المواطن سائح بديل في المطاعم.. وجبة الغداء بنصف الراتب.. وساعة في مقهى بيوم عمل..؟
بات المواطن السوري يعامل معاملة السائح الذي غاب عن البلاد بسبب الأزمة، وذلك من قبل المنشآت السياحية، بعد أن أصبحت تكلفة وجبة الغداء لأسرة مكونة من أربعة أشخاص تعادل نصف راتب الموظف أو أكثر، في حين تصل تكلفة الجلوس في كافتريا أو مقهى حد أجرة يوم عمل كامل.
وحرم ارتفاع أسعار البنزين والمازوت لعدة مرات متتالية، الكثيرين من متنفسهم الوحيد في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، بعد أن شكلت هذه الارتفاعات شماعة سارية المفعول لأصحاب المطاعم والمقاهي لرفع أسعارهم بصورة غير رسمية، في ظل انعدام الرقابة على مختلف قطاعات الحياة.
11 ألف ليرة لوجبة غداء
وبحسب شكاوى مواطنين وصلت (قاسيون)، فإن (تكلفة وجبة الغداء في أحد مطاعم الربوة بدمشق والتي تعتبر آخر متنفسات المدينة كونها أقرب إلى المتنزهات من المطاعم، وصلت إلى 11 ألف ليرة سورية وسطياً مع الضرائب وذلك لعائلة مؤلفة من أربعة أشخاص، وهو مايفوق نصف راتب الموظف السوري).
وأكدت الشكاوى أن (فاتورة الأسعار كانت غير منطقية، حيث بلغ سعر كليو اللحمة المشوية (شقف) 4 آلاف ليرة سورية، في حين تراوح سعرها في السوق غير مشوية حوالي 2000 ليرة سورية أو أقل).
وعن منطقة الربوة تحديداً، أكد مواطنون، أن بعض هذه المطاعم يتقاضى ضريبة من الزبائن لقاء الجلوس بمكان مطل على نهر بردى رغم أنه تحول لمياه آسنة برائحة مزعجة، حيث قال موسى موظف في القطاع الخاص: إن أحد مطاعم الربوة برر ارتفاع سعر المواد لديه بشكل غير منطقي، بأنه يدفع لمديرية السياحة ضريبة للإطلالة على نهر بردى.
ضريبة على نهر بردى
وتابع موسى (عندما طلبنا تبريراً حول الفاتورة التي بلغت حوالي 11 ألف ليرة سورية، والتي تضمنت كليو لحمة شقف مشوية، ونصف كيلو لحمة شيش طاووق، مع اركيلة واحدة و4 فناجين قهوة وكأس عصير مع بعض المقبلات، قال العامل إن مديرية السياحة رفعت ضريبة الإطلال على نهر بردى على المطعم الذي بات يدفع أكثر من مليون ليرة شهرياً لقاء ذلك).
وبدروه، قال مهند وهو طالب جامعي: إن الجلوس في هذه المطاعم التي كانت سابقاً عبارة عن متنفسٍ لأهالي دمشق، بات حكراً على شريحة معينة من المواطنين، فقد بات مستحيلاً أن يخرج الموظف السوري مع عائلته إلى أحد المطاعم لتناول وجبة الغداء، ولو مرة واحدة في الشهر، وأصبح الخروج إلى مطعم يحتاج إلى دراسة ميزانية العائلة قبل أشهر لتوفير المبلغ المتوقع دفعه، وحصر ذلك بالمناسبات فقط).
المقاهي ليست للعاطلين عن العمل
وسابقًاً، كان مشهد اكتظاظ زوار المقاهي، مؤشراً لازدياد نسبة العاطلين عن العمل في بلد ما، لكن مقاهي دمشق عكست النظرية، ووفقاً لجولة قامت بها (قاسيون) على بعض مقاهي دمشق الشعبية وغير الشعبية، فقد بلغت تكلفة الجلوس بأحد المقاهي الشعبية، أجرة يوم عمل كامل، فعلى سبيل المثال تراوح سعر فنجان القهوة في المقاهي الشعبية وغير الشعبية مابين 175 و 300 ليرة، وكوب العصير الطبيعي مابين 250 و350 ليرة، والأركيلة مابين 225 و 350.
