حلب.. سوقُ أزماتٍ لِمَن يشتري..!؟
الأزمة بأعوامها الثلاثة والنَيّف..حولت حلب إلى سوق مفتوح، وكل مشكلة هي نواة لتجارة مربحة..وهذا ما فتح شهية الفساد المسلح، بتكاتف مع قوى الفساد لابتلاع المدينة بشتى السبل..!
في حلب أنت تقف أمام كتلة سرطانية من أزمات مستعصية على العلاج، وفي ظل وضع أمني، هو الشماعة التي تعلق عليها كل الكوارث التي تلحق بها، فمع بدء الأعمال المسلحة فيها عُزلت عن محيطها وقُطّعت السبل والطرقات إليها، واشتعلت أجور المواصلات فيها، مما منع المواطنين من العبور منها وإليها - وحرم كثير من الطلاب من إكمال تحصيلهم العلمي.
تقول زينب وهي طالبة جامعية من إحدى قرى حلب الشرقية : الطريق إلى حلب يستغرق 9 ساعات تقريباً، وبلغت أجرة النقل إلى 2000 ل.س، كما أنني لم أستطع الحصول على سكن داخلي في المدينة الجامعية، بسبب وجود النازحين، مما اضطرني للمكوث عند أحد أقربائي الأمر، الذي حملهم عبئاً مادياً ومعنوياً، في الوقت الذي استعرت فيه أجور السكن.
كما تعرض الكثير من الموظفين للفصل، بسبب انقطاعهم عن العمل، وأرهق المرضى بدنياً ومادياً لطول المسافة الواجب قطعها، إضافة لارتفاع أسعار الأدوية وأجور الأطباء إن وجدوا أو من تبقى منهم.
يقول حمود وهو رجل كبير في السن، أصيب بعدة كسور متبدلة في حادث سير بمنطقة مسكنة: اضطررت لحجز 3 مقاعد في السيرفيس للمجيء إلى حلب ودفعت لقاء ذلك 10000 ل.س، ناهيك عن طول الطريق نتيجة تفادي حواجز المسلحين، كل ذلك يثقل كاهل المواطن بمبالغ باهظة نتيجة غلاء أسعار المحروقات من جهة، وخطورة الطرقات مما يضطر السائق لتحمل أعباء المخاطرة، إضافة إلى حصة الحواجز التي يجب ألا تغفل، وهو يحملها كلها أو جزءاً كبيراً منها للمواطن.
قطع المواصلات إلى المدينة وانقسامها، إلى قسم شرقي وغربي، كان له أثر آخر في إشعال أسعار المواد الغذائية والأساسية، مما أرهق جيوب المواطنين وعرضهم لبرنامج تقشف جائر، حاولوا تجاوزه بالآمال التي بثت عن إنجازات عسكرية على الأرض، والتي قد تساهم في تخفيف العبء.. لتأتي خالية من أي جديد، فالمدينة بما يمثله قسمها الشرقي، من أيدي عاملة ومواد أولية (أدوات إنتاج) وما يمثله قسمها الغربي، من سوق لتصريف المنتجات وتعرضت البضائع للكساد والتلف بدايةً، وارتفاع أسعارها وندرتها ثانياً.
فراس مزارع في ريف حلب يقول: مزروعاتنا تتعرض للكساد بسبب سوء الطرقات، مما يضطرنا لبيعها بأسعار زهيدة، حيث يبلغ سعر كيلو البندورة بـ 5 ل.س بينما يتم بيعه في المدينة بـ 90 ل.س، وبالتالي تقف تكلفة كيلو رب البندورة بـ 50 ل.س عند المزارع، ويباع عند التاجر بـ 700 ل.س. هو فارق يدفع ثمنه الفلاح المنهك من أعباء الزراعة والوضع الأمني من جهة، ويدفعه المواطن في المدينة من جهة أخرى، لتصب الأموال في جيوب التجار. ما يحدث هو انعكاس للسياسات الدردرية، من فتحٍ للأسواق، وإغراقها بالبضائع الأجنبية، وفتح باب الاستيراد والذي كان الضربة القاضية التي دمرت الصناعات المتوسطة والصغيرة في المدينة، وحولت عمالها إلى أدوات للحرب، وأعواد قش، حرقت ما تبقى من صناعاتها وأسواقها، ولتغدو أي محاولة لإحيائها هي كمن يبعث ميتا من تحت الرماد..
