بانتظار «مازوت الشتاء».. دفء المواطن في آخر سلم أولويات الحكومة

بانتظار «مازوت الشتاء».. دفء المواطن في آخر سلم أولويات الحكومة

سيناريو «أزمة المشتقات النفطية 2013»، عاد مرة أخرى «بتعقيد أكبر» هذا العام، بالنسبة لمادة المازوت ومواد أخرى من هذه المشتقات مثل الغاز والبنزين، وأهم هذه المواد على صعيد الاستخدام اليومي والذي يمس حياة المواطن بشكل مباشر، كان المازوت، الذي بدأت أزمة توفره  تلوح  قبل فصل الشتاء الحالي لأسباب عدة.

وعدا عن انعكاس شح المادة بشكل سلبي على تشغيل وسائط النقل وتعرفة الركوب بها، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل عام، يتخوف السوريون اليوم من عدم قدرتهم الحصول على مخصصات المادة لزوم التدفئة، والتي وعدت بتأمينها الحكومة فصل الشتاء الحالي بمعدل 200 لتر لكل أسرة، علماً أن المخصصات كانت محددة في السابق بـ400 لتر.
مؤشرات أزمة قد تتفاقم
تخفيض مخصصات الأسرة إلى 200 لتر بشكل غير رسمي، بحجة أنه سيتم تأمين دفعة ثانية عندما يتم الانتهاء من توزيع الدفعة الأولى، كان المؤشر الأول لبداية أزمة كبيرة بتأمين مادة المازوت، والتي بدأت تتوضح أكثر فأكثر مع دخول فصل الشتاء الحالي.
ووصل سعر لتر المازوت في السوق «السوداء» إلى أكثر من 150 ليرة للتر الواحد، ورغم ذلك رفعت الحكومة سعر اللتر المدعوم من قبلها وسط أزمة خانقة بتوفير المادة من 60 ليرة إلى 80، علماً أن المادة غير متوفرة بالصيغة المطلوبة.
تلاعب وسمسرة واستثناءات
أكد مواطنون بدمشق وريفها لـ«قاسيون» أنهم لم يحصلوا على حصصهم من مازوت التدفئة رغم تسجليهم في المراكز المعتمدة منذ أشهر، بينما حصل آخرون على حصصهم بفترة أقل، وآخرون استطاعوا تأمين كمية أكبر من المخصصة لهم، إضافة إلى أن بعض الأسر حصلت على كميات أقل من 200 لتر، في مؤشر إلى ضعف الرقابة الصارمة ووجود تلاعب وسمسرة لدى «الوسيط» الموكلة إليه مهمة التوزيع.
وفي خطوة، قد تؤكد وجود «الفساد والتلاعب بتوزيع وبيع المشتقات النفطية، وضعف دور الرقابة التموينية وغيابها»، أصدر وزير النفط والثروة المعدنية، سليمان العباس، تعميماً إلى الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية «محروقات» وفروعها في المحافظات، يطلب إليهم التقيد التام بالضوابط الناظمة لتوزيع المشتقات النفطية ( مازوت- بنزين- فيول- غاز منزلي)، وأن يتم توزيع هذه المواد حصراً بإشراف ومتابعة من لجنة المحروقات الرئيسية في كل محافظة، والتي يرأسها المحافظ ومشاركة ممثلي «محروقات» الفاعلة.
وشدد الوزير على أن يمنع منعاً باتاً إعطاء أي استثناء لأي جهة أو أي فرد أو تنفيذ أي طلب خارج الأسس المعمول بها لدى لجنة المحروقات الرئيسية، ورد كل طلب مخالف أو استثناء مهما كان مصدره، مؤكداً على أن أي مخالفة أو تجاوز لهذه التعليمات تستوجب المساءلة والمحاسبة.
ولم يحدد الوزير هذه الجهات أو الأفراد الذين كانوا يحصلون على الاستثناءات، ولا ماهية هذه الاستثناءات، وامتنع بدوره مدير محروقات دمشق، سيباي عزير، عن ذلك أيضاً، لكنه أشار في حديث إذاعي له إلى وجود «بعض الجهات العامة التي كانت تطلب مخصصات من المشتقات النفطية بكميات معينة، واليوم شكلت لجان للتدقيق بهذه الطلبات وكمياتها ولم يتمخض عن اللجان أية قرارات بعد».
المواطن حصته 25%؟!
وتشير الشكاوى إلى وجود أفضلية لموظفي الجهات الحكومية في الحصول على المشتقات النفطية (غاز، مازوت) بطريقة أو بأخرى، دون ضرورة الانتظار لأشهر كغيرهم من المواطنين، وأكدت بعض الشكاوى بأن «موظفي الجهات العامة قاموا بتأمين الغاز ومازوت التدفئة لأقاربهم عن طريق مؤسساتهم ودوائرهم»، وهذا ما قد يشكل استنزافاً لمخصصات دمشق وريفها من هذه المواد، ويؤثر سلباً على طول فترة الانتظار للحصول على مازوت التدفئة عبر الطريقة الرسمية بتسجيل الطلب والانتظار.
والمثير في القضية، والذي يشير فعلاً إلى أزمة كبيرة جداً بكميات مادة المازوت وخصوصاً المخصصة منها للتدفئة، هو أن دمشق تحصل على حوال 800 ألف لتر من المادة يومياً وحاجتها بالأساس وخاصة فصل الشتاء هي حوالي مليونين لتر، ما قد يشكل عبئاً كبيراً لتأمين المادة لزوم التدفئة.