وفي حال افترضنا طلب الزبون فنجان قهوة وكوب عصير، وأركيلة، ستصل تكلفتهم في أدنى سعر إلى أكثر من 600 ليرة سورية، فضلاً عن المواد المفروضة على الفاتورة سواء طلبت أم لم تطلب والتي يتراوح سعرها حسب مستوى خدمة المطعم مابين 200 ليرة إلى 400، وهي عبارة عن عبوة مياه معدنية وعلبة محارم، وضرائب رفاهية على الفاتورة.
ووفقاً لهذه المعطيات، فإن مستوى المعيشة الذي كان معتاداً لأغلب الأسر السورية قبل الأزمة ، والترفيه، بات حكراً اليوم على شريحة معينة من المواطنين، بينما يستغل التجار انعدام الرقابة وعدم اكتراث الجهات الحكومية، برفع الأسعار أكثر فأكثر.
الفاتورة (محتكرة)
والمياه والمناديل (فرض)
وعدا عن رفع الأسعار في المطاعم والمقاهي بشكل مخالف، كانت الفاتورة قضية أخرى بحد ذاتها، حيث تمنع بعض هذه المنشآت الزبون من الحصول على نسخة منها، وأشار أغلب المشتكين إلى أن بعض المطاعم والمقاهي، تصدر فواتير مكتوبة بخط اليد، تتضمن عدة ضرائب غير معروفة، وليست ممهورة بأي ختم يوضح هويتها، مؤكدين أن (أغلب هذه المطاعم لا تعلن عن أسعارها في لوائح الطلبات، بحيث تكون الفاتورة هامشاً واسعاً للاستغلال، بينما يعلن البعض الآخر عن اسعار معينة ويتقاضى أسعاراً أخرى بحجة أن اللوائح السعرية قديمة وغير معدلة).
وهناك بعض المنشآت السياحية التي لا تقدم فاتورة بشكل نهائي، وتقتصر عملية الطلب والدفع على الحديث الشفهي بين النادل والزبون، وهنا يفقد الزبون أي حجة لمحاسبة المنشأة في حال تعرض للغبن.
وعدا عن ذلك، بات شراء عبوة مياه معدنية وعلبة مناديل ورقية وأجرة الطاولة بعض الأحيان، فرضاً لا مفر منه على الزبائن، وعرفاً متداولاً بين جميع المنشآت السياحية التي تقدم خدمات الإطعام، علماً أن هذا الأسلوب ممنوع قانوناً رغم انتشاره في جميع المطاعم والمقاهي، مايؤكد غياب الرقابة من الجهات المعنية، كون جميع هذه المنشآت دون استثناء مخالفة بهذا الصدد.
الكل مخالف والضبط صعب
وفي بعض الكافتيريات والمقاهي، وعلى الرغم من الاستغلال الحاصل في الأسعار، يفرض على الزبون أن يطلب طلباً كل نصف ساعة، وبذلك تزيد القيمة المترتبة عليه كل نصف ساعة ، وإلا قد يتعرض للطرد (بشكل مهذب) من المكان.
وبدوره، أكد مدير الخدمات والجودة السياحية في وزارة السياحة السورية، المهندس زهير أرضروملي أن (جميع) المنشآت السياحية في سورية مخالفة عبر فرض سعر عبوة المياه وعلبة المناديل الورقية على الزبائن رغم عدم طلبها.
وأشار إلى (صعوبة) ضبط جميع مخالفات المنشآت السياحية بدمشق نتيجة كثرة عددها مقارنة مع عدد اللجان الرقابية وقلة الشكاوي المقدمة من المواطنين، قائلاً إن (عدد دوريات ضبط المخالفات 12 لجنة، كل لجنة مؤلفة من شخصين، وكل لجنة تزور يومياً من 5 إلى 6 منشآت أي يومياً تقوم اللجان بزيارة 40 إلى 60 منشأة، وبحكم القانون لا يحق لنا زيارة المنشأة الواحدة إلا كل 15 يوم مرة) مؤكدا أن (عدد المنشآت السياحية في دمشق 700 منشأة).
