ارتفاعات كبيرة في أسعار الأجارات و«الإجراءات الرسمية» تزداد تعقيداً

ارتفاعات كبيرة في أسعار الأجارات و«الإجراءات الرسمية» تزداد تعقيداً

هدأت حركة النزوح، مؤخراً، إلى داخل مدينة دمشق قليلاً، ولكن عملية البحث عن منازل جديدة للاستئجار مازالت قائمة، وقلة توفر هذه المنازل ساعد التجار على الاستغلال أكثر فأكثر. في حين انحسرت المنازل المعروضة للتأجير بذات الشقق التي كانت مؤجرة سابقاً، والتي اعتاد أصحابها على تأجيرها وفق مدد محددة، وكلما انتهت مدة استئجار أحدهم رفعوا الأجرة ليخرج الزبون باحثاً عن بديل آخر أقل كلفة، في عملية دائرية تزداد بها تسعيرة الأجرة كلما اقترب المستأجر من نقطة البداية بعد خروجه منه.

وأصبحت المنازل المعروضة للتأجير شبه مفقودة في عدة مناطق، مثل ركن الدين وجرمانا، وبقيت متوفرة لكن بقلة في بعض المناطق الأخرى على أطراف دمشق مثل ضاحية قدسيا والجديدة.

أسعار مضاعفة

وأكد مواطنون، بأن «أجرة الشقق في منطقة جرمانا ارتفعت أضعافاً في الفترة التي توترت بها الأوضاع الأمنية بمنطقة الدخانية، ما دفع بعض سكانها للنزوح إلى جرمانا، حيث وصلت أجرة الشقة المفروشة بحي الحمصي إلى حوالي 40 و45 ألف ل.س».

وتابعوا «تشهد منطقة الحمصي حركة عمرانية بسيطة، بتشييد أبنية جديدة، بكسوة وفرش جديدين، ما دفع أصحاب هذه المنازل لرفع الأجرة، وشجع باقي أحياء جرمانا لركوب الموجة».

وبعد عناء البحث الطويل الذي قد يستغرق أشهر قبل خروج المستأجر للحصول على شقة جديدة يصطدم بإجراءات جديدة، تزداد تعقيداً كلما اقترب من دمشق، كي يحصل على عقد الاستئجار لمدة معينة وبسعر مرتفع جداً، حيث وصل في منطقة العشوائيات بركن الدين وسط دمشق إلى أكثر من 30 ألف ليرة سورية للمنزل المؤلف من غرفة وصالون مفروشين.

دائرة الأجرة والإجراءات

يشتكي «محمود»، وهو في الـ23 من العمر، من أن عائلته تضطر كل ثلاثة أشهر لتغيير مكان سكنها، إلا أنها عادت مؤخراً إلى أول منزل استأجرته في كفرسوسة عام 2012 بعد نزوحهم من مخيم اليرموك.

يقول «كنا قد استأجرنا المنزل المفروش بـ35 ألف ل.س عام 2012، وارتفعت الأجرة 5 آلاف بعد 6 أشهر، مادفعنا للتنقل بين عدة منازل أخرى، لكن عدم توفر منزل بالسعر الذي يلائمنا مؤخراً، دفعنا للعودة إلى المنزل الأول كونه الأرخص نسبياً، وفوجئنا بأن أجرته أصبحت 50 ألفاً، وقد طلب منا صاحب المنزل نهاية هذا الشهر، زيادة الأجرة إلى 55 أو أن نخرج».

وأردف «الغريب في القضية، هو تكرار بعض اجراءات الاستئجار رغم عودتنا إلى المنزل الذي كنا قد استأجرناه سابقاً، وخضوعنا لها في كل منزل استأجرناه» مشيراً إلى أن «هذه الاجراءات التي بدأت مع بداية الأزمة في البلاد، قد تستغرق أسبوعاً أو أكثر، وقد لا تتم نهائياً، وتفشل عملية استئجار المنزل لأن إحدى مراحل هذه العملية لم تكتمل أو تأخر إنجازها».

