الرقة في ظل (داعش)
منذ ما يقارب السنتين اجتاحت «داعش» التكفيرية الرقة وما زالت لم تعد إلى حضن الوطن كما ادعى الكثير من المسؤولين.. وما زالت تئن وتزداد معاناتها من ممارسات «داعش» الفاشية ومن قصف طيران التحالف الأمريكي وقصف النظام.. ومن المعاناة الاقتصادية المعاشية..!!
الرقة «دُرّة الفرات» كانت تعجّ بالنشاطات الاقتصادية والثقافية، عانت كبقية الوطن من السياسات الليبرالية للحكومات، وصارت في بداية الأزمة ملجأً للمهجرين وخاصةً من توأمها على الفرات دير الزور.. إلى أن استباحتها «داعش»، فتردى واقعها بسرعةٍ.
سدّ الفرات في خطر
نهر الفرات والزراعة هما المصدر الأساسي لأبناء الرقة،وتردت كثيراً نتيجة انخفاض منسوب بحيرة سد الفرات إلى حدودٍ خطيرة، تهدد ليس بخروجه من الخدمة وتهدد جسم السد نفسه حسب المختصين، وسبب الانخفاض هو تقليل تركيا لتدفق مياه نهر الفرات، في حربها المائية على سورية،مخالفةً القوانين الدولية للأنهار العابرة. مع فتح داعش بوابات السد لإخوتها في محافظة الأنبار العراقية المسيطرة عليها أيضاً، وارتفاع نسبة الطمي في قاع البحيرة..؟
تردي الزراعة..
نتيجة انخفاض كميات المياه اللازمة وتخريب مشاريع الري، من مضخات وقنوات كمشروع بئر الهشم ، وقلة اليد العاملة وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج تردت الزراعة، فقد وصل سعر طن سماد «اليوريا» مثلاً إلى 100 ألف ليرة،و الترابي إلى 107 آلاف، وغالبيته أوكراني مهرب عبر تركيا، وليس بالمواصفات المناسبة، وارتفاع أسعار المحروقات وغيرها.
عانى الفلاحون كثيراً، وهم لابد أن يزرعوا ولو ما يكفيهم للبقاء على قيد الحياة، ولو خسروا مادياً مع جهودهم..وقد تعرضوا في الموسم السابق لاستغلال التجار والحواجز الداعشية والرسمية، أثناء تسويق موسم القمح إلى دير الزور فبيع الكيلو ما بين 30 و45 ليرة، والقطن ما بين 85 و105 ويبيعه التجار في تركيا، والذرة الصفراء بيعت بحوالي 40 ليرة، واضطروا لتجفيفها على الطرقات، نتيجة سرقة المسلحين للمجففات الرسمية..وأجبرتهم «داعش» على دفع 5% من ثمن محاصيلهم أو كميات منها كزكاة..!
وفي الموسم الحالي عزف غالبية الفلاحين عن الزراعة،فألزمتهم «داعش» بزراعة 20 دونماً قمحاً والبقية شعيراً، لتأمين الخبز. وما زال الموسم مهدداً بانقطاع الري، رغم هطول الأمطار،والخطورة على الموسم (القطن) القادم والذي يحتاج إلى كمياتٍ كبيرة من المياه،وعدم زراعته يهدد حياتهم.
القصف بين قناة الدنيا
وقناة الآخرة..!
تعرضت الرقة خلال الأسابيع الماضية لقصف طيران التحالف الأمريكي الشكلي لمراكز تواجد «داعش» والضحايا غالبيتهم من المدنيين لأنّها تتواجد وتختفي بينهم، كقصف ملعب الفروسية، والذي تتواجد فيه عوائل لتكفيريين شيشانيين، ويعتمون على قتلاهم، فيفرضون طوقاً أمنياً حول المنطقة لمنع الاقتراب منها.. كما تعرضت لتسع غارات من الطيران الحربي الرسمي، استهدفت المتحف وإدارة المركبات وباب بغداد شرق الرقة وكذلك كراج البولمان وجامع «النووي» وذهب ضحيتها حوالي 400 مدنياً، وقد سمى السكان التغطية الإعلامية للقنوات التكفيرية باسم «قناة الآخرة»، في مقابل تغطية «قناة الدنيا» شبه الرسمية..!
