حتى أنت يا (حَبّ العزيز)
في عشوائيات المدينة، التي تعاني أساساً من سوء الخدمات المقدمة، وقلة الاهتمام من قبل محافظة دمشق، كانت الأمطار الأخيرة كارثية بالنسبة لعشرات الأسر في منطقة ركن الدين، وزادت من سوء حال البنية التحتية التي لم تتعرض للصيانة منذ سنوات طويلة.
جرفت سيول الأمطار الغزيرة التي تحولت إلى رذاذ جليدي أو ما يعرف بـ»حَبّ العزيز» في 29/3/2015، كل ما وجدت في طريقها من سيارات وبشر وحجارة وركام، حتى أن «الزفت قُلع من الأرض كونه مهترئ وقديم جداً»، بحسب أهالي المنطقة.
وانلي ثالث في وادي سفيرة بركن الدين، كان أكثر المناطق المنكوبة إثر تساقط الأمطار الغزيرة، فمن السكان من فقد بضاعة محله التجاري، ومنهم من خسر سيارته أو خسر حياته، في سيل جارف كشف عيوب البنية التحتية هناك، فلا المسارب المطرية التي ادعت محافظة دمشق توفرها هناك استطاعت حل المشكلة ولو بجزء بسيط، ولا الصرف الصحي ساهم بذلك، وعلى العكس بدأت فتحات الصرف الصحي تضخ ما بداخلها إلى الخارج لتزيد الأمر سوءاً.
في الجهة المقابلة، ساهمت عشوائية وعدم تنظيم وسائل النقل هناك، بحصد أرواح البعض والذين قدر عددهم بالثلاثة وفقاً لأحاديث متضاربة لأهل المنطقة، فالسيارات المغلقة الصغيرة، تعمل هناك كوسيلة وحيدة لنقل الركاب يقودها أحداث لم يبلغوا الـ 18 أو الـ 20، وفي حادثة «السيل الجارف»، سارت هذه السيارات بالاتجاه المعاكس للسيل خلف بعضها بانتظار انتهاء «الكارثة»، فتحولت تلك السيارات إلى سد كبير ساهم برفع منسوب المياه وإغراق المحلات والمنازل.
«سيارة مركونة على جانب الطريق انزلقت، وحاول رجل خمسيني أن يسندها، دون أن ينتبه إلى وجود سيارة أخرى تتبعها، دفعت به إلى الجدار واستقرت فوقه، وبعدها جاءت 4 سيارات خلفها ليكون هذا الرجل الضحية الأولى متوفياً قرب باب منزله، تاركا خلفه عائلة أثقلتها الهموم»، هذا ما قاله أبو فهد صاحب أحد المحال التجارية في الحي، والذي شهد الحادثة منذ بدايتها، واصفاً إياها بـ «الكارثة التي لم تبق شيء على حاله، وسببت أضراراً كبيرةً للأهالي»، مقدراً الأضرار التي لحقت بمحله بـ «250 ألف ليرة، إضافة إلى 150 ألف ليرة سورية أضرار سيارته التي جرفها السيل».
الأضرار كبيرة هناك، وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض لها الحي لأزمة سيول بعد الأمطار، إلا أن الأمطار الأخيرة خلفت سيلاً أكبر وأكثر عنفاً، بحسب السكان، الذين أكدوا بأن بعض «الردم والركام» المتراكم في الجبل كان بمثابة أدوات قاتلة ومدمرة بعد أن حملها السيل، علماً أن الأهالي ناشدوا المحافظة مراراً لإزالتها دون جدوى!
لا تعويض.. نظموا عريضة!
تعويض الأضرار أمر مستحيل بالنسبة لمحافظة دمشق، فلا قانون رسمي ينص على تعويض المواطنين نتيجة هكذا كوارث، لكنها اقترحت على السكان تنظيم عريضة لمجلس الوزراء وتقدير الخسائر علّه يصدر قانوناً استثنائياً بحقهم.
يطالب المواطنون في ركن الدين، وخاصة في المنطقة المنكوبة، أن تقوم المحافظة على الأقل بإعادة ترميم ما تم تدميره جراء السيل، والأهم إعادة تعبيد الطرقات التي امتلأت بالحفر، فلا يكفي إزالة ما خلفه السيل، ومن المفترض من وجهة نظرهم، إسعاف المنطقة بالمعالجة، إضافة للحلول الاستباقية قبل قدوم شتاء العام القادم.
وطالب السكان، بوضع عناصر من شرطة المرور في المنطقة كلها «ركن الدين»، وخاصة بعد ازدياد عدد السيارات المغلقة التي تعمل عشوائياً، والتي أثارت الكثير من المشاكل بعيداً عن قضية «السيل الجارف».
محافظة دمشق تعترف بعجزها..
محافظة دمشق أكدت في تصريحات لها أنها لم تستطع أن تفعل شيئاً لحظة «الكارثة بسبب كثافة المياه، وضيق الطرقات، مما سبب صعوبة في وصول السيارات الكبيرة إلى مكان السيل»، وأكدت عجزها بقولها «لا يوجد في العالم نظام يستوعب كمية مياه كبيرة كالتي شهدناها»، معبرةً عن عجزها في توفير الخدمات للمنطقة بأن «الزفت يهترأ هناك بسرعة بسبب تضاريس المنطقة، وهو بحاجة للتعبيد كل شهرين تقريباً، ونحن نعاني من قلة توفر الزفت بسبب أزمة المازوت التي شهدناها».
وأردفت «الحي المنكوب يشهد عمليات إعمار مخالفة ويمر به خط السيل اساساً، ولم يكن الوضع سابقاً بهذا السوء، لكن العمار المخالف زاد المشكلة هذا العام، كون الحي مكان التقاء خطوط المنحدرات، وطريق رئيسي للسيل».
ووفقاً لادعاءات المحافظة، فإنّ حل هذه المشكلة كان مطروحاً منذ بدأت التغيرات المناخية العالمية في عام 2009، «فالمشروع الأول للحل هو تحويل خط السيل، والحل الثاني هو استقرار المنحدرات، لمنع ترافق المياه بالأحجار الكبيرة والأتربة» إلا أن شماعة الجهات الحكومية ذاتها، وهي الأزمة كانت المعطل الرئيسي للتطبيق، رغم أن الدراسة تم وضعها قبل الأحداث بعامين.