ريف دمشق : شح المياه والمشاريع الموعودة.. «الكهرباء والمناخ» ضمن دائرة الاتهام
صعوبة الحصول على مياه الشرب من مؤسسة المياه بشكل رسمي، دفعت أغلب سكان مناطق الريف الدمشقي وضواحي دمشق للجوء إلى شرائها من الصهاريج الجوالة، حيث وصل سعر الصهريج الواحد من المياه إلى 1200 ليرة سورية، لكن وبحسب العديد من هذه الشكاوى، فإن «هذه الصهاريج تأتي بالمياه من مصادر مجهولة».
«كأننا في دورة الصاعقة، بتنا نغسل الصحون بإبريق الشاي لتقنينها، فالكمية المدخرة لدينا قليلة جداً ولا تكفينا حتى تصل المياه إلينا من مؤسسة مياه الشرب»، على حد تعبير «هاني» أحد سكان منطقة جرمانا بريف دمشق، الذي اشتكى لـ«قاسيون» من صعوبة الوضع في هذه المدينة بظل انقطاع المياه لأسبوع كامل بعض الأحيان.
الانقطاع والتقنين
وتابع «هاني» حديثه بالقول «إن المياه لا تأتي إلى المدينة سوى يوم واحد في الأسبوع في بعض الأحياء، وتصل إلى مناطق أخرى 3 أيام أسبوعياً لمدة عشر ساعات فقط، ومع انقطاع التيار الكهربائي، لا تتم الاستفادة منها نهائياً، فالمياه تأتي حوالي الساعة الثامنة مساءً، والكهرباء تقطع منتصف الليل لمدة 4 ساعات متتالية».
بهذه الحالة، لا يستفيد «هاني» أو غيره من سكان جرمانا من المياه بالشكل المطلوب، وخاصة أن المدينة تعتمد على المضخات الكهربائية لرفع المياه إلى الخزانات، و4 ساعات غير كافية لملئها بكمية تكفي ليومين، وغالباً تكون ضعيفة جداً، وتعجز المضخات ذات الاستطاعة القليلة لرفعها إلى الطوابق العلوية حتى لو توفر التيار الكهربائي.
سعر البرميل بـ300 ل.س
ويتابع هاني «باتت منازلنا مليئة بـ(البيدونات) وعبوات المياه، التي نقوم بتعبئتها من الصهاريج، ونعمل على تقنين استخدامها جداً كي لا نحرم منها خلال الأسبوع، عدا عن أن سعر برميل المياه الواحد في جرمانا ارتفع إلى 300 ليرة سورية ما يتطلب تخصيص مبلغ شهري لشرائها».
مشكلة أهالي جرمانا بريف دمشق، لم تكن الوحيدة، بل تعاني أغلب مناطق الريف الدمشقي وضواحي دمشق من مشكلة وصول مياه الشرب إليها، ففي منطقة صحنايا بريف دمشق، ووفقاً لما تحدث فيه «نمير» أحد السكان هناك ولديه 3 أطفال، فإن مياه الشرب لم تصل إلى المنطقة منذ أكثر من 15 يوماً، ما انعكس سلباً على نظافة أطفاله وصحتهم.
وتابع إن «البلدية وعدت الأهالي بعودة المياه يوم واحد في الأسبوع، إلا أن انقطاع الكهرباء لساعات طويلة أعاق الاستفادة منها لعدم القدرة على تشغيل مضخات المياه، وخاصة أن المياه جاءت لمدة ساعة ونصف فقط وخلال فترة التقنيين ببعض المناطق».
يشربون مياه «المسابح»!
صعوبة الحصول على المياه من مؤسسة المياه بشكل رسمي، دفعت سكان منطقة صحنايا للجوء إلى شرائها من الصهاريج الجوالة، حيث وصل سعر الصهريج إلى 1200 ليرة، لكن وبحسب شكاوى سكان المنطقة، فإن «الصهاريج تأتي بالمياه من مصادر مجهولة، وقد بيّنت أنها تعبأ من مخلفات مياه المسابح».
وأكد «نمير» أن «منطقة صحنايا شهدت عدة حالات أشبه بالتسمم خاصة بين الأطفال كالإسهال والتهاب الأمعاء، وتبيّن لاحقاً أنها ناتجة عن شرب مياه الصهاريج».
أزمة صهاريج ووعود لم توفَ
أصحاب الصهاريج وفي ظل أزمة المياه، بدأوا يمارسون نوعاً من الاستغلال، بحسب نمير «فلا يمكن أن يصل المواطن للصهريج إلا بعد أكثر من عشرة اتصالات يومياً أو يضطر للوقوف في ساحة الأزروني لأكثر من ساعة ونصف حتى يحصل على ما يحدده له الصهريج من مياه وليس كل حاجته».
وأكدت مؤسسة المياه مؤخراً عملها على إعادة تأهيل شبكة المياه هناك بقيمة 80 مليون ليرة سورية وبمدة تنفيذ 180 يوماً وهو خاص بإعادة توزيع المياه، إلا أن أهالي المنطقة قالوا إن «هذه الوعود قديمة وليست جديدة، ولم نلمس أي شيء من هذا القبيل».
