حلب: (تطهير) ثقافي على يد التتار الجدد..!
«هل جرب أحدكم أن يستمع إلى وسوسة الأحجار القديمة في هذا البلد، شيء يشبه الشعر يتصاعد منها ...جوع موسيقي يلوب على الجدران، إنها إن شئت طفلة بعيون من ذهب، وإن شئت مجنونة تمزق البنفسج وزرقة السماء، وإن شئت عجوز تهدر بالحكمة والثرثرة معاً، وبشيء من المرارة غير قليل».
مرارة وألم..!
هي مرارة ختم بها العلامة شاكر مصطفى، تتصاعد من رحم المدينة إلى أبنائها مع كل تفجير يهزه ناعياً حجراً منها سقط شهيداً على يد التتار الجدد، آخرها التفجير الذي استهدف جامع السلطانية في حلب بتاريخ7/12/2014.
فنزيف الدم البشري الذي بدأ مع الأحداث في تموز 2012 لا يقل خطورة عن نزيف تاريخ مدينة، وضعت على قائمة التراث الإنساني في عام 1986م؛ كأقدم مدن العالم المأهولة باستمرار من قديم الزمان، والتي منذ عهد قديم تعتبر مركزاً اقتصادياً؛ شكل العقدة الاستراتيجية الأهم في طريق الحرير بين الصين وأوربا، وهذا ما جعلها تشارك بفاعلية في التجارة الدولية، وأسهم ذلك كثيراً في ازدهارها الاقتصادي، الذي أمنه (سوق المدينة) الممتد على مسافة 14 كم ليدخل موسوعة غينيس كأطول سوق مسقوف بالعالم، ومركز تجاري متعدد الأديان والثقافات. إضافة لطابعها العمراني المتمثل بالحمامات والمساجد والخانات والمباني المنتمية لحقب مختلفة.
مدينة التراث العالمي..
أثناء انعقاد الدورة العاشرة للجنة التراث العالمي في العام 1986م، أعلنت المدينة القديمة في حلب كجزء من التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونيسكو) ما يعني وفقاً لاتفاقية حماية التراث العالمي والثقافي والطبيعي الموقعة في العام 1972م:» وضع إشارة على صحائفها العقارية تثبيتاً لعدم جواز هدمها أو تغيير معالمها أو مواصفاتها، حتى من قبل بلديتها، إلا بعد أخذ موافقة من الجهات الأثرية العالمية».
ساحة ومسرح للمعارك..!
لقد حول النزاع مدينة حلب القديمة إلى ساحة للمعارك، وصارت مسرحاً للتدمير الممنهج للتراث، الذي طالها بالعمق من خلال عدة تفجيرات تحت الأرض، تعادل في شدتها هزات أرضية تتراوح بين 4إلى 5 درجات على مقياس ريختر، عملت على محو معالم المدينة القديمة، باستخدام قنوات جر المياه الأرضية إضافة لشبكة السراديب والأنفاق الأثرية التي تربط أحيائها ببعضها البعض، وهو الأمر الذي نوه له العديد من الباحثين في حلب وحذروا من أبعاده الكارثية على المدينة قبل بداية الأحداث، لكن الاحتياطات التي اتخذت لم تمنع من احتلال المسلحين لها، مما كلف المدينة الكثير من معالمها التي تراوحت الأضرار فيها، ما بين الضرر الجزئي والدمار الكامل، دون وجود إحصائيات رسمية لحجم هذا الضرر جراء المعارك.
تدمير وسرقة علنية للمعالم الأثرية..!
من المعالم الأثرية التي دمرت وسرقت
1 - المساجد:
كالجامع الأموي الكبير الذي تم بناؤه في عام 715م وصنف كأقدم مسجد في العالم، حيث تعرض لسرقة مكتبته التي تحوي نفائس المخطوطات والآثار الفكرية القديمة إضافة لآثار نبوية، وتفكيك محرابه الخشبي ونقله إلى جهة مجهولة، وتم تدمير مئذنته البديعة وتحولها إلى ركام في نيسان 2013م،إضافة لتخريب أجزاء منه.
وجامع الطواشي، والمدرسة العادلية، وجامع الكختلي، وجامع الأطروش، وجامع بانقوسا، وجامع ومدرسة الخسروية، التي تعرضت جميعها لدمار كامل، أما جامع السلطانية وجامع الميداني، وجامع المهمندار، وجامع الإسماعيلية، والمدرسة الشعبانية..فقد تراوحت الأضرار فيها ما بين التصدع والتضرر والانهيار الجزئي.
2 - الخانات: كخان الوزير، القرقناوي، الجلبي، الخيش تعرضت لأضرار كبيرة.
3 - أسواق المدينة القديمة: الزرب، العطارين، الحبيل، القطن، الصاغة، إسطنبول، الزهراوي، الجوخ، المحمص، النسوان، العبي، السجاد، السويقة، تراوحت بين الحرق الكامل والدمار الجزئي في أجزاء مختلفة منه، في حين تعرض سوق الزهر في منطقة باب الحديد لدماركامل.
إضافة إلى البيمارستان الأرغوني (متحف الطب والعلوم) الذي تعرض لأضرار يصعب تحديدها.
قلعة حلب مهددة..
ناهيك عن التفجيرات في محيط قلعة حلب، التي تسببت بتضرر جسرها الحجري أضافة لبرجها الشمالي، وأودت بالأبنية الأثرية حولها: كحمام يلبغا الناصري، مبنى السراي (قيادة الشرطة)، وفندق الكارلتون (المشفى الوطني)، الزاوية الصيادية (دار الإفتاء)، وخان الشونة، وجامع السلطانية.
يضاف إلى ذلك النهب المنهجي، والاتجار غير المشروع الذي بلغ مستويات غير معهودة، الذي تتعرض له سورية ككل والمدينة القديمة في حلب، التي تعد أحد 6 مواقع سورية مدرجة على لائحة التراث الإنساني المهدد في 2013، والذي تكمن خلفه في كثير من الأحيان دوافع أيديولوجية تنفذ بعقلية دوغمائية، مما يلحق أضراراً جسيمة بهوية الشعب السوري وتاريخه.
تقارير دولية..
بحسب العديد من التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، والصندوق العالمي للتراث، والباحثين الذين ساهموا في وقت سابق في عمليات التنقيب في سورية، أن ما تتعرض له سورية والمدينة القديمة في حلب « تدمير كارثي لتراث معماري لا يضاهيه تراث آخر في المنطقة «، فهي لا تسبب معاناة للشعب السوري بقدر ما تهدد ذاكرتهم وتاريخهم، فغدا ملحاً إدراجها في صميم جهود المساعدة الإنسانية وبناء السلام.
وهنا نتساءل: ما دور الجهات المختصة في منع هذا الخطر المستوى الإقليمي والعالمي، وتقاعس منظمة المؤتمر الإسلامي عن دورها باعتبار أن حلب اختيرت لتكون في العام 2006م أول عاصمة للثقافة الإسلامية بعد مكة المكرمة..؟
أنقذوا حلب..!
إننا ندعو ونؤكد على ضرورة التحرك على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية، للضغط باتجاه الحل السياسي، وفرض محميات ثقافية بموجب معاهدتي لاهاي 1954م، حول ضرورة حماية الممتلكات الثقافية، في حال نشوب نزاع مسلح، واتفاقية اليونسكو لعام 1970 بشأن الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، والعمل على استعادة ما سلب منها.