كرامات المواطنين..  من يحفظها؟!
محمد عصام زغلول محمد عصام زغلول

كرامات المواطنين.. من يحفظها؟!

حرت في شدة الشقاء المحتمل الذي قد يصيب بعض المحامين أثناء مرورهم في جنبات قصر العدل بدمشق، عارضين لمئات المواقيف، بأشكال عجيبة غريبة مريبة!

كنت فيمن يرى كل يوم عشرات يـُقتادون بسلاسل وأغلال من حديد، يجرون كالعبيد من محكمة إلى أخرى، يقودهم على الجانبين الشُرط، وكأنهم الفراعنة يجلدون عبيدهم ليسيروا بانتظام!

أما تلك الأسابيع الخالية، والتي عَدَت، بشدة ومقت علينا، وبغضب وسخط على غيرنا، كنا قد رأينا فيها ما لم نره من ذي قبل، والذي يتشابه بعضه مع حالاتٍ لا تنتمي بيقين إلى عصرنا هذا أو إلى خمس مئين مثله سلفت!

ثم أطل بثقله منظر لم أكن أتمنى يوماً أن أراه، وإني لآسفُ لكل من رآه، في وصول باص يقتاد مجموعات من المواقيف الشبان، معصوبي الأعين، يضعون رؤوسهم بين رجليهم، وأيديهم فوق رؤوسهم، يمر بينهم العناصر في الباص جيئة وذهاباً!

وصل الباص إلى الباب الجانبي لقصر العدل، نظر المواطنون وتهامسوا وتدافشوا، أن انظروا واغدوا!

أبعدت الشرطة المواطنين، وبقيت مراقباً، فأنزل الشبان على حالتهم، ومع كل نزول ضربةٌ بيد رعديد صنديد على رأس ذلك المتهم الموقوف المجرم الشاب، يودعه بها!

عدت لأدخل من باب القصر الرئيسي، أرى من دخل وأدخل وما تهمهم، وما الذي استحق كل ما يجري، لأفجأ بأن ما رأيته ما كان سوى أبسط ما كان قد جرى، فكل موقوف منهم، كان يتمتع بما يتمتع به من كدمات وضربات على وجهه ومختلف أنحاء جسده!

دعتني مهنتي وقسمي أن أترافع عن بعض من ليس لديه محامٍ، وكلهم كذلك، لأرى أن السواد الأعظم منهم قد أخرجهم القضاء العادل، لعدم وجود أي قانون يدينهم، أو لعدم خرقهم لأي عرف يشينهم!

فما هو القانون الذي حكم على أولئك بأن يجري عليهم ما جرى؟!

وما هو العرف الذي قد أفقد بعضهم قدرته على الحركة، وقدرته على الكلام وبعض أسنانه؟!

عندها عدت إلى حيرتي لأجد مَن أشدنا شدة، أهو من رأى وعاين ما حلّ بهؤلاء، أم هم هؤلاء الذين يرمقوننا بنظرة المشفق علينا، من شدة ما نرى!

ولكن ما هو الجرم العجاب الذي أدانهم به من أحضرهم، وبرّأهم به من أخرجهم؟!

وهل يعتبر القضاء أن إخراجهم مما وقعوا فيه كافٍ بذاته لتعويضهم عما مروا به؟!

أم هل كتب على المواطنين أن يثقوا فقط بقضائهم، ويفقدوا كل ثقة بمن يعضد هذا القضاء من السواعد الحديدية الصماء العمياء؟!

هل سيكتفي قضاؤنا بإحقاق العدالة بين المواطنين، راضياً بذلك، غاضاً طرفه عمن يسيء إلى المواطنين، موقوفين كانوا أم مدانين؟!

وهل يحق لأحد كائناً من كان، أن يهدر كرامة مواطن سوري كائناً من كان؟!

ولكن اليوم.. وجب على قضائنا العادل مسؤولية أهم من حفظ الحقوق والأموال، أهم من سلامة الأعيان والأطيان، أهم من المواريث والحصص والأبدال..

وجبت مسؤولية حفظ الكرامات، وصيانة الحريات، وإيقاف المهانات..

ولعمري - بعد أن طلب وزير العدل، ونقيب المحامين، دراسات ورسائل لتطوير العمل القانوني والقضائي - لنأتينهم بها!

وهاهي رسالتنا الأولى إليكم! ولعلها يا سيادة الوزير.. ويا سيادة النقيب أهم رسالة.. فهي المبتدأ وهي المنتهى..

احفظوا كرامات المواطنين!!