وتابع أرضروملي (هناك لوحات تعريفية خاصة بالمنشآت السياحية ستوزع عليها قريباً، بتصاميم جديدة لتحديد نجوم هذه المنشآت وأسعار خدماتها، وستكلف اللوحة كل منشأة 15 ألف ليرة سورية)، مؤكداً (تحديد مهلة زمنية لتركيب اللوحات الجديدة بعد تسديد قيمتها للخزينة المركزية بوزارة المالية، وبعدها تعتبر المنشأة مخالفة إن لم تعرض اللوحة في مكان بارز، وتدرج أسعارها في قوائم الطلبات على الطاولات).
وأكد أرضروملي أن مطاعم النجمة الواحدة تابعة لوزارة التجارة الداخلية والإدارة المحلية، أما مطاعم النجمتين فما فوق فهي تابعة لوزارة السياحة من ناحية الرقابة.
وعن قضية الفواتير، قال أرضروملي إن (الفاتورة حق الزبون ويجب أن تكون مطبوعة ومروسة باسم المطعم وفيها السعر الإفرادي والإجمالي والضريبة ومتطابقة مع طلب الزبون .. و أي شيء مخالف لذلك يوجب الشكوى عبر الرقم 137 وبذلك يتم مخالفة المطعم وفرض غرامة مالية عليه)، مشيراً إلى أن (عدم منح الزبون نسخة من الفاتورة أمر مخالف لقانون حماية المستهلك بوزارة السياحة ووزارة المالية، وينظم بهذه المخالفة ضبط يتم احالته للقضاء والجهات المختصة ووزارة المالية).
وأوضح مدير الخدمات والجودة السياحية أنه (من حق الزبون إن كانت الوجبة لا تحقق شروطه، أن يقوم المطعم بتغييرها وأن يدفع سعرها لمرة واحدة فقط، بحيث تكون عملية التبديل على حساب المطعم).
الخبز المدعوم مخالفة أخرى
وتقدم أغلب المطاعم في دمشق، الخبز المدعوم من الدولة بعد تقطيعه، إلا أن ذلك مخالف للقانون وفقاً لأرضروملي، الذي قال إن (الخبز المدعوم من الحكومة ممنوع تقديمه في المطاعم، ويجب تقديم خبز بنوعية أخرى).
وأكد أنه (لايوجد ماسيمى بأجرة فتح طاولة، وأن علبة المناديل وعبوة المياه ليست إجبارية، وإجبار الزبون على الطلب كل نصف ساعة مخالف أيضاً حيث لاتوجد مدة معينة لإشغال الطاولة)، وبهذه المعطيات تكون جميع مطاعم ومقاهي دمشق على الأقل مخالفة للقانون دون أي رادع.
وتابع (لا يوجد فترة معينة لاشغال الطاولة داخل المنشأة، فقد قمنا بزيادة الأسعار 30 % على الزباين الذين لايطلبون سوى المشروبات، لتحقيق التوازن بين الزبون و المنشأة)، مشيراً إلى أن الضرائب التي يتوجب دفعها هي ( 5 % ضريبة الانفاق الاستهلاكي للمطاعم 2 و3 نجوم، و10 % للمطاعم 4 و5 نجوم، و2.5% رسم الادارة المحلية، والبعض يضع 0.5 % رسم خدمات، و أي رسم او ضريبة أخرى على الفاتورة غير موجود على لائحة الأسعار المعتمدة من وزارة السياحة لايجب دفعها مهما كانت تسميتها).
ونوه إلى وجود مشروع قانون قيد الدراسة بخصوص ضريبة الإنفاق الاستهلاكي، تتعلق بآلية جبايتها وكيفية فرضها.