على وقع ارتفاع الأسعار الهدوء النسبي و«الحوالات المالية» تنعش الأسواق والمطاعم
رغم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ حوالي 3 سنوات وأكثر، وارتفاع الأسعار الأخير الذي طال أغلب السلع وحاجيات العائلة السورية، كان مشهد الأسواق المزدحم في اليوم الذي سبق عيد «الفطر» هذا العام جديداً على الأزمة السورية، وبعده حال المطاعم المكتظة خلال أيام العيد.
الهدوء النسبي أمنياً في دمشق، واعتماد أغلب الأسر السورية على الحوالات الخارجية، كانت إحدى التسهيلات بحسب بعض الأسر السورية، التي ساعدت على رسم مشهد جديد غير مألوف للأسواق والمطاعم خلال الأزمة السورية في الأعياد، ففي اليوم الذي سبق عيد الفطر هذا العام، اكتظت الأسواق بالزبائن، لشراء الملابس وحاجيات العيد بعد اختصار بعض الحاجيات الأخرى مثل الحلويات باهظة الثمن، واقتصار النشاط الاجتماعي داخل مدينة دمشق.
شراء رغم غلاء الأسعار!
«قاسيون» كان لها جولة على بعض أسواق دمشق قبل عيد «الفطر» بيوم، وعلى عدد من المطاعم خلال العيد. وفيما يلي عينة من استطلاع آراء المواطنين:
قال «أبو مجد»، موظف حكومي وأب لـ 5 أطفال، إن «الهدوء الأمني في دمشق وحصولنا على حوالة مالية من أبني المتواجد في دولة الامارات العربية، ساعدنا هذا العام للنزول إلى السوق وشراء بعض الحاجيات من ملابس وأمور أخرى اعتدنا على اختصارها في الأعياد السابقة خلال الأزمة الحالية».
وتابع خلال تجواله في سوق (الصالحية) إنه «رغم غلاء الأسعار بعض الشيء، لكن الأسواق هذا العام كان لها طابعها الخاص، فقد احتشد السوريون كما قبل الأزمة، واقبلوا على شراء الملابس من المحال و(البسطات)».
ومن جهتها قالت فداء «أم عدنان»، وهو تتسوق في سوق الجسر الأبيض، إن «الأسواق تأقلمت مع الأزمة، فهذا العام، توفرت الملابس حسب القدرة الشرائية لكل أسرة، هناك محال رخيصة نسبياً، وهناك (بسطات) لمن لا تسمح له حالته المادية دخول المحال، عدا عن ملابس البالة التي ارتمت على الأرصفة، فكل شيء متوفر في دمشق تقريباً بما يتناسب مع حال الأسر».
البضائع الكاسدة تجتاح المحلات
وتابعت «في الأعياد الماضية، كان للأسواق دور مهم في الحد من حركة السوريين قبل أيام من العيد لإغلاقها باكراً، أما في العيد الحالي، فقد استمرت الأسواق بالبيع حتى ساعات الفجر الأولى، وهو ما لم نعتد عليه سابقاً في الأزمةً»، مشيرةً إلى أن «أغلب البضائع قديمة لم تستطع المحال تصريفها السنوات الماضية، وقد شاهدنا موديلات من عام وأكثر تم تصريفها هذا العام بسعر منخفض بعض الشيء».
وأردفت «حال أسرتنا اقتصادياً مازال على حاله، ولم يطرأ عليه أي تحسين، فزوجي هو المعيل الوحيد ويعمل في القطاع الخاص، لكن استطعنا توفير بعض الأموال لهذا العيد، إضافة إلى مبلغ مالي حصلنا عليه من خطيب ابنتي في مصر، ما ساعدنا على النزول للسوق هذا العام».
وبدوره، قال «ضياء»، شاب أعزب يعمل في القطاع الخاص ولديه شقيقان أحدهما في الامارات والثاني في تركيا، إن «مشهد أسواق دمشق هذا العام كان صادماً، لم أستطع حتى ركن السيارة. هناك اقبال غير مألوف على الشراء خلافاً لكل عام، والمحال استمرت في البيع حتى ساعات العيد الأولى».
وأردف «في العيد الماضي، كانت الأسواق تغلق الساعة العاشرة مساء، وقبل عامين في الثامنة مساء، أما اليوم، فقد أعيد للأذهان مشهد العيد قبل الأزمة».