وقال أحد السكان هناك مفضلاً عدم ذكر اسمه إنه «في وقت سابق من هذا الشهر وعدت مؤسسة المياه بوضع بئرين للمياه في مشروع الريمة في الخدمة على أن يوفرا المياه بحدود 500 إلى 600 متر مكعب بالساعة لحل مشكلة مياه الجديدة وصحنايا، إلا أننا لم نلمس شيئاً من التحسن».
وأضاف «قطعت علينا المؤسسة والبلدية وعوداً مراراً وتكراراً دون جدوى، وحتى اليوم لا نعلم لما تصل المياه إلى دمشق أكثر من الريف».
وتضم مدينة جرمانا وصحنايا حالياً أعداداً كبيرة من العائلات السورية النازحة والمهجرة من منازلها، ما يزيد من معاناة هذه الأسر التي تفتقر أساساً لمتطلبات حياة أساسية قد فقدتها في ظل الظروف الأمنية الأخيرة.
أزمات مشابهة..
أزمة المياه في منطقة الكسوة كانت مشابهة لباقي المناطق في ريف دمشق، فهي منقطعة منذ عدة أشهر بحسب مواطنين وبلغ سعر الصهريج 1000 ليرة سورية، بينما يتعذر وصول هذه الصهاريج إلى بعض المناطق بسبب الأوضاع الأمنية.
وتعاني محافظة درعا من انقطاع مستمر للمياه، بينما لم تصل المياه لبعض مناطق ريف حماة منذ أكثر من 4 أشهر، وبلغ سعر الصهريج مجهول المصدر 4000 ليرة سورية.
ووفقاً لأحد التقارير، فإن «أكثر المناطق سوءاً بالنسبة للمياه، هي ريف دمشق ودير الزور وحمص وحلب والرقة، حيث يفشل معظم السكان في الحصول على مياه نظيفة، ومثال ذلك منطقة دير الزور التي وصلت نسبة المياه التي تضخ إليها حوالي 10% مما كانت موجودة قبل الأزمة».
مياه الشرب ليست للشرب
ويعتمد سكان ريف دمشق قبل الأزمة على شراء مياه الشرب من الباعة الجوالين، في حين يقومون باستخدام المياه الواصلة إليهم من مؤسسة المياه لعمليات التنظيف وما إلى ذلك، كون أغلب المناطق هناك تصلها مياه الآبار عبر مؤسسة المياه، والتي أجمع السكان على أنها غير صالحة للشرب.
وأكدت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي سابقاً أن بيع المياه عبر الصهاريج ممنوع وغير مرخص، إلا أن ضرورات الأزمة الحالية فرضت «غض الطرف عن هؤلاء البائعين»، وطلبت المؤسسة حينها من المواطنين عدم شراء المياه من الصهاريج المتنقلة إلا للضرورة القصوى كونها غير معروفة المصدر، ويجب الحذر عند استخدامها للشرب.
واعترفت المؤسسة، أنه لا يمكن تحديد المكان الذي تجلب منه هذه الصهاريج المياه، وإن كانت فعلاً صالحة للشرب، قائلةً إنه «حتى إن كانت صالحة للشرب، فإننا ننصح المواطنين بعدم شراء المياه منها إلا في الحالات الاضطرارية».
مؤسسات الدولة «تهدر»!
هدر المؤسسات الحكومية في الأرياف والمدن للمياه كان له أثر كبير على شحها، حيث أكدت مؤسسة المياه على وجود لجنة من وزارة الموارد المائية تدرس موضوع الترشيد واستهلاك الدوائر الحكومية التي تهدر المياه بشكل كبير بنسبة استهلاك كبيرة ضمن مشروع ترشيد الاستهلاك لهذا العام.
وأكد المدير العام لمؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في دمشق وريفها حسام حريدين أن «وسطي استهلاك الفرد في مدينة دمشق يبلغ 120 ليتراً من المياه يومياً، بينما يصل وسطي استهلاكه في بعض مناطق الريف إلى 100 ليتر ومناطق أخرى قد لا يصل لـ60 ليتراً»، مضيفاً «إن ريف دمشق تأخذ حالياً 170 ألف م3 يومياً مع العلم أن الحاجة أكبر بكثير، كما هناك 1.65 مليون عداد أي 1.65 مليون مشترك».
حالة جفاف «استثنائية»
انخفاض كميات الأمطار الهاطلة على حوض نبع الفيجة إلى أقل من الحد الأدنى لوسطي المعدل العام السنوي تشير إلى تعرض الحوض الصباب لنبع الفيجة إلى حالة جفاف «استثنائية»، بحسب المؤسسة، لذلك تمت دراسة مصادر المياه الرئيسية (نبع الفيجة- نبع بردى) ومصادر المياه الرديفة (مركز جديدة يابوس- مركز زرزر- مراكز الضخ المنتشرة في مدينة دمشق) بالإضافة إلى الآبار الاحتياطية العائدة للمؤسسة العامة، ووضع برنامج تقنين المياه بما يتناسب مع كمية المياه المتوفرة .
وعلى ضوء هذه المعلومات، يتبيّن أن مشكلة شح المياه في ريف دمشق لا يمكن حلها هذا الصيف، وستبقى مرهونة بفصل الشتاء القادم، فيما لن تنجح خطط مؤسسة المياه بحفر الآبار أو استغلالها كونها غير صالحة للشرب كما أكد أغلب من استخدمها في ريف دمشق.