ريثما تفي الحكومة بوعودها سوريون يستخدمون أساليب بدائية في التدفئة
نار زرقاء تتراقص من خلال نافذة زجاجية مدورة في جسد مدفأة المازوت، كان الجميع يجتمع حولها في فصل الشتاء. وهذا الأمر بات حلماً للكثير من السوريين، فمن منا يستطيع نسيان دفئها أو نسيان طعم الساندويتش الذي كان يسخن على أطرافها. وهذا الحنين للمدفأة ليس لأن المواطن هجرها بعد أن وجد التدفئة البديلة، بل لأنه لم يعد يستطيع تأمين ليتر مازوت يدفع به برد شتاء يبشر بأنه سيكون قاسياً بعد أن ضاقت به السبل وبات يتوجب عليه أن ينتظر في الطابور كي يحصل على مائتي ليتر لا تسد شيئاً من احتياجات أصغر عائلة سورية.
شتوية جديدة سنفتقد فيها صوت زمور بائعي المازوت الذين كانوا يتجولون في الشوارع والحارات منادين على مادة المازوت التي كانت تباع في كل مكان. فاليوم خصصت الحكومة السورية كمية 200 ليتر من مادة المازوت لكل دفتر عائلة. كما تم منع بيع المازوت في عبوات بلاستكية في الكازيات لتنحصر مهمة بيع المازوت لسيارات مخصصة من قبل شركة «سادكوب».
مازوت مازوت
وفي هذا السياق يقول وحيد علي «نحن سنكتفي بالكمية التي خصصتها الحكومة لنا من مادة المازوت. لكن بعد مضي أكثر من شهر على قرار توزيع مادة المازوت على العائلات، نسأل متى سيصلنا الدور كي نستلم مخصصاتنا؟ حيث توجهنا إلى شركة سادكوب وطلبنا منهم أن يبيعونا الكمية المخصصة لنا لكنهم رفضوا وطلبوا منا التوجه إلى مختار الحي والتسجيل لديه».
ويتابع «عندما توجهنا إلى المختار قام بتسجيل الأسماء (حسب الدور)، إلى أن تقوم الجهة المعنية بتوصيل المازوت إلى حارتنا، علماً أننا نقيم في أحد أحياء دمشق».
وبدوره «رامز جابر»، موظف في إحدى الجهات العامة، يقول «استلمت 200 ليتر مازوت مخصصاتنا، ولكني لا أستطيع دفع ثمن الكمية كلها لذلك سأبيع نصف الكمية وأحتفظ بالنصف الثاني للتدفئة علماً أن كمية 100 ليتر لا تكفي عائلتي، خاصة أنه لدي مولود صغير لم يبلغ سنة من عمره بعد».
دفء الأغطية!
وتقول «رولا.ع»، موظفة، «لدي أربعة أطفال وهم بحاجة إلى دفء، لكن شح المازوت جعلنا نتبع طريقة جديدة للتدفئة، حيث نقوم بإشعال المدفأة ساعة واحدة مساءً كي ننام على دفء، ونصف ساعة صباحاً قبل التوجه إلى الدوام».
وتتابع «كنت أعول على مدفأة الكهرباء لكن واقع الكهرباء لا يبشر بالخير هذا الموسم. لذلك أبقي أطفالي تحت الأغطية».
وبدوره يتحدث «جواد.خ» عن معاناة عائلته مع برد الشتاء قائلاً «إنا أقيم في منطقة من المفترض أنها تتمتع بخدمة كهربائية جيدة. لذلك اشتريت سجادة كهرباء بـ3000 ل.س كوني لا أستطيع دفع ثمن المازوت، كما أني أقيم مع أولادي الأربعة ووالدتي ووالدي في غرفة واحدة ولا يوجد مجال لوضع صوبيا. كما أن لا يوجد مجال لشراء مادة المازوت. فعندما تأتي الكهرباء نجلس جميعاً على السجادة ونضع أغطيتنا علينا كي نبقى محتفظين بالدفء أكبر فترة ممكنة».
لا مازوت لا كهرباء لا غاز
طابور طويل من أسطوانات الغاز تصطف أمام محل «أبو ماجد» لتعبئة الغاز. ويقول أبو ماجد «نحن نعاني من أزمة تأمين مادة المازوت مع كل فصل شتاء. لكن سوء الأحوال الأمنية وسيطرة المجموعات المسلحة على حقول النفط ومصادر الغاز أثر بشكل سلبي على توريد مادة الغاز وخلق أزمة للمواطنين».
أما «أم نوار» فتقول «نزحت من منزلي ولم أتمكن من إخراج سوى أسطوانة غاز واحدة، واليوم أقيم مع أبنائي ووالد زوجي ووالدته وإخوته وأبنائهم حيث يصل عددنا إلى أربعة عشر شخص، نحتاج إلى جرة غاز كل أسبوع كوننا نستعمل الغاز في الطبخ والاستحمام والغسيل. وفي الشتاء نستخدمه للتدفئة».
