من الذاكرة: المهمة مازالت مستمرة
المؤلم والمربك في آن واحد، أن تحب وتكتم... أن تعاني وتنطوي على جراحك صامتاً.. أن تمتلك ناصية اللغة ومفرداتها، وتعجز أن تصوغ بضع كلمات... أن تفيض جوانح قلبك حنيناً وشوقاً، ويطول درب سفرك في بيداء نادرة الينابيع والواحات... أن ترى أغلى الناس وأحبهم إليك، ولا تستطيع أن تترجم أحاسيسك الصادقة نحوه... أن تمتلئ راحتاك بمواسم الأمل، وتهرب من بين أصابعك غلال المواسم.
إن الحقيقة فيما دعاني إلى كتابة هذه المقدمة الوجدانية، هو أبيات قديمة جميلة للشاعر رياض أبو جمرة، من خمسينيات القرن المنصرم وجدتها في أحد مصنفات مكتبتي خلال الأسبوع الماضي... هي قصيدة نجح فيها الشاعر في الإفصاح الصريح وجهاً لوجه أمام من أحبها عما يحمله لها في جنانه من حب وود واعتزاز... وأذكر جيداً أبيات رقيقة أنشدها حين ودعها وهي تغادر دمشق إلى مصر للعمل عام1957:
«أهديك هذه الأحرف الخضيبه
بأدمع الفراق
فلتحملي في القلب اسم «يافا»
ولتذكري «رجاء»
ولتذكري «جميلة»
ففي غد يرتفع الحداء
وتزهر الخميلة».
ويمكن الحديث عن عشرات بل مئات الأسماء المضيئة التي تتصدرها أسماء شهداء الوطن في كل معاركه المشرفة ضد الاحتلال الفرنسي وضد العدو الصهيوني
وحسبنا أن نذكر كوكبة منهم بدءاً من يوسف العظمة إلى حسن الخراط وحتى الطيب شربك ومن ممدوح قره جولي إلى فايز منصور
أولئك الابطال الذين تغنى بهم كبار شعرائنا وفي مقدمتهم أميرهم أحمد شوقي:
دم الثوار تعرفه فرنسا
وتعلم أنه نور وحق
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
سأذكر ما حييت جدار قبر
بظاهر جلق ركب الرمال
وهل أغلى من الشهداء
أبادوا ليلنا بددا
ومن ينسى قصيدة عمر أبي ريشة مخاطباً بلادنا الغالية :
يا عروساً تنام ملء المحاجر
شيعي الحلم والطيوف السواحر
آن أن تفتحي العيون إلى النور
وتلقي على الظلام الستائر
ما حملنا ذل الحياة وفي القوس
نبال وفي الأكف بواتر