نقل السويداء.. بين جشع الشركات و«التطنيش» الرسمي
بعد إقدام الحكومة على رفع أسعار المحروقات بتاريخ 2-10-2014، ومن ثم تفعيل قرار السماح للقطاع الخاص باستيراد المحروقات، حلّت المصيبة كاملة على رأس طلا ب السويداء وسكانها ممن يتنقلون بشكل دوري إلى دمشق، حيث قامت شركتا النقل الوحيدتان برفع سعر تذكرة نقل الفرد على خط دمشق – السويداء من 250ل.س إلى 350ل.س، وبعدها مباشرة قامت الشركتان برفع سعر التذكرة مجدداً ليصل إلى 650ل.س، الأمر الذي يعد كارثة حقيقية للغالبية من طلاب السويداء المسجلين في دمشق والذين يقارب عددهم الـ 8 آلاف طالب.
هذا الإجراء من شركتي النقل «التوفيق، الشهباء» استدعى ردات فعل ساخطة من الطلاب والمتضريين المباشرين ممن يزاولون أعمالهم أو موظفين في مدينة دمشق، وبحاجة الذهاب والعودة في أوقات محددة ومنتظمة، أولى ردات الفعل تلك كانت دعوات حيّة وعلى الأرض لمقاطعة الشركتين حتى العودة عن هذا القرار، لحقها موجة واسعة من الدعوات والتجمعات على الفضاء الإلكتروني عموماً، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تعمل جميعها على تحقيق المقاطعة ضد الشركتين، وأكثر من ذلك العمل لإيجاد بدائل أوسع لعدم السماح بتكرار هكذا إجراءات تضر بمصلحة الأغلبية الساحقة من الناس.
مين فرعنك يا فرعون...!
المقاطعة فعلياً بدأت يوم الثلاثاء 9/12/2014 ، واستمرت حتى الخميس الذي هو يوم ذروة في أعداد الطلاب والمسافرين المضطرين على العودة إلى السويداء في هذا اليوم، و وقتها كانت الشركتان قد خفضتا سعر التذكرة من 650 ل.س إلى 550 ل.س، في حين أنه في يومي الثلاثاء والأربعاء كانت أجرة نقل الراكب من كراج «باب مصلّى» _كراج الهوب هوب_ هي «250-300» ل.س للبولمان و «350-400» ل.س للسرفيس،وهذه الأسعار بعد ارتفاعها بسبب الضغط الناتج عن المقاطعة.
ورغم مطالبات الكثيرة ومن جهات عدة لتدخل الجهاز الرقابي لوقف حالة الاستغلال والنهب العلني. لكن، وكما هو الوضع في غالبية الملفات المطلبية في محافظة السويداء، كل ما لقيه المواطنون هو الوعود الكبيرة والجمل الشعرية الطويلة الفارغة من أي مضمون حقيقي. وبدل أن تعدل شركتا النقل التسعيرة بما يتناسب مع معدل الربح المعقول، قامتا بخطوة فسرها الناس على أنها موقف استفزازي وتحد لمطالب الناس وعقوبة جماعية، حيث قامت الشركتان بالتوقف عن العمل يومي الجمعة والسبت اللذين يعتبران يومي ذروة أيضاً، فالجمعة هو اليوم الذي يعتمد عليه غالبية طلاب الجامعات الخاصة للحاق بدوامهم المبكر يوم السبت، ويوم السبت هو اليوم الأساسي لذهاب طلاب الجامعات الحكومية، وقد نتج عن هذا التوقف المفاجئ عن العمل أضرار حقيقية لمصالح الناس والطلاب، وفسح المجال واسعاً لعمليات الاستغلال المباشر لحاجة الناس، حيث وصلت تكلفة الوصول لمدينة دمشق 700 و 800 ليرة للسرافيس والباصات، و تجاوزت الـ 1500 للراكب في سيارات التكسي.
مبادرات الخلّاقة وعمل الجماعي
كان العديد من المجموعات قد بدأ منذ انطلاق حملة المقاطعة بالعمل على الاتفاق مع باصات بولمان وسرافيس، لتنظيم رحلات دورية من وإلى دمشق بأسعار نظامية، أو على الأقل بأسعار محتملة بحيث لاتتجاوز تكلفة الراكب الواحد الـ 400 ل.س، وقد علمنا من العديد من سائقي السرافيس والباصات في كراج «باب مصلى» أن أكثر تلك الاتفاقات تنظيماً هي ما قامت بتنظيمه مجموعة صغيرة من الطالبات _لم تتجاوز الثلاث بداية_، حيث قدمن إلى الكراج منذ إعلان رفع سعر التذكرة في الشركتين، واتفقن مع باصات بولمان، والتنسيق والاتفاق مع مجموعات الطلاب كان يتم عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو عبر اللقاءات المباشرة في الجامعات، الأمر الذي شكّل حلاً إنقاذياً وحقيقياً للعديد من الطلاب، وخصوصاً المستجدين منهم والطلاب من قرى السويداء.
واليوم تستمر هذه الحملات الجماعية بتنظيم ذاتي من الطلاب أنفسهم، أو من مجموعات من الموظفين بتسيير رحلات دورية بحد أدنى أيام الذروة_الخميس، السبت، الأحد_.
وحتى اليوم ماتزال الوعود تكثر، أكثرها قوة هو أن العمل قائم لتسهيل ترخيص عمل شركة نقل جديدة، سيتم افتتاحها سريعاً لتسيير رحلات بسعر 400 ل.س، لكن السؤال الجدّي هنا: إن كان القائمون على ترخيص وقوننة عمل شركات النقل في محافظة السويداء قادرين على تسريع وتسهيل ترخيص شركة جديدة، فكيف هم عاجزون عن اتخاذ عقوبات بحق الشركات المخالفة للتسعيرة النظامية، أو التوصل لتوافق مع الشركتين لتسعير منطقي مقبول، أو حتى على الأقل نشر تفصيل تلك التسعيرة بدل ترك الأمور لتقديرات وافتراضات..؟، مع العلم أن الشركتين قد خفضتا سعر التذكرة بين دمشق و السويداء إلى 500 ل.س تحت ضغط المقاطعة والمطالبة الشعبية.
إننا في قاسيون نؤكد على أهمية المبادرات الشعبية التي أطلقها الطلاب وغيرهم، ورغم كل السلبيات التي شابت وستشوب تلك المبادرات، إلا أنها تعبّر عن قوة التحرك الشعبي لأصحاب المصالح الحقيقية للدفاع عن حقوقهم، وقدرة هذا التحرك على إنجاز المهمة بأكبر تنظيم وسرعة. ونضم صوتنا في المطالبة بتحرك جهاز الدولة لأخذ دوره الأساسي بإنهاء أزمة النقل هذه، لأن استمرارها لأسابيع مقبلة يحمل آثاراً سلبية كبيرة على مصالح الناس.