التغيب عن المدرسة.. ظاهرة خطيرة أسبابها متشعبة
تغيب التلاميذ والطلاب عن المدارس قضية اجتماعية تربوية تعد ظاهرة خطيرة، وذلك لانعكاساتها السلبية في مختلف المجالات التربوية – الاجتماعية، والنفسية، خاصة وأنها تتفشى بين مختلف الطلاب من مختلف المراحل التعليمية.
إن التغيب المتكرر للتلاميذ وخصوصاً في المراحل الدراسية الأولى يجعل من المتغيب أمياً عاجزاً عن مواكبة التطور المتسارع مما يعرقل مشاركته المستقبلية في بناء المجتمع، كما ينتج عن التغيب والانقطاع عن المدرسة انحسار العلاقة بين التلميذ وأبناء جيله إلى درجة كبيرة، فيصاب بالاضطراب والقلق الشديدين.
طلاب متغيبون يرتدون اللباس المدرسي، ويحملون حقائبهم على ظهورهم، تجدهم يتسكعون في الشوارع والطرقات وأمام مقاهي الإنترنت، ومحلات الألعاب أو بداخلها، قاضين ساعات طويلة خارج أسوار المدارس يتبادلون الشتائم، يشربون السجائر، ويعرضون أنفسهم للأخطار المختلفة، وعندما ينتهي وقت الدوام الرسمي يذهبون إلى بيوتهم، وكأنهم عائدون من مدارسهم.
وتتفاقم هذه الظاهرة بشدة في ظل غياب الرقيب الأساسي وهو المدرسة.. فكيف تسمح إدارة المدرسة بخروج هؤلاء الطلاب أثناء الدوام؟! أليست المدرسة هي المسؤولة والمؤتمنة على هؤلاء الطلاب طيلة فترة الدوام الرسمي؟! هل تستطيع المدرسة أن ترفع المسؤولية عن عاتقها إذا تعرض هذا الطالب المتغيب لحادثة أو مكروه خلال أوقات الهروب هذه؟! ثم أين الدور الرقابي للأهل، خصوصاً وأن غياب بعض هؤلاء الطلاب يستمر لأيام عديدة؟! وأين هو التعاون بين المدرسة والأسرة؟! وهل انشغال الوالدين بأعمالهم داخل وخارج المنزل يرفع المسؤولية عنهم؟!
وللوقوف على حجم هذه الظاهرة، ودور المدرسة الغائب للحد منها، أكد أحد المعلمين عند سؤاله عن الدوافع والأسباب التي تجعل من الطالب أو التلميذ متسرباً قائلاً: «المعلم هو سبب من أسباب التغيب للطلاب، فهو الذي يمتلك الإمكانية على التأثير إيجاباً أو سلباً على الطالب، فالتأثيرات السلبية التي يتركها المعلم عند طلابه تكمن من خلال معاملته القاسية لطلابه، أو توجيه الإهانة والضرب لهم، مما ينفرهم من حضور الحصة، ويجعلهم أكثر استعداداً للتغيب، كما أن لضعف أداء المعلم وأسلوبه الجاف في تقديم مادته دور أيضاً في تنفير طلابه وخصوصاً في المواد العلمية، أو في مادة اللغة العربية أو الأجنبية.
وعند السؤال عن الفارق في نسبة التغيب بين الذكور والإناث، أفاد الأستاذ (م.أ)، وهو أمين سر في إحدى مدارس محافظة القنيطرة أن النسبة متقاربة بين الذكور والإناث، ولا فارق كبيراً بينهما، معدداً أسباباً أخرى للتغيب الحاصل لدى الطلبة ومن أهمها، الأسباب الأسرية، والمتمثلة بجهل الوالدين، وعدم اهتمامهما بتعليم أولادهما، وأخرى اقتصادية، تتمثل بالفقر، وعدم إمكانية الأهل توفير مصاريف الدراسة، والأعباء المدرسية التي تثقل كاهل الأسرة، فيخرج الطالب للعمل في سن مبكرة ليساعد أسرته في تأمين لقمة العيش عل حساب دراسته ومستقبله، وهناك أسباب نفسية، تعود لفقدان التلميذ الميل للدراسة بسبب الإحباط الذي تسببه مشاهد العاطلين عن العمل من المتعلمين في محيطه الأسري أو الاجتماعي، الباحثين دون جدوى عن فرصة عمل في مجالات حتى خارج مجال دراستهم ولكن دون جدوى، مما يجبرهم على العمل في أي مجال لعدم توفر الشاغر المناسب للتوظيف، كما أن للأصحاب الذين تركوا المدرسة سابقاً دوراً كبيراً وهاماً في جذب الطالب إلى السوق أو الشارع ومحاولة إقناعه أن الدراسة لا تجدي نفعاً، وأنها إضاعة للوقت، مما يشعره بعدم الارتياح في استمرار تعليمه، كما أن لكثافة المناهج الدراسية دورها أيضاً في تغيب الطلاب.
وأمام هذه الأسباب مجتمعة نطرح جملة من المقترحات على أمل أن تكون خطوة في طريق حل هذه القضية الهامة:
إعداد المعلم أو المدرس سلوكياً، وتربوياً، وأخلاقياً، وعلمياً، بشكل جيد.
التعاون بين الأسرة والمدرسة من حيث المتابعة، والمراقبة، ودراسة الميول، وتقصي المشكلات التي يعاني منها الطالب.
وضع برنامج من جانب الدولة لمساعدة الأسرة الفقيرة وتأمين احتياجاتها التعليمية كضمان اللباس، والكتب المدرسية، والقرطاسية، وما إلى ذلك.
تفعيل دور المرشد التربوي والنفسي في المدارس، لتوجيه الطلاب، وإرشادهم، وتوعيتهم، وتشجيعهم على العلم.
قيام وسائل الإعلام السورية بمختلف أشكالها واتجاهاتها بوضع برامج توجيهية لإظهار خطورة وعواقب التسرب الدراسي والتغيب.
وضع وزارة التربية برنامج تعليمي مناسب لمستوى وأداء الطلبة والتلاميذ.
منع التعامل مع التلميذ والطالب بعنف وقسوة، ومنع العقاب البدني بكل أنواعه.
تطبيق قانون إلزامية التعليم بشكل أكثر جدية من خلال مكافحة حقيقية وجذرية لظاهرتي التغيب والتسرب المدرسي.