وتتابع أم نوار «كوننا نستعمل الغاز في معظم أعمالنا اليومية فإننا نضطر إلى دفع مبالغ زيادة عن السعر العادي كي لا ننقطع فقبل أسبوع دفعت 2300 ليرة سورية ثمن تعبئة أسطوانة غاز. لذلك فأن زوجي يدفع ثلث راتبه ثمن للغاز»، تضيف «حاولت شراء عبوة غاز فارغة جديدة لكن البائع طلب مبلغ 7500 ليرة ثمن لعبوة غاز فارغة».
سوق سوداء جديدة
رفعت الحكومة السورية أسعار مادتي المازوت والبنزين على أمل أن تخفف من الفساد، لكن هذا الرفع فتح باب السوق السوداء التي رفعت بدورها أسعارها، حيث بيع ليتر المازوت الواحد بأكثر من 150 ليرة سورية.
وفي هذا السياق يتحدث «محمد.ع» عن معاناته مع الانقطاعات المتكررة للكهرباء وأسعار سوق السوداء لمادة المازوت قائلاً «نحن لم نستلم مخصصاتنا من مادة المازوت كما وعدت الحكومة. علماً أن عملية التوزيع بدأت منذ أكثر من شهر. ويبدو أن هذه الشتوية ستكون قاسية، فأنا تقيم معي والدتي المريضة التي تحتاج إلى جو دافئ باستمرار، لذلك اضطررت إلى شراء لتر المازوت الواحد بـ150 ليرة على أمل أن أحصل على مخصصاتي في أقرب وقت»، ويضيف «لا يمكنني أن أعتمد على الكهرباء في عملية التدفئة بسبب الانقطاعات الطويلة التي تحصل».
يجد «الحطب المقطع» طريقه إلى الأسواق السورية، حيث تحول عدد كبير من السوريين إلى استخدام مدفأة الحطب عوضاً عن المازوت، لكن أسعار الحطب لم تكن أرحم من أسعار المازوت حيث تراوح سعر الطن الواحد من حطب الزيتون بين 35000 ليرة سورية والـ40000 ليرة.
ويختلف سعر الحطب حسب نوعه فحطب المشمش والزيتون من أغلى أنواع الحطب، ومن ثم يأتي حطب الحور والكينا، كون حطب الزيتون يحتاج وقت أطول كي يحترق مما يبقيه فترة طويلة أثناء الاشتعال.
«النايلون» وقود للمدفأة
هدف جديد بات يتوجب على جامعي القمامة العثور عليه، وهو «النايلون» وذلك بعد أن حول عدد كبير من الناس مدافئ المازوت الخاصة بهم إلى مدافئ تعمل على كل شيء ابتداء بالمازوت وصولاً إلى أحذية النايلون المستهلكة وقطع الخشب.
وعن ذلك تقول أم عامر «لا نملك نقود كافية كي ندفع ثمن المازوت، وكذلك لا قدرة لنا على دفع 2000 ليرة ثمن تعبئة جرة الغاز في الشتاء. لذلك أجمع مع أبنائي الأوراق الكرتونية وقطع الأخشاب وأحذية النايلون واستخدمها كوقود للمدفئة، وأحياناً أعد الطعام عليها».
وعن الأمراض الصدرية التي قد تعاني منها «أم عامر» أو أولادها، تقول «تعودنا على هذه الروائح وإذا لم أشعل الورق والنايلون فإن أطفالي لن ينعموا بالدفء».
العودة إلى الطرق القديمة
عادت سيدات القرى إلى الطرق القديمة في الحصول على الوقود. وفي هذا السياق تستيقظ «سعاد»، التي تقيم في إحدى قرى منطقة جبل الشيخ، باكراً وتقوم بجمع روث أبقارها والماعز، وتضيف عليها القليل من الماء والعشب اليابس (التبن) وتخلطها معاً حتى تحصل على خليط متماسك ثم تعده على شكل أقراص دائرية كبيرة وتنشرها على حائط من الحجر السوري الأسود، وتنتظرها يومين حتى تجف ومن ثم تقوم بجمعها في غرفة محكمة الإغلاق.
تقول «سعاد»، التي لم تبلغ الثلاثين من عمرها، «كنت أشاهد جدتي ووالدتي وهن يقمن بهذه العملية، لكن منذ أكثر من عشر سنوات لم نعد نعتمد هذه الطريقة في التدفئة، وصرنا نستخدم روث الحيوانات في تسميد المزروعات فقط».
وتتابع «ولكن مع ارتفاع أسعار المازوت وصعوبة الحصول عليه وكذلك الأمر مع الغاز عدنا إلى الطرق القديمة، فطيلة فصل الصيف أقوم بهذه العملية إلى أن جمعت كمية كبيرة من الروث الجاف حيث تكون وقوداً في مدفأة الحطب ونتدفأ على نارها، كما أعد طعامنا عليها أحياناً ولم أعد أخشى من انقطاع المازوت أو الغاز».