ما استخدمه المسلحون من أساليب ضغط على النظام، فتح أعين الفاسدين ومرتزقة الأزمة على المدينة، لتتضاعف أزماتها بدءاً من الخبز والمواد الغذائية، ولتتقنون وتظهر ملامح الصفقات، في أزمات المحروقات والكهرباء من خلال شحنات المولدات والشواحن، التي أغرقت الأسواق، وصولاً إلى أزمة المياه التي تدخل يومها 65 دون أن تتمخض عن حل والتي لن تنتهي..
أزمات جعلت المعركة على أرض المدينة، لتصبح بين الشعب، والفساد المسلح، مما أظهر تواطؤ بعض مسؤوليها..أياد أخطبوطية تستغل عجز مؤسسات الدولة عن القيام بعملها، وتنحيها عن دورها، معرقلة الحلول لإطالة أمد الأزمة، وهو ما أعطى المفسدين ملاعباً، والمتشدقين منابر، والمتواطئين مكاسب.
والحل في المدينة يكون بفتح المعابر في أطراف المدينة، وإزالة القيود الأمنية المتسببة أحيانا باستغلال حاجاتها، وخاصةً معبر بستان القصر، الذي له الأثر الأكبر في حل أزمتها على المستوى الاقتصادي والأمني والاجتماعي.
لقاء وشجونٌ ووعود
عقد لقاء مع وزير المصالحة الوطنية د.علي حيدر، بحضور مسؤولين من محافظة حلب، حيث قدم الوزير مداخلة، تضمنت في البداية جوانب عاطفية وتاريخية تتعلق بمدينة حلب وريفها، ونوه إلى أن الأزمة لها بعد دولي، وهذا الجانب دخل على الأزمة السورية من خلال العيوب الداخلية، واعتبر أن الفساد ليس جريمة بل بمستوى الخيانة، والمصالحات يجب أن تتم بشكل غير مذل، وأن تكون عبر المحافظين في كل مدينة.
أما حديث المحافظ فتركز على الحسم العسكري وصلح الأقوياء، وتجاهل معاناة أهالي حلب اليومية، وقائد الشرطة تحدث عن آليات لتسوية أوضاع من يود تسليم نفسه، وأن اللجنة الأمنية تدير موضوع الخدمات، أما الأمور العسكرية فهي بأيدي أصحاب الشأن.
المداخلات قسم منها ركز على كبس المصطلحات دون النظر إلى أولى الأولويات، وهذا الجانب مهم، لكن مكانه ليس في اجتماع كهذا بالإضافة إلى قسم لامس هموم جدية يعاني منها أهل حلب وريفها، أهمها:
تهميش الشباب والاعتقال الكيفي، وابتزاز المواطنين على الحواجز، واختفاء أشخاص وثم تحديدهم ضمن منطقة سيطرة النظام، واعتبار العامل بحكم المستقيل لأسباب كيدية أو تتعلق بصعوبة التنقل والإقامة..
وتحدث رفاقنا حول مسألة الغلاء والكهرباء والماء والحواجز وإساءاتها وغلاء النقل، مما يؤثر بشكل كبير على الأسعار، ومسألة المعبر وأهميتها القصوى لأهالي مدينة حلب وريفها، حيث أن الوصول إلى مكان يتطلب في الماضي 3 دقائق أصبح الآن يتطلب 10 ساعات، مع ما يكلفه من جهد ومال ومخاطر، وضرورة إعادة المهجرين قسرياً داخل الوطن وخارجه إلى بيوتهم، وضرورة فتح هذا الملف. كما تم التركيز على مسألة المفقودين والمعتقلين وأهمية فتح ملفاتهم، لينعكس إيجابا على مسألة المصالحة الوطنية، مع تسليط الضوء على ظاهرة القصف العشوائي وضرورة وقفه، لخطورته على حياة وأمن السكان وممتلكاتهم، والدور السلبي الذي يحدثه في تقدم عملية المصالحة.
الحديث عن تأخر مدينة حلب وريفها، وعن أية تقدم في عملية المصالحة.. هو دور قوى الفساد الكبير وكل القوى المستفيدة من استمرار الأزمة على الرغم من أنه توجد قوى لا بأس بها تسعى لتحقيق تسويات وهدن ومصالحات يلزمها موقف جدّي من قبل النظام مع ضمانات.