الرقة.. الفلاحون وموسم «القمح» في الأزمة

الرقة.. الفلاحون وموسم «القمح» في الأزمة

لقد عانى الفلاحون وما زالوا يعانون الأمرين: مرارة تغييب دور الدولة، بدءاً من حل مزارع الدولة وأهم دوائرها المكننة الزراعية التي كانت تقدم خدماتها للفلاحين، إلى تحرير الأسعار ومرارة هيمنة المسلحين الحالية، وهذا ما انعكس على حياتهم وعملهم وإنتاجهم من تحضيرات الموسم ومستلزماته وارتفاع أسعارها، إلى الحصاد إلى النقل والتسويق.

لقد وصل سعر طن بذار القمح حوالي 35 ألف ليرة وطن السماد 100 ألف، وكلفة حراثة دونم الأرض 3000 ليرة سورية، وكذلك أجور الري حوالي 1000 والتي يستولي عليها المسلحون، وكلفة أدوية المكافحة للأعشاب العريضة والرفيعة مع رشها حوالي 500 ليرة، وأخيراً أجور الحصاد 1000 ليرة للدونم أو نسبة 6% من المحصول.

التسويق والتكاليف الباهظة

أمّا أجور عامل الري 1000 ليرة باليوم، وأجور العتالة حوالي 20 ليرة للكيس الواحد، ووصل سعر كيس التعبئة الفارغ إلى 200 ليرة بينما كان في السنة الماضية حوالي 135 ليرة، وكلفة أجور النقل لسيارة تحمل 40 طناً حوالي 45 ألف ليرة.

ووفق الموسم الحالي، تراوح إنتاج الدونم من القمح بين 300 و500 كلغ أي وسطياً 400 كلغ، وللآن لم يقم أحد بتسويق إنتاجه لعدم وجود مراكز استلام في الرقة، وبالتالي يعاني الفلاحون من مشكلة التسويق، وبسبب الاشتباكات الحالية بين المجموعات التكفيرية لا يستطيعون نقله إلى دير الزور كما فعل البعض في السنة الماضية، كما لم يقم أحد ببيع إنتاجه إلا مضطراً حسب حاجته للسيولة النقدية لشراء حاجاته المعيشية، وباعه بسعر 35 ليرة للكلغ الواحد، بينما تسعيرة الدولة 46 ليرة للقمح القاسي و45 ليرى للقمح الطري وهذا ما يعرض الفلاحين لخسارةٍ كبيرة. 

اليد المنتجة تعاني الأمرين

وبالمحصلة العامة يمكن للفلاح أن يكون رابحاً ما نسبته 25% إذا كانت لديه السيولة لشراء مستلزمات الإنتاج في وقتها ولديه وسائل الإنتاج كالجرار والحصادة ووسيلة النقل، أمّا الفلاح الذي يستدين لحين الموسم فسيكون خاسراً لكنه لا يمكنه إلاّ أن يزرع ليبقى حياً.

ولا شكّ أن موسم هذا العام في الرقة لا يختلف عن سابقه بل ربما أسوأ بسبب استحالة تسويقه للدولة مما يجعل الفلاحين تحت رحمة المسلحين التكفيريين وأمراء الحرب وتجار الأزمات، وهذا ستكون له انعكاساته على الأمن الاقتصادي، وخاصة الأمن الغذائي للمواطنين.. 

الإنتاج وتحرير الأسعار

إذا كان التراجع الاقتصادي، وخاصة الزراعي منه بشقيه النباتي والحيواني، نتيجة تراجع دور الدولة في السنوات السابقة للأزمة، بسبب السياسات الليبرالية التي طبقت، من رفعٍ وتحرير للأسعار وللتجارة، أحد الأسباب المهمة لانفجار الحراك الشعبي في الأرياف والمدن الريفية وامتداداته وتحولاته إلى أزمة وطنية شاملة.

لقد ارتفعت كلف الإنتاج بارتفاع أسعار مستلزماته، واتضح سوء التخطيط السابق ووهميته إضافة لاتساع النهب والفساد في الدولة والمجتمع وخاصةً الكبير منه، فتراجعت نسب «الإنتاج» وجاء تجار الحروب والأزمات ولصوصها ليزيدوا الطين بِلّةً، ففي غالبية أماكن التوتر الآن هذه النسب للإنتاج تكاد تنعدم.