برسم التسليم «خزان وصوبيا وكم بوري»
قررتُ منذ صمتت قرارات الحكومة ـ التي لا تصمت عادةـ بشأن المازوت والقسائم والشيكات، أن أبيع عدة التدفئة، حتى أرتاح من نق، أقصد: من تغريد الزوجة ـ التي ما تفتأ صباح مساء: برد، مازوت، صوبيا!! حتى ألّفت في ذلك أغنية أحلى من أغنية فيروز .. برد برد!!
والواقع أن عدتي المنزلية لا تتجاوز صوبيا صغيرة وكم بوري وخزان شبه مهترئ على السطح، وبيعي إياهم لا لأشتري بثمنهم مدفأة كهربائية – يا حسرة -، فالكهرباء أشد وطأة وأكثر كلفة، إنما همي أن أزيل أي حلم متبقٍ لدى العائلة الكريمة في شتاء مازوتي دافئ، لأن الحكومة مستبشرة بالجو الصحو، ومطنشة!.. علّ المواطنين ينسون، وعلّ الربيع يأتي مسرعاً، فترتاح ويرتاحون.
وحين عرضت بضاعتي المزجاة للبيع، وجدت السوق مكتظة بما هممت ببيعه، ووجدت الجميع يعرضون ما أعرض، ولا مشترٍ، فالأغنياء لديهم أفضل مما نبيع، وشتاؤهم عامر بالمازوت والدفء.
عندها جال في خلدي، ومرّ في ذهني منظر تصويري لأجمل قصور سورية، وأمعنت أكثر، لأرى منازل أثرياء الوطن ومنازل السادة أعضاء الحكومة، ومنازل السادة أعضاء مجلس الشعب، ومنازل السادة المسؤولين – صغاراً وكباراً - وتساءلت هنيهة: أيعرضون كما نعرض؟ أم أن الحياء يمنعهم، لأني لا أتخيل ولا أتصور أبداً أن تكون منازلهم دافئة، ومنازل غيرهم باردة!
لكن غيري لم يصدق، رغم أني أكدت له أن السوريين جميعهم، مواطنين ومسؤولين متساوون، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد.
وبقي غيري غير مصدق، فقدح في ذهني رأي مفاده: أننا لن نبيع عدتنا.. بل سنقوم بمعية السادة، أعضاء الحكومة وبقية الجماعة المذكورين بتسليم عدة التدفئة المنزلية الخاصة بهم وبنا إلى مستودعات الحكومة، مشمولة بمخازين المازوت، ثم تقوم الحكومة بإعادة توزيعها بالتساوي مع بدء توزيع الدعم، ونطبق مشروع الإصلاح المازوتي على غرار الإصلاح الزراعي، خاصة وأن الإخوة العراقيين اللاجئين في بلدهم الثاني سورية بدؤوا باستلام دعمهم بخلافنا.
وفي هذا عين العدل والمساواة، التي سيضرب بها المثل عن دولة اشتراكية، اشترك فيها أعضاء الحكومة ومسؤولوها مع أصغر موظفيها، واشترك الغني مع الفقير، في البرد والدفء، وشعر أعضاء الحكومة بما يشعر به الطفل والعجوز والمريض والعليل، في التضامن والحجر الأسود وجرمانا...
وستكتب الصحف العالمية: أعضاء الحكومة السورية يسلمون الصوبيا والخزان إلى المستودعات ريثما يتم توزيع المازوت على فقراء الشعب!! وسيضحون من أعلام الاشتراكية أسوة بكاسترو وتشافيز.. – الذي استقبل العائلات الفقيرة المشردة في القصر الرئاسي -، ولا أظن أن عمل الحكومة السورية سيكون أقل مما فعله تشافيز!
يقول صديقي: عندها فقط، وفي اليوم التالي تماماً، سيبدأ توزيع الدعم المازوتي، لأنه وكما وردنا أن أعضاء الحكومة جلّهم «برّيد» ولا يستطيع التكتيك والتخطيط وهو بردان، إما هذا أو لأنهم أحسوا ولأول مرة «بالأولاد البردانين»!!