ويشرح محمود هذه الإجراءات بأنه على «المواطن أن يذهب شخصياً لمختار المنطقة المراد السكن فيها لأخذ وصل استئجار، ومن ثم الذهاب لإحدى الجهات الأمنية ويملأ استمارة تفصيلية عن وضعه وعائلته وعدد الأشخاص في المنزل مع صور الهوية الشخصية، وبعد عدة أيام تأتي الموافقة وقد تتأخر أكثر، وبعد الحصول عليها يتوجب الذهاب إلى المخفر ليجري تصديقها، وبعدها إلى المحافظة لتصديق العقد».

وأكد أن هذه الإجراءات كانت تتم سابقاً عن طريق البلدية بعد تقديم الأوراق المطلوبة، أما حالياً فقد توجب على طالب الاستئجار القيام بهذه المراحل شخصياً.

إجراءات أمنية!

«حسام»، مستأجر في منطقة الدويلعة، أكد وجود عدة مراحل يجب على المواطن اجتيازها قبل عملية الاستئجار، لكن الخطوات التي أشار إليها اختلفت قليلاً عما تقدم به «محمود» في منطقة كفرسوسة، ماقد يشير إلى اختلاف الإجراءات من منطقة إلى أخرى.

يشرح حسام «تبدأ عملية الاستئجار، أولاً بذهاب صاحب المنزل والمستأجر إلى مختار الحي للحصول على ورقة منه لتقديمها للمخفر، وبدوره يطلب قسم شرطة المنطقة ورقة من المختار حول الطرفين مع صورة عن هوية المستأجر وكل من سيقيم معه بالمنزل المراد استئجاره للقيام بإجراءات التعريف الأمني والتي تعني عدم وجود أي مذكرات جلب بحقهم».

وتابع «ورقة التعريف تحتاج إلى نحو أسبوع على الأقل للحصول عليها وتمهر بخاتم رئيس قسم الشرطة القائم بالتعريف وتتضمن السماح للمستأجر بإشغال المنزل كون ليس هناك أي مانع قانوني».

وأردف «يلي ذلك الذهاب إلى المحافظة لتثبت عقد الإيجار، وهناك تتم إجراءات عديدة تتضمن التنقل بين الموظفين لختم العقد ودفع الرسوم، حيث توجد خمس نوافذ يتنقل العقد بينها».

وأكد «قد يضطر الطرفان للعودة للنافذة أكثر من مرة بعد اجتيازها للحصول على توقيع أو ختم، في عملية قد تستغرق ساعات» مشيراً إلى أن «كلفة عقد الأجار مع الطوابع حوالي 1200».

وهنا يتبين أن قسم الشرطة في الدويلعة هو من يتولى التواصل مع الجهات الأمنية، بينما يضطر سكان منطقة كفرسوسة لمراجعة فرع أمني.

وتأكيداً على اختلاف تفاصيل الإجراءات، أكد مستأجرون في منطقة ركن الدين بأن مخفر الشرطة يطلب صوراً شخصية لجميع من سيشغلون المنزل، بينما أكد مستأجرون آخرون في منطقة صحنايا بأن المخفر يطلب اخراجاً للقيد للأطفال الذين ليس بحوزتهم هوية شخصية.

رحلة إلى دمشق لاتمام العقد

استئجار المحال التجارية «لايتطلب تلك الموافقات الأمنية» بحسب أحد المستأجرين بمنطقة صحنايا، الذي قال مفضلاً عدم ذكر اسمه إن «معاناة مستأجري المحال التجارية بريف دمشق تكمن بعدم وجود دوائر تابعة لوزراة المالية هناك، حيث يجب على المستأجر بذل المزيد من الجهد والوقت لاستكمال الأوراق برحلة إلى دمشق».

وتابع «بعد أن يستكمل المستأجر الأوراق المطلوبة ويقوم بتصديقها في البلدية، يحصل على وصل لدفع الرسوم، وهنا يتوجب عليه مراجعة المالية في دمشق».