الأرقام السابقة أكدها عزير في حديثه، مشيراً إلى أن «حصة التدفئة من الـ800 الف لتر لا تتجاوز الـ20%»، ما قد يؤخر أو يعيق حصول الأسر المستحقة على المادة فصل الشتاء الحالي، أو بشكل نهائي، وقد قال عزير إن «نسبة 80% من مخصصات دمشق تذهب للجهات العامة ومرافق خدمات المواطن، وما يتبقى يذهب للتدفئة».
ومن الطبيعي أن تكون الفوارق السابقة بالأرقام وخاصة النسبة القليلة المخصصة لتدفئة فصل الشتاء، أن تنعكس على نسبة تأمين المادة لجميع المحتاجين، حيث أكد مدير محروقات دمشق بأن نسبة تأمين مازوت التدفئة للأسر المسجلة وصل إلى ما نسبته 25% فقط منذ بداية فصل الشتاء، ما قد يكون مؤشراً لاحتمال عدم تأمين المادة للكثير من الأسر هذا الشتاء، كالسنوات السابقة.
أغلب الشكاوى التي وردت لـ«قاسيون» لم تكن تعرف هذه التفاصيل والأرقام، وذهب أغلبهم لاتهام الحلقات الوسيطة باستغلال حاجة المواطنين وبيع المادة للسوق السوداء بأسعار مرتفعة، وما يثبت ذلك وفقاً لما تقدم به المشتكون، هو توفر المادة بشكل دائم في السوق «السوداء».
مخالفات الوسطاء
أكدت «محروقات دمشق» عدم صلتها بالرقابة على التوزيع في المنافذ التي تقوم بهذه المهمة، مؤكدة أن القضية تقع على عاتق وزارة التجارة الداخلية ولجانها الرقابية، إلا أن مدير «محروقات دمشق» سيباي عزير أشار إلى عدة ضبوط تم اخطار المديرية بها ويصل عددها إلى حوالي 15 ضبطاً خلال شهر تقريباً بخصوص كازيات المديرية، مشيراً إلى مخالفات بحق موزعي المادة على السيارات المتعاقدة مع المديرية، وكانت عقوبتهم توقيف ترخيصهم والسجن 45 يوماً.
وقال عزير إن المخالفات تتمحور حول التلاعب بعدادات سيارة التوزيع أو المحطات أو تقاضي سعر زائد أو تعبئة كمية زائدة عن ما هو مخصص.
وأضاف «الموزعون يقومون بالتسليم بواسطة سيارات محددة مسجلة أصولاً، ولدينا أكثر من مئة سيارة خاصة متعاقدة معنا وحوالي أربعين سيارة حكومية، لكن المشكلة بتوفر المادة وليست بسيارات التوزيع وعددها أو حتى المخالفات».
وأردف «نحن جهة منفذة، ومسؤوليتنا تنحصر بتأمين المادة للمراكز، ولا يخلو الأمر من وجود أشخاص أصحاب نفوس ضعيفة، ومسؤولية المواطن عند حصول أي مخالفة، التقدم بشكوى».
وبحسب احصائيات شتاء العام الماضي، فإن حاجة دمشق وريفها من المازوت أكثر من مليون ونصف لتر يومياً، وأكدت حينها «الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار» بأن هناك نقصاً بالتوزيع بحوالي 87% ما بين تشرين الأول 2013 ولغاية نهاية كانون الثاني 2014.
الحكومة تخالف قرارها!
وفي سياق آخر، ليس بعيد التأثير على حياة المواطن بخصوص مادة المازوت وارتفاع الأسعار عموماً المرتبط بهذه المادة حين عدم توفرها أو رفع سعرها، رفعت الحكومة السورية سعر ليتر المازوت مؤخراً إلى 150 ليرة سورية لوسائط النقل بين المحافظات، بعد أن كان سعر الليتر محدداً بـ 80 ليرة سورية لقطاع النقل ككل، ما قد ينعكس سلباً على أسعار السلع القادمة من محافظات أخرى، وأجرة النقل بين المحافظات.
وكشف عن القرار الأخير بصورة غير رسمية عبر تصريح لمصدر من «وزارة النفط السورية والثروة المعدنية» نفى خلاله شائعات انتشرت مؤخراً حول ارتفاع سعر المازوت لجميع القطاعات إلى 150 ليرة، مؤكداً أن القرار كان خاصاً بوسائط النقل ما بين المحافظات فقط، التي بات التعامل معها على أساس السعر العالمي للمادة.
وبهذا القرار، خالفت الحكومة قراراً سابقاً صادر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الشهر الماضي، أكد على إبقاء سعر ليتر المازوت بالنسبة لقطاعي النقل والتدفئة المنزلية بـ 80 ليرة سورية، بينما رفعت أسعار مبيع المشتقات النفطية المازوت والفيول للقطاعات الخاصة  إلى 150 ليرة لليتر الواحد من المازوت، و 100000 ليرة لطن الفيول، وهنا كانت عبارة «نقل» تشمل كل قطاعات النقل دون استثناءات.
وبعد يوم رفع سعر مادة المازوت لوسائل النقل بين المحافظات، عادت الحكومة وخفضت سعر المادة لجميع الأغراض غير التدفئة والمواصلات إلى 140 ليرة، ولم يوضح القرار إن كان النقل بين المحافظات مشمولاً بعبارة «النقل» بشكل عام، ومع ذلك يكون قرار خفض سعر المازوت لغير التدفئة والنقل، ناجم عن انخفاض سعر المادة عالمياً وليس إنجازاً حكومياً.