من الذاكرة : لست أخاف تهديدك
أبدأ هذه الزاوية بتحية عطرة أهديها إلى رفيق قديم من الرفاق الذين يصح أن يطلق عليهم لقب «الذهب العتيق» وأحيي فيه همته وحيويته، وقد تجاوز الثمانين من عمره، ولم يسأم تكاليف الحياة، بل مازال مواظباً على متابعة تثقيف نفسه بالقراءة والاطلاع، كما يحاول صادقاً مساعدة رفاقه بتقوية ثقافتهم التي يعتبرها سلاحهم الماضي في فهم واستيعاب الأوضاع المعاشة، ليكون أداؤهم أجدى في الصراع الدائر
شأنه شأن أستاذه الراحل الأديب الكبير والشيوعي المزمن عبد المعين الملوحي القائل:
«وكنت من الأحرار إن قيل من فتى
برزت ودوّى كالرعود جوابيا
وعشت اشتراكيا إن جاع جائع
أحس لهيب الجوع يكوى فؤاديا
وإن ثار في الأرض العبيد وجدتني
نصيراً لزحف الثائرين مواليا
وإن أرهق الشعبَ الطغاةُ رأيتني
على كل طاغ فيه أنقض بازيا»
وشأن معلمه الأستاذ عبد الكريم محلمي، وأصدقائه نجاة قصاب حسن، إلى جانب غيرهم من الرفاق الذين لم ينالوا حقهم في إضاءة ما قدموا من جهد ونضال وتضحية، إنه الرفيق أبو حسن عدنان شعيب الذي ما برح يجد حقيقة سعادته وأمله المنشود في أن يبقى ضمن ركب المناضلين لخير الشعب والوطن. وهذا ما ذكرني بقول لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين:
«أحب أن أفكر، وأحب أن أبحث، وأحب أن أعلن إلى الناس ما أنتهي إليه بعد البحث والتفكير، ولا أكره أن آخذ نصيبي من رضا الناس عني، أو سخطهم علي، حين أعلن إليهم ما يحبون أو ما يكرهون».
هذا القول الذي تعلمت منه ما صقل تجاربي وأغنى عملي وشحذ عزيمتي في أداء دوري الذي أومن به في سبيل سعادة شعبي الحبيب وبلادي الغالية. متابعاً البحث الجاد في سجل نضال الرفاق.. في تاريخ الحزب.. وتاريخ الوطن. وأختم الزاوية بإضاءة سريعة على رفيق طبيب أحب مهنته الإنسانية ككثير من الرفاق الأطباء، وأخلص في تعامله مع الناس، ومعالجة المرضى الفقراء بكل الاهتمام والمتابعة، وفي تقديم الدواء لمن لا يستطيع شراءه، هو الدكتور إلياس ورد هذا الإنسان المهذب واللطيف والطيب تعرض لتعذيب عنيف في أقبية المباحث والسجن، وفي إحدى المرات شَهِد ضراوة أحد المحققين الجلادين الساديين في التنكيل برفيق فتى، فانبرى للدفاع عنه، وتحمل في سبيل ذلك أشد البطش والتنكيل، حتى أن المحقق شهر مسدسه مهدداً بقتله، فصرخ الرفيق إلياس في وجهه متحدياً:
«أطلق النار يا جبان.. فلست أخاف منك ومن تهديدك».