الحسكة.. تحت سيطرة الدولة وخارج اهتمام الحكومة
بعد سنوات من العمل كمعلم في إحدى مدارس ناحية اليعربية التابعة لمحافظة الحسكة، والمحاذية للعراق، استطاع علي وبمساعدة الأهل، بناء بيت ريفي متواضع يؤويه مع عائلته الصغيرة، لكن إقامته في هذا المنزل لم تدم طويلاً بعد المعارك العسكرية العنيفة التي شهدتها الناحية، والتي اضطرته في نهاية الأمر لترك منزله والعيش في منزل مستأجر بمدينة القامشلي يدفع لصاحبه كل شهر عشرة آلاف ليرة.
وللحصول على الكهرباء التي تنقطع لأكثر من عشرين ساعة يومياً، اشترك علي في مولدة كهرباء خاصة تؤمن له تشغيل الإضاءة والتلفزيون والبراد، مقابل أربعة آلاف ليرة شهرياً، ونحو ألفي ليرة شهرياً لتأمين هاتف يعمل بالشبكة التركية بعد أن غابت الشبكة السورية التي عادت للعمل قبل أيام بشكل متقطع.
ومثل هذه المبالغ، يدفعها علي لتأمين كثير من الخدمات، وبينها حتى شراء الماء، بعد أن فشلت الحكومة في تأمينها بحجة الظروف الراهنة بينما ينجح القطاع الخاص بتأمين كل متطلبات الحياة ولكن بأسعار مضاعفة عدة مرات، وينطبق الشيء ذاته على أسعار المواد الغذائية الأساسية التي كانت في الأصل تحت سيطرة التجار الذين وجدوا من الأزمة مبرراً لرفع الأسعار.
وتمثل قصة المعلم علي، نموذجاً لواقع الحياة الصعب على سكان المحافظة الذين يكافحون بشتى الطرق لاستمرار حياتهم، حيث يلجأ عدد كبير منهم للعمل في مهن أوجدتها الأزمة السورية، وعلى رأسها بيع وتكرير النفط الخام بطرق بدائية عن طريق حراقات تسبب تلوثاً رهيباً، لكنها تؤمن قسماً كبيراً من حاجة المحافظة من البنزين والمازوت الذي تخلت الحكومة عن مسؤوليتها في إيصاله للمحافظة.
واضطر عبدالعزيز، لإرسال ولديه الشابين إلى تركيا للعمل هناك في مزارع باتت قبلة لكثير من السوريين الذين وجدوا في الجار القريب مكاناً للعمل بعد صعوبة التوجه إلى لبنان أو الأردن أو دول الخليج التي كانت مقصداً لكثير من أبناء المحافظة خلال السنوات الماضية.
وبعد نحو أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة السورية المركبة والمعقدة، بقيت محافظة الحسكة خاضعة بشكل شبه كامل لسيطرة الدولة عسكرياً وأمنياً، باستثناء بعض مناطق الريف النائي في المحافظة الشاسعة، لكن ذلك لم يعني أنها تحت سيطرة الحكومة وجهازها المدني الذي فشل في حل أغلب المشاكل التي خلفتها الأزمة.
ولم تستطع مؤسسات الحكومة تقديم حلول للمشاكل التي نشأت بسبب الأزمة السورية، وطوال أكثر من ثلاث سنوات، ازدادت هموم السكان بشكل كبير مع فقدان متتابع لأبسط مقومات الحياة، وأصبح تصنيف المحافظة تحت سيطرة الدولة وخارج سيطرة الحكومة هو الأقرب للواقع.
تهميش متجدد
بعد أحداث آذار في العام 2011، والتي انتقلت إلى المحافظة بشكل مبكر، كان من المتوقع أن تنال المحافظة نصيبها من الاهتمام الحكومي، كرد فعل منطقي من الحكومة على سنوات طويلة من التهميش الحكومي لخزان سوريا النفطي، ومصدر قمحها الرئيسي، لكن الظروف التي أنشاها الصراع السوري استخدم كمبرر حكومي لتقصيرها المتجدد.
وتوحي الاجتماعات الرسمية ومايصدر عنها من قرارات، سواء في العاصمة دمشق، أو على مستوى المحافظة، بأن خطوت حكومية كثيرة تتخذ وبشكل يومي لتحسين واقع الحياة في الحسكة، ومواجهة تبعات الأزمة السورية التي ضربت الحسكة بطبيعة الحال، وهي قرارات تشمل أدق تفاصيل الحياة في المحافظة.
لكن متابعة تفاصيل حياة أي أسرة من أسر المحافظة، والمصاعب التي تواجهها في سبيل استمرار الحياة، تعكس الجانب الآخر للحقيقة، وتكشف أن مايتم اتخاذه في قاعات الاجتماعات لايجد سبيله للتطبيق على أرض الواقع، ليصبح حلم الأسرة هو العودة إلى ماقبل أيام الأزمة السورية بكل مافيها من متاعب.