من الذاكرة : في مواجهة الاستحقاقات القائمة
يسعدني ككل مجتهد أن يحظى اجتهاده بتقويم صريح وجدي، وتزداد سعادته إن اقترن ذلك باستحسان وتقدير، وفي كلتا الحالتين يؤدي التقويم دوره الواضح في إغناء الاجتهاد وتطويره إلى الأفضل والأصح، بما يحمله من نقد وملاحظات وتصويبات وإضافات وبصورة أساسية في الموضوعات التي تهم غالبية أبناء الشعب وتمس حياتهم ووجودهم، كالأحداث الدامية التي تعصف بالوطن.
فما يجري يستدعي وجوب إدراكه وفهمه بشكله الحقيقي، ليكون التعامل معه مجدياً، يجنب شعبنا الآلام والمآسي، ويوقف نزيف الدماء والقتل والدمار. وكما جاء في افتتاحية العدد 667، فإن المؤشرات والوقائع تؤكد تشكل المقدمات الضرورية لفتح أفق طور جديد من الحلول السياسية أكثر جدية من سابقة، ما يستلزم العمل الجاد على تجميع القوى الوطنية وصقل برامجها المتكاملة تحضيراً للمرحلة المقبلة.
إن في تاريخنا الحديث أكثر من دليل على صوابية هذا القول، ففي زمن قريب وبالتحديد قبل عشر سنوات أصدر الشيوعيون السوريون بياناً تحت عنوان «الوطن في خطر» وما زلت كالآخرين أذكر تأكيد البيان على أنه لا استقواء إلا بالداخل ولا رهان إلا على الشعب السوري، بكل ما يملك من تاريخ مليء بالمآثر والتضحيات ضد الاستعمار بكل أشكاله، وعلى قواه الفاعلة من عمال وفلاحين ومثقفين وطنيين وجنود وضباط بواسل، فهم عماد الوحدة الوطنية ونسيجها الحي، وليس أولئك الذين يقسمون الشعب إلى طوائف وأعراق ومذاهب وعشائر، ويتجاهلون شعار «الدين لله والوطن للجميع» ويعيثون فساداً ينخر في بنيان الوطن، وإن استمر فسيؤدي إلى تآكله وتداعيه.
وفي زمن أبعد، إبان الحكم الديكتاتوري العسكري (1949-1954) استطاع تلاحم القوى الوطنية مدنيين وعسكريين إنهاء حقبة مظلمة من تاريخ الوطن، لينبلج فجر مرحلة حملت لشعبنا ثمرات نضاله المجيد بقيام حكم وطني ديمقراطي شاركت في صنعه كل القوى الفاعلة في المجتمع.
وفي زمن أبعد أكثر، ومنذ عام 1925 مع تفجر الثورة السورية الكبرى، تجاوز المد الوطني الثوري الكاسح كل ما كان سائداً قبله من عصبيات ومذهبيات وعشائرية وانقسامات، ونجح في ترسيخ لحمة وطنية تابعت النضال بكل أشكاله المسلحة والسياسية إلى أن تحررت سورية الوطنية من كل المحتلين الغاصبين وأشرقت شمس الجلاء والحرية، واليوم نختصر ونقول: إن مذكرة التفاهم بما تضمنته من رؤى وأهداف، يمكن ويجب أن تكون أداة لكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها البلاد، فهي تعبر عن مزاج ومصلحة أغلبية السوريين، خارج ثنائية الاستقطابات المشوهة، وهي لا تستثني أحداً من الانخراط في المشروع الوطني المنشود.