وتابع «المشهد غريب جداً، فالحالة الاقتصادية للسوريين سيئة، لكن اعتقد أن اعتماد الكثيرين على الحوالات الخارجية كما عائلتي، إضافة إلى الطقس الحار، والأمان النسبي، دفع هؤلاء للنزول إلى الأسواق»، مؤكداً أن «البضائع في الأسواق أغلبها قديمة وتعود لعام سابق على الأقل، لم يستطع أصحاب المحال التجارية تصريفها سابقاً، ووجدوا في الإقبال الكبير هذا العام فرصة لبيعها ولو بسعر مخفض».
مطاعم دمشق متخمة
مشهد مطاعم دمشق خلال العيد، لم يكن مختلفاً عن أسواقها قبل العيد، وكان الاكتظاظ فيها وقربها يشابه بعض الشيء، ما كانت عليه الحال قبل الأزمة الحالية بحسب مشاهدات «قاسيون» في اليوم الثاني من العيد، حيث اختصر الدمشقيون عيدهم داخل المدينة التي استقبلت الكثير من العائلات النازحة من مناطق أخرى، ما ساعد على ازدياد الإزدحام في الشوارع والمطاعم، وساحات العيد.
وكانت أكثر ساحات المطاعم اكتظاظاً هذا العيد، ساحة الميسات والقصور والتجارة والربوة، لكن هذه المطاعم لم تكن جاهزة لاستقبال الضغط الذي «صدمت» به هذا العام، ما دفعها لإغلاق أبوابها والاعتذار عن استقبال الزبائن في وقت مبكر وخاصة مطاعم الربوة.
«قاسيون» حاولت زيارة بعض المطاعم في دمشق، وكان الازدحام سيد الموقف خاصة في المناطق المذكورة أعلاه، وفي منطقة الميسات وسط دمشق، كان من الصعب الحصول على طاولة لـ 5 أشخاص دون حجز مسبق، وداخل أحد المطاعم، كانت الخدمة سيئة جداً ونوعية الطعام المقدمة متدنية الجودة.
اختصروا عمالهم وصدموا بالإقبال
يبرر عامل في أحد هذه المطاعم- الميسات-، أن الإقبال الكثيف الذي شهدناه هذا العام، لم نشهده خلال سنوات الأزمة، وكان من الصعب تقديم الخدمات بشكل جيد نتيجة عدم الاستعداد لذلك الضغط.
العديد من هذه المطاعم، اعتمدت على الشبان الصغار والأطفال تحت السن القانوني للعمل (كنوادل) فيها، لتخفيف التكاليف عليها، وبعضهم اختصر موظفين ما أثر على الخدمات بشكل ملحوظ، وخاصة بتوقيت الحصول على الطلب وجودته، ونظافة المطعم وما الى ذلك.
المفاجئ في بعض المطاعم وخاصة في منطقة الربوة، هو رفضها استقبال المزيد من الزبائن في وقت مبكر (حوالي الساعة التاسعة مساء)، رغم الإقبال الكثيف بحسب مشاهدات «قاسيون»، وكانت مبررات أصحاب المطاعم، «أن العمال قد انهكوا لعملها ساعات طويلة في اليوم الواحد».
ارتفاع الأسعار خارج الرقابة
وأكد أحد العمال، أن «صاحب المطعم (المؤلف من 3 طوابق)، اختصر نصف العمال تقريباً، وجعلهم يعملون فترة أطول، بعد إن كان سابقاً وفي أيام العيد، يتم تقسيم العمل على ورديات صباحية ومسائية، لكن الاعتماد على العمال ذاتهم من الصباح الباكر، دفعهم لرفض استقبال المزيد من الزبائن».
وتابع «حجم الإقبال هذا العام كثيف جداً، ولم يكن متوقعاً، وهذه إحدى العقبات التي حالت دون تحسين خدماتنا وتلبية رغبة الزبائن كما يريدون».
وفي المطعم ذاته، ونتيجة قلة العمال، كان الطابق الأخير منسياً تقريباً من قبل العمال، بحسب أحد الزبائن، الذي أكد بأن الطلبات تأخرت جداً، وإزالة الأواني الفارغة كانت على عاتق الزبائن أنفسهم، حتى أنهم اضطروا للنزول إلى الطوابق الأولى لطلب ما يريدون.
ورغم الازدحام والإقبال، إلا أن الأسعار في هذه المطاعم كانت خارج الرقابة نهائياً من قبل الحكومة وأصحاب المطاعم أنفسهم، حيث قام بعض الموظفين باستغلال الضغط الحاصل، وبيع الطاولات غير الشاغرة للزبائن بـ1000 ليرة، أو الحجز مقابل مبلغ مادي، وهذا كان سبباً آخر لرفض استقبال المزيد من الزبائن.