العلاج.. بالندوات
مهلاً...هذا الطفل الذي يبيع اليانصيب في المقهى يحتاج إلى بعض مفرداتكم الناعمة ربما تعينه على قضاء ليلة هادئة ببطن مملوء وعين راضية.
مهلاً... هذا الطفل الذي ينام مع إخوته على الرصيف المقابل لمبنى إحدى الوزارات يحتاج إلى ندوة تلفزيونية، وحوار ساخن ربما يساعده على عدم الإحساس بالبرد في هذا الخلاء البشري.
ما يحطم القلب هو إصرار المسؤولين عن كل هذا الكم المرعب من المشردين والأيتام في الشوارع على اتباع المنهج نفسه ، والحديث باللغة نفسها وكأننا لم نصب بأي فاجعة، وكأننا فقط نتابع برنامجاً مرعباً عن الموت والتشرد والتسول لأطفال خارج الأرض، وأن كل هؤلاء ليسوا أبناء بلدنا وجلدتنا، وأنهم في أقل الاعتبارات يصنعون منظراً بائساً في عالم جميل محيط بنا.
الندوات التي تحمل عناوين بليدة مثل العنف ضد الأطفال لا تكفي لعلاج هؤلاء، ولا تلمع صورة منظميها، ولا كتبتها من إعلاميين يرون الأمر مجرد مقال صغير يضاف إلى استكتاباتهم التي يحبون زيادتها مهما كان الخبر أو الحدث.
ماذا يعني أن يتحدث أحد منظري هذه الندوات كما جاء في الخبر: (وأشار إلى أهمية الورشة بتناولها العنف ضد الطفل في كل ما يشهده بلدنا من تحديات في ظل الأزمة، والاهتمام بالطفولة وحاضرها ومستقبلها وخاصة السنوات الأولى منها، وباعتبارهم أكثر تعرضاً في ظل النزاعات، وإمدادهم في سبيل بناء الذات حتى لا يكونوا ضحايا، بل ليكونوا صناع مستقبل يملكون زمامه)... هل تحتاج هذه العبارات الأكاديمية المدرسية إلى ندوة عامة، وماذا يقدم التنظير البائس لهذا التراكم المخيف لجيل ربته الطرقات، ومستقبله المجهول.
محاضر آخر تطرق إلى أهمية ربط الجامعة بالمجتمع، وهذا ما ثقب آذاننا طوال عقود، وفشلنا في صنع هذه الأولويات التربوية التي لم تغادر الكتب
والميكروفونات، وبقيت صياحاً في وادٍ نهبط فيه هبوطاً حراً مع أجيال من الصغار والمراهقين دون أن ننتظر هناك من هو مستعد لإنقاذها.
أرجوكم أوقفوا هذه الندوات، وفكروا ولو لمرة واحدة أن تنزلوا إلى الشارع، وهنا من الممكن أن تجدوا علاجاً شافياً لكك هذه الأجساد الطرية التي تتبخر ببطء، وتنتظر مستقبلها على أبواب بيوت المتع والجريمة؟.
أنصحكم: ابدؤوا بتغيير عناوين ندواتكم أولاً.