثم يقوم بتطليقها أو حتى تركها معلقة لا متزوجة ولا مطلقة.
روان فتاة بلغت العشرين من عمرها مؤخراً. تقول: عندما قدمنا إلى الأردن رفض والدي الإقامة في المخيم واستأجر لنا منزل في إحدى المدن الأردنية، وبعد أن أقمنا حوالي ثلاثة أشهر في تلك المنطقة تقدم شاب أردني هو ابن صاحب المنزل الذي استأجرناه لخطبتي وكان يكبرني بحوالي الخمسة عشر عاما ووافق والدي على الخطبة كون تصرفات الشاب وعائلته كانت جيدة معنا. لكن بعد أن كتبنا الكتاب عند الشيخ طلب والدي توثيق زواجنا فقال الشاب أن توثيق الزواج سيتم لكن باسم شخص ثاني وهو كفيله في الخليج كي يتمكن الشاب من تسفيري لعنده فهو يعمل في إحدى دول الخليج وصدق والدي هذا الأمر. وبالفعل تم كتب الكتاب على الشخص الثاني ويوم العرس تفاجئت بقدوم الرجل الخليجي الذي يتجاوز الخمسين من عمره للزواج مني. وعندما رفضت ووالدي إتمام الزواج، حيث حاولت إشعال النار بنفسي كي لا يتم هذا الأمر. فقام الرجل الخليجي بإحضار السلطات الأردنية التي فهمت الأمر لكن وبسبب عقد الزواج فرض علينا دفع ما يقارب المائة ألف ليرة سورية كي يقوم الرجل بتطليقي.
ماذا بعد؟
ضاقت بهم البلاد ذات حرب، فكان النزوح أحد الخيارات، الذي لم يكن سوى هروباً من جحيم إلى جحيم آخر، هروب من الموت ووقوع بين يدي عصابات الاتجار بالبشر، حيث كل شيء مباح في المنفى، لتطعن وفي الصميم كل القيم الانسانية والدينية والاجتماعية، وخصوصاً عندما يكون في مضارب «أبناء العمومة» بالأردن حيث الـ«دولة» تعيش على صداقات «العم سام» التي راحت تتوسل ما يسمى المنظمات الدولية على أكتافهم... إنها الحرب يا سيدي، إنه اللجوء، حيث لا ينفع أي بكاء على الشاشات، وأي كلام آخر سوى تأمين ظروف العودة، سوى ايقاف دوامة موت السوريين.