الباحث في الشؤون العقارية عمار يوسف، أكد لـ«قاسيون» بأن إجراءات استئجار المحال التجارية في الأرياف «مزعجة»  لكنها «ضرورية للحد من عمليات التزوير التي انتشرت بشكل كبير مؤخراً»، مقترحاً أن «تفتتح وزارة المالية غرفة أو مقراً بكل بلدية بشكل رسمي لتخفيف الأعباء على المواطنين والحد من التزوير».   

التشديد يزداد في المناطق الآمنة

وحول الإجراءات الأمنية لاستئجار المنازل، فقد أكد يوسف بأن ذات الخطوات موجودة بكافة المحافظات السورية، لكنها تكون بدقة أكبر في المناطق الآمنة وخاصة بدمشق (مشروع دمر وقدسيا) وفي الريف بـ(صحنايا وجرمانا).

وأكد بأن ذات الإجراءات الأمنية كانت سابقاً تتم بالتنسيق بين البلديات والجهات الأمنية، دون وجود المؤجر والمستأجر شخصياً، مشيراً إلى «وجود دوريات أمنية تقوم بمراجعة لجان الأبنية للاستفسار عن المستأجرين».

ونفت محافظة دمشق بدورها، لإحدى الوسائل الإعلامية، أن تكون قد صدرت أي إجراءات أو قوانين جديدة لاستئجار العقارات، مؤكدةً أن «هذه الإجراءات قد تكون صادرة عن وزارة الإدارة المحلية السورية».

البيع والشراء في جمود

وفي سياق آخر، أكد يوسف بأن «جموداً كبيراً يطال حركة البيع والشراء في السوق العقارية حتى في العشوائيات»، بينما تشهد عمليات التأجير ارتفاعات شاهقة وكبيرة في الأسعار، نتيجة فرز المناطق إلى آمنة وساخنة، حيث تم رفع الأجار من قبل المستغلين إلى أربعة أضعاف ما قبل الأزمة، فكان المنزل الذي يتم تأجيره بـ 20 ألف ليرة أصبح حالياً بـ 80 ألف ليرة.

وعن أسباب توقف عمليات البيع والشراء، قال «إن السبب يعود إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة وعدم استقراره، حيث أن البائع يخشى من أن يبيع عقاره بمبلغ معين بالليرة السورية ويخسر بعد فترة وجيزة قيمة العقار المادية لانخفاض سعر صرف الليرة، لذا يحجم عن البيع والشراء إلى أن يستقر سعر الصرف عند مستوى محدد ولمدة زمنية كافية، كما أن من الأسباب عدم وجود قدرة شرائية لدى المواطنين وتحويل بعض أموالهم إلى قطع أجنبي، وبالتالي لم تنخفض أسعار العقارات بل ارتفعت وهذا الارتفاع وفق يوسف وهمي لأنه لا يوجد بيع ولا شراء».

20 عملية بيع 

و220 مليون سعراً لمنزل!

وأكد يوسف، بأن دمشق لا تشهد سوى ما بين 20-25 عملية بيع وشراء عقارات أسبوعياً، في حين كانت سابقاً تسجل أرقاماً بالمئات، أما في ريف دمشق فتتراوح عمليات بيع العقارات ما بين 10-20 عملية بيع أسبوعياً.

وأوضح يوسف أن أسعار بيع وشراء العقارات في ارتفاع، حيث يبلغ سعر شقة في ضاحية قدسيا مساحتها 185 متر حوالي 20 مليون ليرة، حسب الكسوة، بينما يبلغ سعر منزل ضمن منطقة أوتستراد المزة مساحته 200 متر حوالي 220 مليون ليرة.

وبالنسبة للطلب على المساكن حالياً في مدينة دمشق، قال يوسف «يتركز الطلب حالياً في المناطق الآمنة مثل صحنايا وضاحية قدسيا والمزة ومساكن العدوي».