ممارسات «داعش» التكفيرية..!
ممارسات «داعش» وإرهابها التكفيري الفاشي، يطال حياة المواطنين اليومية ولديها مكتب أمني تمارس فيه كل أشكال التعذيب الوحشي لمن تعتقله، بتهمة الكفر والرّدة لمن لا يخضع لها أو يخالفها، أو ممن ينتمون إلى إثنيات معينة وتقوم بتصفيتهم سرّاً أو تعدمهم علناً لزرع الرعب، حيث أعدمت «داعش» 13 سائق تكسي بتهمة تعاملهم مع النظام.. كما تقوم بتجنيد الشباب العاطلين عن العمل، بما فيهم أطفال دون سن البلوغ، وتخضعهم لمعسكرٍ ودورةٍ تدريبية مدة 45 يوماً، ومؤخراً انخفضت إلى 15 وتوزعهم على الحواجز.كما أغلقت «داعش» الكليات الجامعية وتمنع الطلاب من الالتحاق بجامعة الفرات في دير الزور، وهذا ما حرمهم الامتحانات واستنفذوا دوراتهم هذه الأوضاع دفعت الكثيرين منهم للهرب والهجرة عبر تركيا إلى خارج الوطن.. كما أغلقت المدارس مؤخراً ومنعت النساء من المغادرة حتى ولو مع محرم، ويقوم «الدواعش» غير السوريين، والمسمون مهاجرون بالبحث عن الفتيات والنساء ويتزوجهن بالقوة، ويتركونهن عندما يغادرون بطلاقٍ أو دون طلاق، كما فرضت على الذكور تقصير الثياب وإطالة اللحى وحلق الشوارب بالقوة كما حدث في منطقة الجرنية،وفرضت على النساء لبس الدّرّاعة وتجبرهم على دفع ثمنها حوالي 5000 ليرة..!
الأوضاع الخدمية..
تردي الأوضاع الاقتصادية يؤدي إلى تردي الأوضاع الاجتماعية والخدمات كالكهرباء والمياه والصحة، فكهرباء السد لا تأتي في أحسن الأحوال سوى حوالي ساعتين مما فتح باباً للتجار بشراء المولدات وبيع الأمبير الواحد بسعر يتراوح بين 300 و400 ليرة، ومنذ حوالي 3 أشهر منعت وزارة الصحة توريد الأدوية إلى المشافي الحكومية بحجة هيمنة «داعش»، مما فاقم الأوضاع الصحية كثيراً..ناهيك عن انقطاع الاتصالات المستمر وغياب وسائل العلم والثقافة كالصحف وغيرها والتي تمنعها «داعش» منعاً باتاً..!
الحواجز والمعاملة السيئة..!!
ما يزيد الطين بلة فوق معاناة أهالي الرقة من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وممارسات «داعش».. هو معاملتهم كأنهم «دواعش» أو محسوبون عليها عند الحواجز الرسمية وفي دوائر الدولة بالمحافظات الأخرى، وخاصةً اللجان الشعبية كحاجز مفرق عقارب بين حمص والسلمية الذي يقوم بتشليح الركاب القادمين من الرقة والمنطقة الشرقية عموماً 1000 ليرة ذهاباً أو إياباً، ومن لا يدفع يجري تعذيبه وتشليحه جزءاً من ثيابه علناً، رغم أنّ علي الشعيبي أحد وجهاء الرقة وعضو قيادي ناشد رئيس الجمهورية علناً على شاشة التلفزيون الرسمي التدخل، فامتنعوا لعدة أيام ثمّ عادوا لممارساتهم، كما يتعرضون للابتزاز عند محاولتهم الحصول على وثائق رسمية كالهوية وجواز سفر في دمشق لعدم وجود دوائر في الرقة..!!
هذا غيضٌ من فيضِ لمعاناة أهل الرقة، الذين باتوا يريدون الخلاص من القوى التكفيرية داعش ومن قوى النهب والفساد، وفقدوا الثقة بكل الوعود الكاذبة بإعادتهم إلى حُضن الوطن..!!